ليست مجرد لعبة (5)- مارادونا.. الزعيم المدمن (بروفايل)
كتب- محمد زكريا:
(1)
الزمان: 8 سبتمبر 2018
المكان: مدينة كولياكان بولاية سينالوا المكسيكية
داخل قاعة أُعدت خِصيصَى لاستقبال الجدل، يجلس دييجو أرماندو مارادونا زائد الوزن، شاحب الوجه، تلاحقه أسئلة الصحفيين وعدسات المصوريين، بينما يقدمه رئيس نادي دورادوس دي سينالوا مدربًا للفريق المكسيكي، اختار أسطورة كرة القدم الأرجنتينية أن يكتب فصلًا جديدًا مثيرًا في حياته، من خلال تدريب فريق في الدرجة الثانية تملكه عائلة نافذة تُتهم بصلاتها مع تجار المخدرات، خطوة جديدة ليست أقل إثارة في رحلة طويلة للاعب موهوب إلى أبعد حد، وصِف بالأفضل في تاريخ كرة القدم والأكثر جدلًا في مسيرتها.
"قبل وصول مارادونا كان أكبر خبر عن سينالوا هو هروب إمبراطور المخدرات المكسيكي إل تشابو غوزمان"
رئيس نادي دورادوس دي سينالوا
"كيف سيسيطر نادي دورادوس على تصرفات السيد مارادونا المتقلبة وخاصة إدمانه الكوكايين.. هذا أشبه باصطحاب مريض السكري إلى متجر حلوى"
شرطة ولاية سينالوا المكسيكية
"يمكننا التحكم في كل شيء إلا مارادونا.. لا تأتي كرة القدم مع كتيب تعليمات ولا يأتي مارادونا مع كتيب تعليمات"
رئيس نادي دورادوس دي سينالوا
"إذا جاء لتعاطي المخدرات، فهذا شأنه.. لا يهمنا ما يفعله في حياته الشخصية ما دام يحقق نتائج جيدة، ويجعلنا نفوز.. إن حقق لنا البطولة سأحضر له ما يشاء من الكوكايين.. مارادونا هو إل تشابو كرة القدم"
مشجعو نادي دورادوس دي سينالوا المكسيكي
"مارادونا كم أنت مجنون!
تعالوا وغنوا معي
يدًا بيد مع مارادونا
سنصبح الأبطال"!
غناء لاعبي نادي دورادوس دي سينالوا المكسيكي
"لعب كرة القدم هو أجمل شيء في العالم، الإحساس بتدفق الأدرينالين في جسدي، وفي دورادوس وجدت أشخاصًا مثلي وكأني رجعت للعب من جديد"
مارادونا
(2)
الزمان: 30 أكتوبر 1960
المكان: العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس
فيا فيوريتو، حي فقير، مُهمَل، لا خدمات، لا شوارع مُمهدة، لا مياه شرب، ولا صرف صحيًا، صرخ مارادونا صرخته الأولى في بيئة قاسية للغاية، وَلد خامس بعد أربع بنات، وصلوا في الخاتمة إلى ثمانية إخوة مترابطين، في الكوخ، يستيقظ والده في الرابعة صباحًا، وكان عاملًا متواضعًا بأحد المصانع، ليعود من العمل في الليل منهكًا، وينام أمام أعين أطفاله الجائعين.
في سن 3 سنوات، تلقى مارادونا أولى هداياه، هدية نفيسة جدًا، كرة قدم! أدخلت هوسًا في عقل الطفل الأرجنتيني، باتت لعبته المفضلة، ولا شيء سواها، كأن الصغير وجد فيها خلاصه.
أظهر مارادونا موهبة استثنائية، لينضم إلى نادي أرجنتينوس جونيورز، والذي استأجر له منزلًا، كان على بُعد 10 دقائق من الملعب، تقول أخته إنها كانت فرصة كبيرة للعائلة، انتقلت الأسرة جميعها إليه، وكان هذا إيذانًا ببلوغ الصغير حلمه الأول، قال الطفل منذ البداية إنه لعب الكرة ليشتري منزلًا لأهله، وحتى لا يعود لحي فيوريتو، فيما بدا مارادونا في الملعب غير عادي أبدًا، حطم أرقامًا قياسية داخل النادي الملقب بـ"الحشرة"، ليحمل ملعبه اسم دييجو أرماندو مارادونا إلى الآن، وينقله تفرده إلى سباق محموم عليه من قبل ناديي الكلاسيكو الأرجنتيني، وبينهما شقاق تاريخي لا يهدأ، فضل مارادونا اللعب بنادي بوكا جونيورز عام 1981، ذاك الذي يطلق عليه الأرجنتينيون محبوب الفقراء، على اللعب بنادي ريفر بليت أكثر الأندية تحقيقًا للبطولات المحلية، المدعوم من الأغنياء، ليبلغ حلمًا آخر عبر عنه الطفل الأرجنتيني قبل الشهرة، توهج نجمه باللعب مع الـ"بوكا"، ليضيء سماءها، ويصبح زعيمًا شعبيًا للولهانين، كفارس جاء مُخلصهم!
(3)
الزمان: يونيو 1982
المكان: مقاطعة برشلونة الإسبانية
صعد برشلونة لاقتناص نجمة كهذه، تعاقد مع مارادونا مقابل 8 ملايين من الدولارات، أكبر عقد في تاريخ كرة القدم حينها، كما كان مبلغ التأمين على قدميه يفوق العقل إلى الخيال، لكن برشلونة، النادي البرجوازي، لا يقدر العشوائي ابن ضواحي بوينس آيرس، حتى وإن دفع فيه النفيس، في سبتمبر 1982، أصيب مارادونا في لعبة خشنة أمام نادي أتلتيك بلباو، لم يعانِ دييجو من الإصابة فقط، وجعه إهمال النادي أكثر، تُرك اللاعب دون سيارة إسعاف تنقله لإجراء عملية جراحية، فعاد إلى الأرجنتين، بلده، هناك وسط أسرته، أجرى الجراحة ليعاود أرض الملعب في إسبانيا!
بعد 106 أيام من عمليته الجراحية، كان مارادونا على موعد مع مباراة جديدة ضد نفس الفريق، لكن بدا أن نوايا الأوروبيين لم تتغير! تعرض إلى ضربات خشنة متتالية من لاعبي المنافس، هذا يثير غضب وعصبية ابن القارة الجنوبية، ليفقد اللاعب سيطرته على نفسه، ويتحول الملعب إلى ساحة للشبيحة، ضرب خشن بالأيدي والأرجل من كل تجاه، ونزول لجماهير متعصبة أرادت أن تشارك بدورها، في حضور ملك وملكة إسبانيا بالمدرجات! لكن من قال إن مارادونا يأبه بالملوك، فُض الاحتفال تمامًا، ليدخل البهلوان الأمريكي الجنوبي في مشكلات مع النادي الإسباني، زاد منها تمرده وعدم التزامه في التدريبات، فمارادونا لم يكن يحب التدرب، بالأحرى لا يفضله، إذ يتطلب الأمر الاستيقاظ في ساعة مبكرة، والأرجنتيني يهوى السهر، الرقص والنساء، رغم ذلك يُظهر تألقًا كبيرًا في الملعب، لكن هناك من أقنع "البارسا" بالتخلص من مارادونا، وربما كان على حق! أو ربما لا، على كل حال كان مارادونا قد بدأ يتعاطى مخدر الكوكايين.
(4)
الزمان: 5 يونيو 1984
المكان: مدينة نابولي الإيطالية
الحدث: مؤتمر صحفي لتقديم مارادونا لاعبًا في نادي نابولي الإيطالي
صحفي:
هل يعلم مارادونا ما هي كامورا (المافيا الإيطالية التي تنشط في مدينة نابولي)؟
وهل يعلم أن أموال كامورا هي في كل مكان هنا حتى في كرة القدم؟
مارادونا:
!
رئيس نادي نابولي:
لحظة من فضلك.. هذا السؤال سيجيب عنه رئيس النادي.. هذا السؤال مهين للغاية، الحقيقة أنني أشعر بإهانة كبيرة من أن صحفيًا قد يسأل هذا السؤال، سؤال مهين جدًا ولن أجيب، اخرج، أنا أطلب منك المغادرة، اخرج حالًا، بصفتي رئيس نادي نابولي أطردك من القاعة، نابولي يجب ألا تتأذى بمثل هذا الجهل، لقد قدمنا تضحيات كثيرة لإتمام هذه الصفقة، ولا نريد أسئلة تهيننا بهكذا عبارات جاهلة بأن أي شيء يحدث هنا له علاقة بـ"كامورا"، نابولي تعمل ولديها أخلاقيات عمل حسنة، المجرمون أقلية، والشرطة لدينا لها قوة فعلية، وجاهزة للتدخل في مثل هذه الحالات، شكرًا لكم.
لم يكن مارادونا يعرف نابولي، يقول إنه علم بأن هناك فريقًا يرغب في شراء خدماته، فوافق، "طلبت منزلًا لكني حصلت على شقة، طلبت فيراري لكني حصلت على فيات، كل شيء تم تخفيضه" قال ذلك بلسانه، رغم ذلك أحس اللاعب براحة أكبر من برشلونة، كل عمالقة الكرة رحلوا إلى شمال إيطاليا، إلى "إيه سي ميلان"، "إنتر ميلان"، "يوفنتوس"، ووجد نفسه في نابولي! فريق لم يربح الدوري قط، ولم يكن يبحث عن نجاح، لكن مارادونا كان سعيدًا بداخله، هو الذي قال ذلك لا أنا، كان النابوليون "إفريقيا إيطاليا"، "المتسخون"، "الفلاحون"، في أي مكان يذهبون إليه يُرفع في وجوههم اللافتات العنصرية، "اغتسلوا"، "أهلًا بمرضى الكوليرا" كتبها جمهور إنتر ميلان في إحدى المباريات، كان ذلك "مقززًا"، شعر الأرجنتيني أنه يمثل "جزءًا من إيطاليا التي لا تَعُد شيئًا".
القتال ضد التمييز كان وقودًا استخدمه مارادونا دائمًا، ظهر كما لم يظهر من قبل، تألق كما لو كان ليس إنسانًا عاديًا، عام 1986، حصد نابولي الدوري الإيطالي، لأول مرة في تاريخه، عمّ الرقص شوارع المدينة المُهمشة، دوت السماء بالألوان الزرقاء والمفرقعات، "ركبت الدراجة مع زوجتي وذهبنا للاحتفال في وسط المدينة، مررت بجانب المقبرة، وكان قد كتب على سورها: أنتم لا تعلمون ما فاتكم" حكى جينارو مونتوري عضو رابطة مشجعي نابولي ذلك، استمرت الاحتفالات شهرين، "الفوز كان علامة فارقة في التحرر الاجتماعي للمدينة" قال تشيرو فيرارا مدافع نابولي السابق.
نجاح أسطوري، وصل مداه حد ترتيب المافيا الإيطالية لمقابلة استثنائية مع مارادونا! يحكي اللاعب: "وضعوني على دراجة نارية، ثم أخذوني إلى فورتشيلا، وصلنا، وكان العشاء على الطاولة، أحدهم كان لديه مسدس بجانبه، كنا نأكل، زعيم المافيا قال لي: أي مشكلة تواجهك هي مشكلتي أيضًا، وقال إنهم يؤمّنون حمايتي في نابولي، بالنسبة لي كان ذلك شيئًا جديدًا، بدا الأمر كأنني داخل فيلم"، عاد الأسطورة الأرجنتينية إلى حبيبته كلوديا فيلافاني، ليحكي لها أن "كامورا أرادوا إظهار امتنانهم فقط لا غير"، شعر مارادونا بالأمان بعد أن تأكد من أن الأمر حماية له، لا ضده، ليواصل عزفه المُتفرد على أرض الملعب.
بفضله استمر الترقي الرياضي والاجتماعي، أحرز مارادونا لنابولي الدوري الإيطالي مرتين، كأس إيطاليا، كأس السوبر الإيطالي وكأس الاتحاد الأوروبي، أصبح الأرجنتيني قديسًا للمدينة، لا يمكن أن تسيء إليه بكلمة، إذا أسأت له فأنت تنتقد الرب، والرب لا يمكن انتقاده! يحكي مارادونا أنه لم يكن يستطع الخروج للشوارع، "كل مرة أخرج فيها تحدث ثورة"، أُخذت عينة من دم مارادونا ووضعت في "كنيسة القديس جينارو"، كما لو كان نصف إله، وصل به الحال أن وضع "النابوليين" صورته على أسرّتهم إلى جانب صورة المسيح، ربما أصابه هذا باضطراب نفسي، وربما الكوكايين!
"شمة واحدة أحس أنني سوبرمان"، في نابولي كانت المخدرات في كل مكان، وهناك "كنت أتعاطى أكثر وأكثر وأكثر"، مارادونا كان يطلب الكوكايين من زعيم العصابة الإيطالي سلفاتوري جوليانو، وكان يصل له في الحال، يشرب المخدر طوال أيام الأسبوع، ليتوقف عند يوم الأربعاء، بادئًا رحلة الاستعداد للمباريات حتى يوم الأحد، ليعاود الكرّة من جديد، لكن إن تتعامل مع "كامورا" تصبح جزءًا من ممتلكاتهم، بات مارادونا يحضر افتتاحاتهم، ويتلقى منهم الهدايا الثمينة، "لم يعد الشخص الذي نعرفه، شعرت أنه يبحث عن طريقة ما للهرب من شيء لا أعرفه، ليخرج نفسه من شيء ما أو مكان ما" قالت زوجته السابقة كلوديا فيلافاني، أما الأرجنتيني فقد أحس أنه حقق كل شيء، ولم يعد هناك ما يمكن فعله بعد ذلك، لقد "صرت رمزًا للجنوب الإيطالي" قال ذلك وعقله يسرح بالذكريات.
(5)
الزمان: مايو 1986
المكان: المكسيك
قبل 4 أعوام من انطلاق كأس العالم، تحديدًا عام 1982، اشتعلت حرب الفوكلاند، بين الأرجنتين والمملكة المتحدة، على إقليمين واقعين في جنوب المحيط الأطلسي، الرياضة لها روح سمحة تجمع الشعوب ولا تفرق، لكن من قال إنها تنفصل عن واقع السياسة، منتخب الأرجنتين يلعب له مارادونا، بينما يصطدم بالإنجليز في الدور قبل النهائي، أحرز دييجو هدفًا شهيرًا بيده، هدفًا يثير الجدل إلى الآن، قال اللاعب إن ذلك "لم يكن مخططًا، لكن الأمر حدث بسرعة، لقد كان شعورًا جميلًا، يشبه انتقامًا رمزيًا من الإنجليز"، ليضيف الأرجنتيني هدفًا ثانيًا رائعًا، وعنه قال بعد المباراة: "الأوروبيون جاءوا الى أراضينا، كانوا أقوياء، لكنني كنت أعرف أن الكرة إذا وصلت لي فإنهم لن يتمكنوا من إيقافي"، وهو ما كان على أرض الملعب فعلًا، فـ"إذا أراد أحد أن يفسر أسطورية مارادونا، فيكفي أن يشير إلى مباراة إنجلترا" والرأي للصحفي الرياضي دانييل أركوتشي، "فبين الهدفين تظهر كل الأسباب التي تجعله محبوبًا، وأيضًا التي تجعله مكروهًا، القليل من الغش، لكن الكثير من العبقرية"، حصد المنتخب الأمريكي الجنوبي كأس العالم في النهاية، إنجازًا يضع مارادونا في مصاف العظماء بالأرجنتين، "صبي أسمر صغير من حي فقير جدًا حارب، وقاتل، وحرك الأشياء من مكانها" والكلام لا يزال عند أركوتشي.
(6)
الزمان: يونيو 1990
المكان: إيطاليا
كانت النسخة تلك من كأس العالم، نقطة تحول في أسطورة مارادونا بإيطاليا، البلد المستضيف لتلك الكأس، سوء حظ وضع مارادونا في موقف لا يحسد عليه، يلعب هو بقميص بلده الأرجنتين، بينما يلتقي إيطاليا في الدور قبل النهائي، وعلى ملعب نابولي! يا لها من دراما، صرح الأرجنتيني بأن "نابولي ليست من إيطاليا"، مستغلًا الشقاق بين الشمال والجنوب، وطالبًا من "النابوليين" تشجيعه، ليثير ذلك انقسامًا وجدلًا كبيرًا في البلد الأوروبي، أشعله فوز الأرجنتين ووصوله للنهائي على حساب المستضيف، وبضربة أخيرة من الداهية مارادونا، كأنه كفر بعد إيمان، سقطت حصانة اللاعب في إيطاليا، وصفته الصحافة بـ"شيطان نابولي"، "البغيض"، درجة أن نشرت مجلة ريبابليكا الشهيرة تحقيقًا عن أكثر المكروهين في إيطاليا، فنال مارادونا شرف الفوز باللقب، مكتسحًا أعتى منافسيه، وإن كانوا سياسيين يكرهم الفقراء والمقهورين.
(7)
الزمان: 1991
المكان: مدينة نابولي الإيطالية
انقلب السحر على الساحر. رُوقب تليفون مارادونا، حول للمحكمة، قال القضاء إن الأرجنتيني يطلب المخدرات والبنات، أزاحت المكالمات الستار عما كان الشارع يعرفه تمامًا، مارادونا مدمن كوكايين، مارادونا يضاجع العاهرات، كان سقوطًا لا مثيل له، كارهو اللاعب وجدوها فرصة لتدميره، ومنافسوه أيضًا، حتى مافيا كامورا تخلت عنه، بعد افتضاح عملها بصورة غير مسبوقة، وتكثيف التضييق الأمني على أفرادها وتجارتها، في النهاية حكم القضاء الإيطالي بوقف اللاعب 15 شهرًا، كان الحظر غير مسبوق في إيطاليا، وتبنته الفيفا حول العالم، ليغادر اللاعب نابولي على هذا الحال، نهاية لم يتوقعها، أحزنته كثيرًا، يقول عنها متأثرًا: "عندما حضرت إلى نابولي استقبلني حوالي 8500 شخص، بينما رحلت عنها وحيدًا"، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، في الأرجنتين، وبعد أسبوعين فقط، فُتشت شقة مارادونا، كان تحت تأثير المخدرات، ومعه كمية كبيرة من الكوكايين، ليضاف إلى عقوبته 14 شهرًا إضافيًا من قبل الاتحاد الأرجنتيني.
(8)
الزمان: مايو 1994
المكان: الولايات المتحدة الأمريكية
مارادونا يفاجئ الجميع، قبل انطلاق كأس العالم، بوزن منقوص، جسم رشيق ولياقة بدينة عالية، وتصريحات نارية لا يوقفها أبدًا: "هناك من يقولون عنى إنى بدين، لقد مللت منهم، سوف ترون مارادونا فى مونديال 94"، بالفعل، تألق مارادونا في المباراة الأولى أمام اليونان، سجل هدفًا رائعًا، لكنه احتفل بالهدف بشكل جنونى، ركض نحو الكاميرا كالفهد، نظر إليها بعيون جاحظة، عدوانية، وصرخ صرخة مدوية، فمن حيث أراد أن يعلن للجميع عن نفسه، أثارت فعلته شكوك فيفا حول سلوكه، ليُخضعه الاتحاد الدولي لاختبار المنشطات، ثبت تناول مارادونا عقار الإيفيدرين المنشط، بينما يؤكد هو في مذكراته، أن طبيبه الخاص كان قد منحه مشروبًا للطاقة، مدعيًا أن الطبيب اشترى المشروب من أمريكا عن غير قصد، بعد نفاذه فى الأرجنتين، وبه كان العقار المنشط، دون أن يكون له علم بذلك، أيًا ما كان، بقي أن انتهي مشوار مارادونا مع كأس العالم، كما أوقف عن كل فعاليات كرة القدم، وعن هذا حكى بعد سنوات طويلة باكيًا: "لا أريد أن أعرض دراما، لكن صدقني أعتقد أنهم أخرجوني من كرة القدم مكتوف الأيدي وروحي حزينة".
(9)
الزمان: 2000
المكان: أوروجواي
ضغط دم مرتفع، سرعة في ضربات القلب، 900 ملي جرام كوكايين في البول، جرعة قاتلة! لكن القدر ينقذ مارادونا من موت محقق، ليعود إلى أرض الوطن هزيلًا، مُحطمًا، لكن ثمة فتاة هي من أنقذته، جيانينا دينورا مارادونا، "كانت أصغر بناتي، كانت تذهب إلى المدرسة، وعندما ترجع، تمسك بملاءات سريري، وتقول أبي، أبي، كانت دالما –ابنة مارادونا الكبرى- تلعب معك، وأريد اللعب معك أيضًا، كانت أقصر حتى من مستوى السرير، وكنت في غيبوبة من المخدرات، لذا لم أكن أعي ما تقول، أخبرتني دالما بهذا والدموع في عينيها، ودالما فتاة فخورة وصلبة كالسنديان- شجرة ضخمة قوية ومعمرة، قلت يا للعجب! وغير هذا من عقليتي، لماذا؟ لأنه حتى عندما كنت في العيادة، كنت أظل أفكر في المخدرات، لكن تلك الفتاة المكتنزة، ضئيلة الحجم، سمراء البشرة، الشيء الجميل، قالت لي الكلمات المناسبة وفهمت" حكى مارادونا ذلك متأثرًا، باكيًا، كما فعلا وقتها هو ودالما، في النهاية لم يجد مارادونا سبيلًا غير التعافي، وطئ أرض مطار هافانا، وهناك في كوبا خضع للعلاج من الإدمان، قبل أن تُقر الفيفا منحه جائزة شرفية، وبينما يتسلمها من أوروبيين أرستقراطيين، يخطب بثقة: "أشكر الفيفا لاحترامها أصوات الناس.. فلولا الناس ما كنا موجودين هنا، أو لنا شعبية"، ليُهدي الجائزة للشعب الأرجنتيني، الكوبي، فيما لم ينسَ من كلماته المناضل اليساري تشي جيفارا.
(10)
"لطالما تساءلت: أي نوع من اللاعبين سأكون لو لم أتعاطَ المخدرات؟"
مارادونا
المصادر:
*سلسلة وثائقية من 7 حلقات على شبكة نتفليكس بعنوان: "نقلة نوعية مارادونية"
*فيلم وثائقي بعنوان: (2019) Diego Maradona
*فيلم وثائقي بعنوان: مارادونا طفل من ذهب
*مذكرات دييجو أرماندو مارادونا
*لقاءات تلفزيونية ومقابلات صحفية وتقارير وأخبار
فيديو قد يعجبك: