ليالي "الأراجوز" في الحجر.. بهجة كسرت عُزلة كورونا
كتبت- شروق غنيم:
تصوير- فرح حلبة:
كانت الأجواء مُربكة؛ في مايو الماضي عاد مجموعة من المصريين إلى الوطن بعد انتشار فيروس كورونا المستجد، يتلهّفون للقاء الأسرة والأحباب غير أن ذلك لا يستقيم دون المرور على الحجر الصحي في مدينة مرسى علم وقضاء 14 يومًا في العزل. في المكان شباب وعائلات عادوا بعدما تقطعت بهم السبل في الخارج بعد الجائحة، لا سيرة هنا سوى عن الوباء، كيفية انتقاله، الإجراءات الاحترازية اليومية، تدبر مرور الأيام للتأكد من خلو الأجساد من الفيروس، وسط الترقب والتوتر، حضر من أدخل البهجة، ومع أول طلّة للأراجوز تبدلت الأجواء.
خلف الأراجوز تتخفى سلمى سامي، ما إن يشتّد الممل فتخرج به في الطُرقات، من الشُرفة، أو يصبح هو المتحدث بلسانها، يتلقف الخدمة من العُمال والموظفين في الحجر "أنا مببطلش لعب بالعرايس، هي الحاجة اللي بتصالحني على الدنيا، والواحد بيتكلم من قلبه من خلالهم". بدأت علاقة الشابة بالأراجوز قبل عامين في فرقة "الكوشة" للعرايس، تدرّبت على يد الأستاذ ناصف عزمي، ومن وقتها أصبح الأراجوز محورًا هامًا في حياتها، أحيانًا تتوحّد معه فيصيرا شخصًا واحدًا "وساعات بحس إنه شخص مستقل بذاته في حياتي". وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، أدرجت الأراجوز المصري على قوائم التراث الثقافي العالمي غير المادي عام 2018.
أينما ذهبت سلمى الأراجوز ملازمها، حين عادت إلى مصر كان هامدًا في حقيبة سفرها، لم تفكر بعد في استخدامه حتى شجعتها رفيقتها بالغرفة فرح حلبة "اتعرفت على سلمى من فترة لكن عمرنا ما اتقابلنا، كان نفسي أشوفها ونلعب سوا بالأراجوز، بعدها قررت أوثق يوميات الحجر معاه". تقول فرح.
ما إن يُغلف الأراجوز أيادي سلمى، تتلبسها حالة من الفُكاهة، تتحرك بتلقائية في أرجاء المكان، تنادي على المتواجدين في الفناء، أو العُمال، في البدء استقبلوا الأراجوز بدهشة، يحاولون معرفة مصدر صوته، إلا أن اعتادوا على وجوده "كان عامل قلق، أول ما يظهر يغير الموود خالص ويخلي الناس تضحك لمدة ربع ساعة مثلًا".
كانت فترة تواجد سلمى وفرح بالحجر الصحي في رمضان الماضي، الأجواء قاتمة، الجميع مُشتاق للمنازل ودفء اللّمة، كانت تستغل سلمى فترة بعد الإفطار وتطل بالأراجوز للمتواجدين في شُرفات المكان "تقعد تعاكسهم وتهزر معاهم، وكل الناس كانوا عرفوه خلاص فكانوا بيبقوا عاوزين يتكلموا معاه ويسلموا عليه".
صارت فرح والأراجوز رِفقة، علمتها سلمى كيفية إجراء محادثة معه، فتفتح كاميرا هاتفها وتُسجل لقاءات معه، تسأله "تفتكر إحنا بقينا في اليوم الكام في الحجر يا أراجوز؟ يتهكّم على السؤال ويخبرها اليوم الـ18، تُطلق فرح ضحكة ساخرة وتخبره "دمك خفيف أوي يا أراجوز". كانت تلك اللحظات تهوّن على الجميع مدة الحجر "ساعات كنا نفتح الأوضة وهو اللي يرد على الطاقم الطبي، وساعات يقيسوا له الحرارة كمان، اعتبرناه شخص معانا في الحجر".
كانت سلمى تستمد حالة الونس لكسر ملل العُزلة والترقب بهوايات أخرى، تُدندن طيلة الوقت أو ترسم في الكراسات، وأحيانًا تُغني عبر الأراجوز "أي أغنية تيجي على بالي".تحكي الفتاة أن صوت الأراجوز وحده يمنح بهجة رغم أن أغلب جُمله غير مكتملة"وفي كلمات بتبقى واضحة أوي بينطقها، زي يا ولا وأزيكم؟، شكرًا ورمضان كريم".
أحيانًا كانت لا تخرج سلمى بالأراجوز لأن صوته عالي حينما تضع الأمانة، وهي أداة تضعها فوق لسانها ليغير من صوتها "كنت بخاف حد يبقى نايم مثلًا وأنا أزعجه"، فيما انتابها أحيانًا بعض الخجل والتردد "بس فرح اللي كانت بتشجعني وتحمسني خصوصًا إني بعرف أتخفى وراه، الناس بتنسى وجودي وبيركزوا معاه.. بيكون وقتها هو النجم وأنا في الضل".
لا يخطو الثنائي خطوة دون الأراجوز، كان وسيلة للتعرف على أصدقاء جدد من الحجر الصحي "منهم طالب اسمه عمار كان دايمًا عامل قلق في المكان، كنت أفضل أنادي عليه من البلكونة بالأراجوز وأعاكسه فكان يضحك ويتكسف"، صارت الدائرة المنتظرة الأراجوز أكبر ومنهم كبار السن "في ناس بتتخيل إنه للأطفال بس، لكن كان بيقف ناس كبيرة يتفرجوا ويضحكوا".
بعد حوالي أسبوع، أصدرت الحكومة المصرية قرارًا بإلغاء الحجر الصحي للعائدين من الخارج، لملمت سلمى وفرح أغراضهم من الغرفة، ودعوا رفاقهم الجُدد، من الأسفل يُنادي عمار وأحمد ورضا على الأراجوز، أخيرًا الكل سيعود للمنزل بعد فترة عصيبة، مع مغامرة لن تُنسى كان بطلها الأراجوز.
اقرا ايضا:
فيديو قد يعجبك: