منسيون ومنسيات (7)-نادرة.. معجزة القاهرة في الثلاثينيات
كتبت-رنا الجميعي:
حتى تاريخها نفسه غير واضح المعالم، يُشير البعض إلى أنها ولدت بحي عابدين سنة 1906، والبعض الآخر يقول إنها ولدت بلبنان، الأكيد أنها ولدت لأم لبنانية وأب مصري، فكان هذا التشوش، والذي استغله البعض لتشويه سيرتها بأنها ليست مصرية، هي الملحنة والمطربة نادرة أمين مصطفى، تنتمى لعائلة شتا التي تسكن مدينة رشيد.
أحبت نادرة الغناء منذ صغرها، هامت على ألحان سيد درويش وموشحات السيد الصفتي، وأغرمت بأغاني أم كلثوم وهي صغيرة، قيل إن والدتها ماتت وهي في الثانية من عمرها، وأن والدها سافر إلى أمريكا وتزوج هناك، بينما عاشت نادرة مع عمها الذي زوجها صغيرة في عمر الثالثة عشر، لكنها لم تحتمل تلك الحياة المقيدة، وهربت مُحاولة شق طريقها في مجال الغناء والتلحين.
تعلمت نادرة الموسيقى والعود على أيدي أساتذة كبار من بينهم يوسف عمران، ومحمد القصبجي وزكريا أحمد، وقامت بالعديد من الحفلات التي جعلتها تلتقي فنانين ذلك الزمن، ومن بينهم العازف سامي الشوا، الذي كان صاحب فضل كبير عليها، من خلاله تعرفت نادرة على الوسط الفني، لتنتقل لمرحلة جديدة في تاريخها، بدأت نادرة تصعد على سلم الشهرة منذ الثلاثينيات، خلال تلك الفترة ظهرت على مسرح رمسيس-الذي عرف بعد ذلك بمسرح الريحاني- ثم غنت في كازينو بديعة، حيث صارت واحدة ضمن البرامج الاستعراضية المتعددة في صالة بديعة مصابني.
أخذت شهرة نادرة تلمع في الأفق، حتى أنها لقبت بعدة ألقاب؛ "المطربة المشهورة"، "أميرة الطرب"، وصلت شهرتها إلى أن تغنّى فيها الشاعر العراقي "جميل صدقي الزهار"، الذي قال فيها "بين أغانيك وبين وجهك الجميل.. معجزة ثالثة من معجزات القاهرة.. فحبذا الفن وحبذا أغاني نادرة".
في فترة الثلاثينيات كانت نادرة مع موعد آخر مع الشهرة، حيث تعاقدت معها نحاس فيلم لتقوم ببطولة فيلم "أنشودة الفؤاد" مع الممثل جورج أبيض، ويصبح ذلك هو أول فيلم غنائي في مصر، عام 1932، وفيه غنت نادرة قصيدة "أنشودة الفؤاد" للشاعر خليل مطران، وطقطوقة "يا بحر النيل يا غالي" أو أنشودة القطن، بعده قامت بفيلمين آخرين هما "أنشودة الراديو" و"شبح الماضي"، لكنها لم تُفضّل التمثيل، واقتصرت على الغناء والتلحين، فقد لحنت لنفسها عدد من الأغاني منها؛ "تحت الشمس"، و"غني يا دنيا"، و"يا وردة مالك دبلانة".
بعد السينما اقتصر وجود نادرة على الحفلات والأغاني بالإذاعة المصرية، التي صارت واحدة من مطربيها وملحنيها عام 1934، وفي الإذاعة كان يقدم برنامج بعنوان "صدى الأندلس" يشرف عليه الفنان عبد العزيز محمد مع فرقته الموسيقية، والتي كان من ضمنها نادرة، حيث كانت تعزف وتغني أدوار محمد عثمان وسيد درويش وغيرهم، وغنت نادرة العديد من المواويل منها "بيني وبين القمر معاد"، والموشحات، والقصائد التي تعاون فيها عباس محمود العقاد، وشجعها على غناء قصائده مثل "يا ساعة الصفو" و"في الهوى قلبي زورق يجري" و"يا حبيبي أنت ريم ليس في النيل نظيره".
في الأربعينيات قلّ تواجد نادرة على الساحة الفنية، وخلال تلك الفترة تعاونت للمرة الأولى مع محمد عبد الوهاب، حيث لحن لها أغنية "يا حبيبي أقبل الليل"، وخلال تلك الفترة أيضًا قامت بتلحين وغناء الأغاني الوطنية، حيث غنت للجيش المصري في حرب فلسطين عام 1948 طقطوقة "يا جيش بلادنا يا حامي النيل"، وعند قيام ثورة يوليو 1952 غنت "يا مصري قوم واحمي الوادي "، اختفت نادرة مع الوقت، قيل إنها اعتزلت الغناء في الستينيات إثر خلاف مع هيئة الإذاعة المصرية.
يبدو من تاريخ نادرة ، ورغم أنها أثرت التاريخ الغنائي في مصر، لكنها لم تستطع مواكبة مجريات الزمن الذي تغير تغيرًا كبيرًا، فلم تعد الستينيات تشبه الثلاثينيات، فلفظها، ومالت إلى العزلة حتى وفاتها عام 1990.
اقرأ أيضًا:
منسيون ومنسيات (1).. المطربة نازك خفيفة الروح (بروفايل)
منسيون ومنسيات (2)-هند نوفل.. تطلعات امرأة في صحافة القرن الـ19 (بروفايل)
منسيون ومنسيات (3)-أحمد سامي.. غواية الغناء التي لم تجعل صاحبها نجمًا (بروفايل)
منسيون ومنسيات (4)- أحمد فتحي.. أسير الماضي صاحب السيرة الضائعة (بروفايل)
منسيون ومنسيات (5)- لور دكاش.. من ترك العود وحيدًا؟ (بروفايل)
منسيون ومنسيات (6)- عباس البليدي.. نجم اختفى في الستينيات (بروفايل)
فيديو قد يعجبك: