لظروف "الكورونا".. كيف شارك أساتذة ثانوي في المراجعة الإلكترونية للوزارة؟
كتبت-إشراق أحمد:
أسبوع وينتهي ماراثون الثانوية العامة، تنقضي الامتحانات لكن تظل تجربة هذا العام مختلفة على جميع المستويات؛ حضرت أجواء فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) في كافة التفاصيل، حتى أنه دفع وزارة التربية والتعليم إلى إطلاق منصة إلكترونية باسم "ثانوية دوت نت"، شارك معلمون لتقديم المراجعات النهائية للطلاب. تجربة جديدة تبدل حال المدرسين فيها من الوقوف أمام تلاميذهم والتفاعل معهم إلى مواجهة الكاميرا كبديل للوصول إليهم.
28 عامًا قضاها خالد يوسف في مجال التدريس، لم يغادر فيها التواصل المباشر مع الطلبة، لكن مع اختياره كمنسق لمشروع الوزارة الإلكتروني؛ أصبح عليه أن يفكر كمعلم لمادة الرياضيات "إزاي أجذب الطالب أنه يسمعني وهو شايفني من ورا شاشة"، كان ذلك التحدي ليوسف، والكثير من المعلمين المشاركين في تجربة الاستثنائية للوقوف أمام الكاميرا.
كانت البداية كما يقول يوسف، حينما توجهت الوزارة في مارس المنصرف بتحويل مسار الدراسة إلى الشكل الإلكتروني، عقب الأوضاع التي فرضها "كورونا"، ومع تأكيد عقد إجراء الامتحانات، مايو الماضي، بدأ العمل على مشروع تعليمي يشارك فيه المدرسون، ويقدم عبر منصة إلكترونية خاصة بوزارة التربية والتعليم.
تواصل محسن صادق، رئيس الإدارة المركزية لتكنولوجيا نظم المعلومات بالوارة، مع يوسف، تم تكليف الأخير بالتنسيق مع الشركة والمعلمين الذين تم ترشيحهم من قبل مُوجهين المواد. لم يكن الوقت طويلاً، خاصة لتزامن ذلك مع شهر رمضان، وبدأ الأمر باختبار التجربة "سجلنا مادة الرياضيات ونزلت عشان يتشاف في قبول للفكرة ولا لا".
كان المشروع خاص أول الطريق "التفكير بدأ أنه ينزل على منصة الشركة الخاصة بمقابل رمزي ويبقى فيه جزء مجاني بحيث أنه يجيب التكلفة مش يحقق ربح"، لكن الحال تغير مع عقد الوزارة شراكة مع البنك الأهلي، ليصبح راعي للتجربة، وطُرحت جميع المراجعات مجانًا لكافة الطلاب.
الوقوف أمام الكاميرا لم يكن سهلاً، به شيء من الرهبة، لكن خبرة معلم الرياضيات مع التدريس جعلته يتجاوز الأمر سريعًا "أنا ولي أمر قبل ما أكون مدرس، فكنت بحاول أتعامل أن ابني أو بنتي اللي هيشوفوا المادة دي". يقول يوسف أن جميع المعلمين تطوعوا لأجل تقديم المراجعات، باعتبار أنه مهمة ضمن عملهم كمُعلمين تابعين لوزارة التربية والتعليم "كل المدرسين أقل واحد خبرته 15 سنة في ثانوية عامة.. كنا عايزين نوصل رسالتنا لعلها تكون علم ينتفع به في الوقت ده".
أثرت تجربة منصة "ثانوية دوت نت" في إيمان عبد الحليم؛ لم تكن معلمة الفيزياء مقتنعة بفاعلية الشرح "أون لاين" للطلاب خاصة لمادتها "الفيزياء محتاجة تركيز وحل مسائل ومتابعة عشان أعرف الطالب عمل إيه"، وعزز من شعورها هذا، محاولتها بعد توقف الدراسة، إذ أخذت تصور الدروس عبر هاتفها بإمكانيات بسيطة، غير أن الاستجابة كانت ضعيفة فاقتصرت على التواصل عبر الهاتف، لكن بعد المشاركة في مشروع الوزارة الإلكتروني تغير رأيها كما تقول.
لمست إيمان التفاعل فيما لاقته عبر خاصية التفاعل على المنصة "رسايل كتير جاتلي من طلبة بتسأل وأولوياء أمور كمان بتشكرني وتدعي لي"، تفاجأت معلمة مدرسة السلام الثانوية بنات بردود الفعل، حتى إنها اختبرت تركيز الطلاب مع المراجعات "ولد بعت أن في سهم بمسألة مرسوم غلط"، وكان فعلاً قد سقط سهوًا أثناء إعداد الحلقة مما ألزم تعديله.
"الدينامو" الدرس الأول الذي سجلته المعلمة كإختبار لتقديم المراجعة للمادة "جاب وقتها حوالي 8 آلاف مشاهدة"، كان ذلك قبل الترويج للمنصة كما تقول معلمة الفيزياء، مما أمدها بالحماس لإنهاء المهمة "سجلت 8 ساعات مع أن المفروض يبقوا 5 بس" تبتسم إيمان بينما تقول إنها أرادت إعطاء كل ما لديها، فذلك ما شغلها منذ أزمة الفيروس المستجد "كنت عايزة أوصل للولاد بأي شكل"، لذا تحمست للفرصة حين رُشحت لها، وزادت سعادتها أكثر بعد طرح المراجعات النهائية بالمجان للطلاب، ومعرفتها أنها حظيت بنحو 40 ألف مشاهدة.
تلك المرة الأولى التي تقف فيها إيمان أمام الكاميرا، وكثيرًا ما طالبت المصورين بالإعادة لأن بإمكانها التقديم بشكل أفضل "كانوا بيقولوا أني كويسة لكن كنت برد عليهم أني في الفصل بشرح أفضل من كده". كان غريبًا على المعلمة التي تعمل منذ 27 عامًا أن تتحدث دون أن ترى تجاوب المُتلقين، ورغم ذلك أمدتها التجربة بدعم معنوي في وقت قاس.
طُلب من معلمة الفيزياء تسجيل مراجعة لليلة الإمتحان، تزامن ذلك مع مرض والدها "كان شبه في غيبوبة مكنش عارفنا ولازم أكون جنبه"، كان ذلك مع مطلع يونيو المنصرف، اعتذرت إيمان مبادرة إن بالإمكان تأجيل الأمر حتى تتحسن الظروف، وبالفعل ما إن تعافى أبيها بعض الشيء حتى وفّت بكلمتها؛ ذهبت المعلمة أول أيام إمتحانات الثانوية العامة 21 يونيو لتصوير المراجعة الأخيرة لها قبل أسبوعين من إمتحان الفيزياء.
خلاف منسق المشروع وإيمان، كان محمد عفيفي معتادًا الوقوف أمام الكاميرا والشرح للطلاب، يقدم مُدرس الفلسفة والتربية الوطنية المنهج للطلاب عبر القناة التعليمية في التليفزيون منذ عام 2005، ورغم ذلك تعد هذه التجربة مختلفة لخبير المادة في مكتب مستشار الكتب الدراسية "في التليفزيون ممكن أقعد ساعة أو ساعتين بشرح على الهواء بستقبل تفاعل وأسئلة من الطلبة لكن في التسجيل للموقع قعدنا مثلاً 5 ساعات عشان نطلع حلقة مدتها ساعتين وتلت"، تطلب من المُعلم إعداد تلخيص كامل للمنهج وتقديم النقاط المهمة للطلاب خلال أيام، كي يُعرض للطلاب كمراجعة عامة ليلة الإمتحان.
افتقد عفيفي التفاعل مع الطلاب خلال تسجيل المادة، لكنه يؤمن أن لكل وسيلة متعتها، ففي تلك المرة انصبّ كل تركيزه مع ما يقوله "كنت بحسس نفسي أن الطالب قدامي وبكلمه"، فيما كرر ما يفعله كل عام "قبلها بشهر بقفل على نفسي وأجيب كل امتحانات السنين اللي فاتت ونماذجها عشان يبقى عندي رؤية اللي ممكن أقدمه للطلبة في المراجعة".
يعلم عفيفي مردود المراجعات المقدمة للطالب عبر وسيلة متاحة له "في 2016 بنت من أوائل الثانوية العامة كانت بتتكلم أنها اعتمدت على القناة التعليمية في المذاكرة"، لذلك يجد في الطرح الإلكتروني تجربة مفيدة واسعة التأثير، خاصة للطلاب خارج حدود القاهرة الكبرى "الطلبة اللي بعيد عن العاصمة مبيبقاش عندهم اختيارات كتير للمدرسين، فلما يشوف مدرس تاني ممكن يفيده أكيد هيفرق معاه".
يمتنّ عفيفي أن عدد من النقاط التي ركز عليها في المراجعات، وجدها الطلاب في الإمتحان، وأيضًا إيمان، تقول المعلمة إن رغم صعوبة الإمتحان حسبما أخبرها طلابها، إلا أن البعض قدم لها الشكر لما تركته من ملاحظات لوضعها في الاعتبار ليلة الإمتحان.
مع كل إمتحان جديد، تتولى صفحة الوزارة والوزير طارق شوقي نشر منصة "ثانوية.دوت نت"، والتأكيد على إعلام الطلاب أن ثمّة مراجعة نهائية مقدمة من مُعلمين لهم ومتاح الإطلاع عليها. بات ذلك تقليدًا طيلة الأيام الماضية، تطور الإقبال على المنصة كما يقول يوسف، معلم الرياضيات، لمس تفاعل لم يكن يتوقعه للتجربة الأولى حسب قوله، مما جعله يتمنى تكرارها فلا تقتصر على كونها استثنائية لظروف "كورونا".
فيديو قد يعجبك: