لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

منسيون ومنسيات (5)- لور دكاش.. من ترك العود وحيدًا؟ (بروفايل)

10:08 م الأحد 12 يوليو 2020

لور دكاش

كتبت-رنا الجميعي:

لازمت العود طيلة حياتها، كان رفيقها منذ صغرها، منذ أن سمعها والدها تُغني بصوتها أغنية "مالي فُتنت بلحظك الفتّاك" لأم كلثوم، فاجأه صوت طفلته في السابعة من عمرها، فراعى موهبتها بتعليمها العود والنوتة الموسيقية، فتُصبح الموسيقى عزاء طفلة تركتها والدتها ورحلت، تكبر الصغيرة ويصير اسمها من الشهرة التي تصل مصر، هي المطربة والملحنة لور دكاش، اللبنانية المصرية.

لم تكن لور دكاش لولا والدها، أحد كبار تجار القماش في بيروت، والذي غوى الفنّ حتى أنه امتلك مكتبة أغاني كبيرة، حين سمع الأب جورج صوت ابنته لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يسمعها فيها تغني، قبلها ألّف بضعة كلمات تُغنيها الصغيرة، تقول فيها بصوتها الرقيق "تركتني الماما ما في بتمّي ولا سِنة"، لكنّ في اللحظة التي دخل جورج فيها على ابنته تُغني "مالي فتنت بلحظك الفتاك" كأنه رأها للمرة الأولى، انبهر بموهبتها الغنائية المتفجرة، وقرر تعليمها الموسيقى والعود والتواشيح.

لم تنْس يومًا لور دكاش ما فعله والدها لها "بابا هو اللي خلقني.. هو اللي علمني".. هكذا تقول في مقابلة لها مع المؤلف الموسيقي عمار الشريعي، حتى أن والدها هو من جعلها تُجرّب التلحين للمرة الأولى، فتحكي قائلة "قالي أنا هعملك كلمات يا عزيز يا عيني وانتي تلحني"، هكذا لحّنت للمرة الأولى كلمات جديدة لأغنية سيد درويش، لم يكتف والدها بذلك، بل أنه استغلّ علاقاته مع أصدقائه في مجال الفن، وقامت لور بتسجيل قصيدتين بشركة "بيضا فون"، أشهرها كانت قصيدة "طلوع الفجر" من كلمات الشاعر بطرس معوض، لكن والدها منح الأغنية مسّ من خيال "جاب واحد يقلد صوت العصافير والأذان والطيور ودخّل الأشياء دي في الأسطوانة".

امتلكت لور أول اسطوانة لها قبل أن تُكمل السادسة عشر، وكتبت عنها الصحف المصرية في ذلك السن، ففي إحدى الرحلات لمصر تواصل الأب مع صفية زغلول بعد وفاة زوجها سعد "قالها إني عايزة أرثي سعد على قبره"، وذلك الدافع لم يكن بداخل لور، بل قدّمه والدها لصفية لحُبه في إظهار ابنته، تحكي لور ذلك الموقف لعمار وهي تضحك، بالفعل قامت لور بغناء مرثية لسعد تقول فيها "يا روح سعد قد سكنت قلوبنا وأقمت فيها للصلاة معابد"، وبعدها كتبت الصحافة المصرية عن الفتاة الصغيرة التي ترثي سعد.

في رصيد لور حوالي 500 أغنية، لكنّها اشتهرت بأغنية "آمنت بالله"، في سنة 1939 طلبتها شركة بيضا فون لتسجيل أسطوانة جديدة بالقاهرة، حينها كانت لور في عمر الثانية وعشرين، ليقدم لها الشاعر التونسي مصطفى خريف مفتاح شهرتها طقطوقة "آمنت بالله"، وهي من تلحينها مشاركة مع فريد غصن، الذي طلب منها أن يصير اللحن باسمه فقط، ولسماحتها وافقت، ففريد عضو بجمعية المؤلفين والملحنين، وحتى يأخذ حقه المادي من اللحن عليه أن يكون اسمه فقط "لما اشتهرت الأغنية هو كسب الفلوس وأنا كسبت الشهرة"، هكذا رأت لور الموقف بسماحة روحها.

بعد نجاح أغنية "آمنت بالله" طلبتها الإذاعة المصرية عام 1945، فتحكي أنها قابلت اللجنة التي تتضمن كبار الفنانين من بينهم محمد القصبجي "وقالولي عايزينك تلحني لأن تلحينك مميز"، ويُقال أن لور قد سجّلت حوالي مائة لحن، حتى أن الموسيقار محمد عبد الوهاب قال عنها عبقرية، حين سمع لحنها لقصيدة "ليلة الهرم" للشاعر صالح جودت.

ظلّ العود رفيقًا للور طيلة حياتها، غنت العديد من الموشحات والأدوار والقصائد، واحتفظ اليوتيوب والساوند كلاود لها للعديد من الأغاني بصوتها، لكنّ مثل كثيرين شهدوا نجاحًا خلال فترة الثلاثينيات والأربعينيات ثم خفت نجمهم بعد ذلك، لم تكن قصة لور حكاية سعيدة على طول الخط، فبعدما فتحت الإذاعة المصرية ذراعيها كفّت عنها مُجددًا، ففي إحدى مقابلاتها تقول لور "غضت الإذاعة المصرية النظر عني أنا وناس كتير، معرفش ايه السبب، وابتعدت لحد ما بقيت على الهامش"، وكان آخر ما سجلته للإذاعة تلحينًا وغناء هي أغنية "مستحيل تقدر تنسيني الليالي".

كانت لور قد استقرّت في مصر منذ 1945، وحصلت على الجنسية المصرية عام 1973، وبعدما خفت نجمها لم تترك الفن مُطلقًا، بل اعتادت على غناء التراتيل كل أحد في كنيسة مُجاورة لبيتها بمصر الجديدة، كما احتفت بها فرنسا عام 1991، حيث أقامت حفلات في باريس، واحتفت بها الصحافة الفرنسية، لكن شهرة الفن لم تكن مثلما في شبابها، وفي هدوء شيخوختها كان الحنين يأخذها أحيانًا، فتصحب عودها أمام باب منزلها تغني ببقايا صوت له بحّة مميزة، حتى ظلّ صوتها عالقًا بعد رحيلها في 2005، فيسمع الجيران صداه الفتّان يُغني "آمنت بالله.. نور جمالك آية.. آية من الله".

1

اقرأ أيضًا:

منسيون ومنسيات (1).. المطربة نازك خفيفة الروح (بروفايل)

منسيون ومنسيات (2)-هند نوفل.. تطلعات امرأة في صحافة القرن الـ19 (بروفايل)

منسيون ومنسيات (3)-أحمد سامي.. غواية الغناء التي لم تجعل صاحبها نجمًا (بروفايل)

منسيون ومنسيات (4)- أحمد فتحي.. أسير الماضي صاحب السيرة الضائعة (بروفايل)

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان