لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

داخل وخارج المسجد.. أحبة "عمرو بن العاص" تلبي نداء اليوم الأول لعودة الصلاة (بالصور)

10:42 م السبت 27 يونيو 2020

منتصر سليم أحد المصلين في مسجد عمرو بن العاص

كتبت وتصوير- إشراق أحمد:

بخطى متأنية تقدم منتصر سليم نحو قِبلته،، انهى الرجل الستيني الكشف الطبي على قلبه في المستشفى وجاء مسرعًا ليلحق بصلاة الجماعة، ما كان ليفوت مكانه بين العائدين إلى جامع عمرو بن العاص بعد فتح المساجد أمام المصلين، اليوم السبت، ورغم ما يبدو في الأمر من مشقة إلا أنه حضر كما فعل فجرًا، وبينما استقر سليم على مقعد خلف الصفوف، وقفت مها صبري تصلى على أعتاب المسجد، جاءت هي الأخرى بلهفة المشتاق، رفضت أن تعود خائبة الوفاض دون أن تلبي أذان العودة.

ارتدى سليم جلباب أبيض ناصع، والتزم بالتعليمات الجديدة لدخول المسجد، وضع الكمامة على وجهه ودخل بين المصلين الوافدين على "عمرو بن العاص"، قبل دقائق من رفع أذان الظهر، وقف إمام وخطيب المسجد سيد عبد القادر والعاملين يستقبلون الوافدين، إلى جانب بعض رجال الأمن يباشرون التأكيد على تطبيق القرارات المستجدة، من ارتداء الكمامة وإحضار المصلية الخاصة به، وكان الشيخ عبد القادر تهيأ قبل دخول المصلين يستحضر مشاعر اللحظة الفريدة.

2- (2)1-

اتخذ سليم ركنًا قصيًا، جلس على مقعد خشبي في الصفوف الأخيرة بالمسجد، استحضر سكينة ألمت به منذ علم بخبر عودة فتح المساجد لصلاة الجماعة، يُرفع الأذان كاملاً، ينتشي الرجل بالسعادة. لم يعتد سليم الغياب عن "عمرو بن العاص" هذه المدة الطويلة "بيتي بيطل على الجامع بشوفه من البلكونة.. أنا باجي هنا من عمر 12 سنة". مرت خطى سليم من المهد على أرض المكان، عاصره طفلاً يلعب بداخله الكرة مع رفاقه، فيما لا يلقى سوى كل الود من المصلين، وأتاه شابًا متزوجًا، ولازمه بعد الخروج على المعاش.

رغم العمر المديد لسليم داخل المسجد العتيق، إلا أن تلك اللحظات اليوم تشعره مثل المسافر الذي عاد لموطنه، يقول "رجعت للناس اللي بحبها ويحبوني بعد الفترة القاسية اللي فاتت"، "يُعدد من حضر للصلاة، يشير إليهم بالبنان، يعلم أن العدد لم يكتمل اليوم بعد مضي ثلاثة أشهر من الغياب "في ناس فقدناها ومعرفناش لا نحضر جنازتهم ولا عزاهم"، يتذكر سليم "الحاج يحيي"، عرفه منذ نحو 20 عامًا، يصفه "كان من أعمدة المسجد مش مجرد حد بيلصي"، فيما رحل قبل 20 يومًا، ليصبح اليوم الأول لغيابه عن المسجد بينما تواجدت بقية الصحبة.

3 (2)

حضر جمع من المصلين إلى "عمرو بن العاص" اليوم؛ كبار وشباب وحتى الأطفال، اتخذوا أماكنهم على العلامات الموضوعة على الأرض، ويوجههم إليها العاملون في المسجد. تحين الصلاة، يقف الإمام عبد القادر أمام القبلة، يخطب في الناس لثوان ليس لسد الخلل والاستواء كما المعهود إنما بأن يلتزموا بالتباعد الاجتماعي والوقوف أمام العلامات الموضوعة على الأرض. يلتزم المصلون بالكمامة والمصليات الخاصة، فيما وقف محمد علي طيلة الركعات الأربعة للظهر مرشدًا للقادمين الجدد بأماكن الوقوف.

4

مازال تأثير الأيام المنصرفة حاضرًا في نفس سليم، يبكي الرجل بينما يستعيد تأثير "ألا صلوا في بيوتكم"، كان وقعها قاس على نفس الرجل، كأنما كانت تخبره أنه صار عاجزًا كما يصف.، وكثيرًا ما تحايل على أثر ذلك ، بالصلاة في الشرفة "عشان أحسن بقربي من المسجد"، يولي وجهه شطر القبلة التي تقابل المصلى ليراه فتسر نفسه بالنظر إلى المكان المحبب.

انقضى الظهر، بينما حرص سليم أن يوجه رفاقه من المصلين بإرتداء الكمامة، فعل ذلك مع شاب نزعها عنه، وكذلك أخذ إمام "عمرو بن العاص" ينصح المصلين بالخروج دون تزاحم حفاظًا على سلامتهم. لليوم فرحة في نفس الشيخ عبد القادر ولا يريد أن يعكرها بسماع الضرر عن أحد. انفتح المسجد فجرًا ورغم شوقه للإمامة إلا أن القلق لم يفارقه "كنت متخوف من عدم التزام المصلين"، لهذا تضاعفت سعادته لما أبداه الوافدين من تنفيذ التعليمات، لا يرغب الشيخ في غلق المسجد مرة أخرى، لاسيما بعدما استعاد ما فقده طيلة 100 يومًا "معنى التساوي بين الناس.. الكل واقف صغير وكبير يعلنها صريحة الله أكبر".

56

بدأ المسجد ينفض رويدًا، يخرج سليم مودعًا على أن يعود لإتمام صلوات اليوم والأيام المقبلة، لعله يمحي ما تركته الأيام الماضية من أسى في نفسه، وفيما يغادر المصلون، تتم مها صلاتها، سمح لها بعد محايلة أن تصلي على أعتاب المكان، كان في نفس السيدة الخمسينية وجع جراء البعاد عن المسجد "من وأنا عندي 8 سنين وباجي مع والدي ولما بقيت عندي عشرين سنة مفارقتوش.. اتعلمت هنا وجبت ولادي وجوزي هنا". من سطح منزلها ترى المسجد، ومن حجرتها تسمع الأذان، لكن لم يكن ذلك كافيًا.

كانت تظن مها طيلة الأيام الماضية أن غلق المساجد "غضب من ربنا"، لهذا ظلت تقنت إلى الله داعية الشهور الماضية، لم تفقد اليقين بأنه من تدعوه "حنين وأقرب إلينا من حبل الوريد"، لهذا حين علمت بنبأ عودة الصلاة في المساجد، نفضت عنها التعب الجسدي، وهبت للمجيء إليه رغم علمها بغلق الجانب المخصص للنساء "مش مشكلة اتفتح للرجالة ولا الستات المهم أنه اتفتح.. ومدام فتح بابه هيفتح باب عفوه علينا"، عبرت السيدة عند فرحتها بطريقتها؛ نذرت الصلاة على الأبواب لأداء الشكر على العودة، ولتطفئ نار الحنين للمكان.

7

لم تكن مها تفوت صلاة في المسجد قبل ثلاثة أشهر حتى الفجر، تعلقت السيدة ببيت الله "أنا اتعلمت على إيد الناس هنا كل حاجة.. حافظة كل طوبة فيه"، وكانت ترد الفضل بتذكير المصلين من النساء بدعاء الخروج من المسجد، افتقدت مها الكثير من التفاصيل، دفعتها للقدوم اليوم، تتذكر كم كان شهر رمضان حزينًا "كنا نقعد لغاية الشروق لما نشوف السما.. كنا بنحس أن الملايكة حوالينا"، فيما انقضت الأيام بلا صلاة تراويح في جماعة، ولا تعبد في حضرة المحبين.

وفدت مها مع ابنتها الصغرى شهد، وُضع في قلب الصغيرة ذات الاثنى عشر عامًا حب "عمرو بن العاص" مثل والدتها، لحقت بها بعدما همت الأم بالنزول سريعًا، وحينما أخبرها حراس المسجد أنه لا يمكنهما الدخول لعدم فتح مصلى السيدات، بكت الصغيرة "كنت فاكرة أنهم هيفتحوا زي الأول"، اشتاقت شهد للنظر إلى السماء في باحة المسجد "باجي هنا دايمًا من وأنا في الحضانة.. وفي المدرسة كنت اخلص وأجي اقعد أذاكر.. المكان وحشني".

هنأت مها بصلاة الظهر على أعتاب "عمرو بن العاص"، تسعى أن تكرر الأمر إلى أن تُفتح الأبواب كاملة، لم يعد حزن السيدة كالسابق رغم أن جبهتها مازالت تشتاق للسجود على أرضه، توقن مها "محدش عارف مين المقبول يمكن حد يدخل بيته يدعي دعوة من حنيته وطيبته يقبل ويرفع الوباء عنا"، وذلك عزاء السيدة الخمسينية إلى أن تلقى الأحبة مرة أخرى داخل المسجد.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان