"أًصحاب المقامات العالية" (6)- أبو الحسن الشاذلي.. "سيدي" الراقد في وادي حميثرة
كتبت- هبة خميس:
في أول أيام ذو الحجة، يرتحل ما يقارب المليون فردًا لوادي حميثرة، للحج الأصغر، كما يطلقون على مولد "سيدي أبو الحسن الشاذلي"، يقيمون بالقرية في الوادي الجبلي المسمى على اسمه بتلك المنطقة من صحراء مدينة البحر الأحمر، وبالقرب من "مرسى علم"، لكن تلك السنة لن يرتحل أحد للوادي للمرة الأولى منذ سبع قرون، بسبب انتشار مرض "كوفيد-19"، لأول مرة سيفتقد الوادي لزواره الشغوفين بـ"المقام".
قبل ثمانية قرون، بينما كان يتحضر الإمام "أبو الحسن الشاذلي" -قطب الصوفية- لأداء فريضة الحج، وضع في متاعه عدة للدفن وكفن، وحينما سألوه صحابته عن سبب اصطحابه لتلك الأشياء أخبرهم بالجملة الشهيرة: "في حميثرة سوف ترى". وحينما وصل لوادي حميثرة قبض الله روحه في تلك الصحراء وفي مكان لم يدنس بمعصية مثلما دعى الشيخ ربه!
في عام 593 هجريًا، في بلاد المغرب بقرية "غمارة"، ولد "علي بن عبد الله بن عبد الجبار"، الذي ينتمي نسبة إلى الحسن ابن سيدنا علي ابن أبي طالب وابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله –صلى الله عليه و سلم- وسمي بعد ذلك بأبي الحسن، وفي المغرب في سنواته الأولى تلقى العلوم الدينية بورع ودأب شديد حتى برع فيها، لكنه لم يكتف، فهاجر إلى العراق وهناك التقى من الأولياء بأبو الفتح الواسطي، وهناك قال له أحد الأولياء: "يا أبا الحسن إنك تبحث عن القطب بالعراق مع أن القطب ببلادك، فارجع إلى بلادك تجده"، فعاد أبي الحسن لبلاده يسأل حتى التقى بالقطب الأكبر "عبد السلام بن مشيش"، الذي كان يتعبد في أعلى جبل، وهناك أشار عليه أن يرسل لبلدة "شاذلة" بتونس، ومنها اكتسب قنيته.
في صحراء مدينة البحر الأحمر وبين الجبار يقع الوادي الصغير، بقعة بعيدة في الصحراء البكر يحج إليها الناس بكل اختلافاتهم. مسجد أبيض كبير تم تجديدة منذ سنوات قليلة وبه عدة ساحات لاستقبال ضيوف الشيخ. وخلف الزجاج يقع مقام الإمام "أبي الحسن الشاذلي"، يمتليء الزجاج بآثار بصمات الناس ولمساتهم ويحمل أوجاعهم وشكواهم التي يحملونها للإمام ليشفع لهم فيها عند ربهم.
حول المسجد قرية صغيرة، وفي غير أيام المولد تبدو مهجورة خالية إلا من ساكنيها، الذين قادتهم أقدامهم بمحبة الإمام وقرروا العيش قربه فأقاموا بيوتاً وأسر تبحث عن الحياة في حميثرة.
يحيط المسجد الجبال التي يتسلقها زائري المولد كحج مصغر يطلق عليه –حج الغلابة- حيث يجمعون الأحجار في أشكال فوق الجبل للعودة ثانية.
ضمن ساحات المسجد، تقع ساحة الست ذكية، وهي سيدة نشأت في قرية من قرى المنوفية، وبث الله في قلبها منذ صغرها حب آل البيت، وحينما نضجت باعت ميراثها لتبني ساحة تحتضن ضيوف الإمام، وكانت السيدة ذكية من حفظة القرآن ولها مجلس علم، وتروي عنها تلامذتها واقعة من كراماتها حيث تعثرت تلميذة لديها في الحصول على تصريح للعمرة، فأخذتها السيدة ذكية واصطحبتها للعمرة دون أوراق، دون أي شيء، وحينما عادت لم يعلم أحد كيف مرت من المطار بدون أوراق، كأنها أصبحت غير مرئية لزيارة بيت الله الحرام، وفي ساحتها دفنت حيث توفيت منذ خمسون عاماً، وحول مقامها أشيائها البسيطة، من الأريكة التي كانت تجلس عليها لمتعلقاتها البسيطة.
من تونس انتقل أبو الحسن إلى مصر، التي كان زارها من قبل في طريق الحج، لكن يحكى أن في تلك المرة زاره النبي –صلى الله عليه و سلم- في المنام، وقال له "يا علي انتقل إلى الديار المصرية تربي فيها أربعين صديقاً "، ووصل إلى الإسكندرية وتزوج هناك واستقر طويلاً وكانت فترة مباركة من الدعوة، ويحكى عن أبو الحسن أنه كان حسن المظهر يحب إظهار نعمة ربه عليه بحسن الملبس والمظهر يحج كل سنة للبيت الحرام، حتى كانت حجته الأخيرة حينما وصل إلى حميثرة وواراه الثرى في الوادي الطاهر ليشهد السيرة العطرة لصاحبه ويكون مقصد للناس من كل حدب وصوب.
المصادر: كتاب موسوعة مساجد مصر وأولياؤها الصالحين.
كتاب: أبو الحسن الشاذلي للدكتور عبد الحليم محمود.
مجلة أمكنة.. الكتاب الثاني عشر.
فيديو قد يعجبك: