منسيون ومنسيات (6)- عباس البليدي.. نجم اختفى في الستينيات (بروفايل)
كتبت-رنا الجميعي:
كطيف عبر الأجواء ثم اختفى، هكذا كان المطرب عباس البليدي، صوت شجيّ تمرّس في غناء المواويل والأدوار والأغاني الشعبية على مدار ثلاثة عقود، غير أنه انسحب بعدها من دائرة الأضواء، جالسًا في الظل حتى مماته.
رغم مولده في مدينة دمياط، لم يستقر بها، افتتن بالطرب، وجاء للقاهرة عام 1930 للدراسة، وقام بالدراسة في معهد فؤاد الأول للموسيقى، وهو معهد الموسيقى العربية الآن، وحصل على دبلوم المعهد عام 1936، حينها كان عمره 24 عام، وخلال الدراسة كان البليدي يشترك في الإذاعات الأهلية، ويقوم بإحياء حفلات الغناء، موهبته تلك جعلته الأول على دفعته، حتى أن وزير المعارف (التعليم حاليًا) أهداه ساعة يد.
في فترة الثلاثينيات تمكن البليدي من إثبات موهبته، حضوره القوي جعله يحجز مكانًا بين مطربي ذلك الزمن؛ عبده السروجي وإبراهيم حمودة وعبد الغني السيد ومحمد عبد المطلب.
في بدايته غنى البليدي أدوار وموشحات غيره، كان مُحبًا لسيد درويش وسلامة حجازي ومحمد عثمان، وأحد أشهر الأدوار التي غناها كان "أنا هويت وانتهيت" لسيد درويش، لكن مُنعطفًا تاريخيًا في حياة البليدي دفعته لأن يغني أغانيه هو، حيث طلبته الإذاعة المصرية ضمن أول دفعة للمطربين الذي غنوا عبر أثيرها، وذلك عام 1934.
وقام البليدي بتسجيل أول لحن للإذاعة وهي "عندليب الروض"، ثم دعاه مدير الإذاعة في ذلك الحين، محمد سعيد لطفي، لتلحين قصيدة "أغار من نسمة الجنوب"، من كلمات أحمد رامي، وذلك قبل أن تغنيها أم كلثوم بسنوات عديدة، بعدها استمر البليدي في أداء العديد من الأغاني والأدوار، ساعده صوته المُتمكّن من غناء العديد من القوالب، فكان صوته الشجي الهادئ قادرًا على التلون، والانتقال من الدور والموشح والموال إلى الأغنية الشعبية بكل خفّة.
أثرى البليدي بصوته فترة الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات، لحن لنفسه العديد من الألحان، مثل أغاني "قمر وماشي"، "عجبي عليك يا هوى"، "جميل يا ليل خداع" وغيره، كذلك غنى من ألحان غيره مثل عبد العظيم محمد ومحمد الموجي وآخرين.
لم يترك البليدي خلال الثلاثة عقود طريقًا إلا وسار فيه، غنى الدويتو مع مطربين زمانه، كما أنه شارك في العديد من الأوبريتات الغنائية مثل؛ ألف ليلة وليلة، آدم وحواء، عوف الأصيل، متحف الفن، الراعي الأسمر، وغيرها، كما أنه ظهر في عدد من الأفلام؛ لك يوم يا ظالم وأنا بنت ناس وإديني عقلك وبنت النتاش، وغيرها، وكان آخر فيلم اشترك فيه هو فيلم "مصطفى كامل" تمثيل ماجدة، وكذلك غنى البليدي الأغاني الوطنية، منها أغنية "صفر يا وابور" التي يقول فيها: "صفر يا وابور واجري شوية.. وصلني قوام الاسماعيلية.. علشان أوفي الندر اللي عليا"، كذلك غنى "ع الجهادية" وأغنية "نشيد بورسعيد" خلال العدوان الثلاثي سنة 1956، والعديد من الأغاني التي تواكب العديد من الأحداث الوطنية مثل قيام ثورة يوليو، والوحدة بين مصر وسوريا.
مع حلول فترة الستينيات، اختفى صوت البليدي الشجي الهادئ، لم يعد موجودًا على الساحة الفنية، قيل سببًا غريبًا في اعتزاله، غير معروف هل هو السبب الحقيقي أم لا، أنه كان يحب احياء حفلات الزفاف في دمياط، وعندما أحس أن الشهرة ستحرمه من تلك الليالي الجميلة فقام بالاعتزال، ولم يظهر بعدها سوى في بعض الأمسيات الخاصة، وكأن نجمه العالي كان في أفول، حيث استقر في منزله بمنيل الروضة حتى وفاته عام 1996.
اقرأ أيضًا:
منسيون ومنسيات (1).. المطربة نازك خفيفة الروح (بروفايل)
منسيون ومنسيات (2)-هند نوفل.. تطلعات امرأة في صحافة القرن الـ19 (بروفايل)
منسيون ومنسيات (3)-أحمد سامي.. غواية الغناء التي لم تجعل صاحبها نجمًا (بروفايل)
منسيون ومنسيات (4)- أحمد فتحي.. أسير الماضي صاحب السيرة الضائعة (بروفايل)
منسيون ومنسيات (5)- لور دكاش.. من ترك العود وحيدًا؟ (بروفايل)
فيديو قد يعجبك: