إعلان

ليست مجرد لعبة (3): كريستيانو رونالدو.. بطل خارق (بروفايل)

01:49 م الجمعة 03 يوليه 2020

كريستيانو رونالدو

كتب- محمد زكريا:

بطل خارق، يحارب أشرارًا، كائنات فضائية وروبوتات، ذاك خيال بالطبع، جسده كريستيانو رونالدو في سلسلة قصص مصورة، اتخذت اسم "سترايكر فورس 7"، بهدف تحفيز أطفال العالم على القراءة وحب السلام، فيما ثمة تداخل بينها ومسيرة نادرة، صعود ملهم للاعب، تفرد على الأرض الخضراء، حطم أرقامًا قياسية، ليكتب تاريخًا لا يُمحى، بين سطوره ما يستحق أن يروى للأطفال، الكبار، ولكل الحالمين على وجه الأرض.

كقصص الدراما، وخيالات أفلام الكرتون، عانى رونالدو حتى قبل أن يولد! هناك لحظات ينقطع فيها الأمل، يحل اليأس والتعب، يسود الظلام، في لحظة كتلك حاولت والدته إجهاضه؛ لتجنيبه مصير إخوته مع الفقر، "لقد عدت إلى البيت، وحاولت القيام بذلك بنفسي، لقد ركضت حتى وقعت من التعب، ولكن الأمر لم يحدث، فقررت الاحتفاظ به" معجزة حكتها الأم! ولد رونالدو في 5 فبراير 1985، في حي فقير للطبقة العاملة، بمدينة فونشال في جزيرة ماديرا البرتغالية، عاش داخل منزل مسقوف بالصفيح يطل على الأطلسي، ورغم افتقاد الطفل لأبسط حاجاته الأساسية، بدا أنه يمتلك أحلامًا بوسع المحيط، فبفضل عمل والده مديرًا للمعدات الرياضية في أحد النوادي، تعرف كريستيانو لأول مرة على رياضة كرة القدم، شغف بها، "لقد أحب هذه الرياضة، لدرجة أنه كان يتغيب عن وجبات الطعام، أو يهرب من نافذة غرفته مع كرة عندما كان من المفترض أن يقوم بواجباته المنزلية، فكل ما أراد فعله بعمر 10 سنوات هو لعب كرة القدم" هكذا حكى أبوه الروحي فيرناو سوسا.

نمت موهبة رونالدو بشكل كبير، ليوقع عقدًا مع نادي ناسيونال ماديرا المحلي عام 1995، قبل أن يُقر اتخاذ خطوات أبعد من محيطه، غادر المنزل وهو لا يزال بعمر 12 عامًا؛ لينتقل للعيش في مدرسة داخلية لفريق "لشبونة"، يصف تلك الفترة بالأصعب في حياته، "كنت أبكي كل ليلة بسبب شعوري بالوحدة، فكم كنت أشتاق لرؤية عائلتي، ولم يكن سهلًا أن أراهم إلا مرة كل 4 أشهر، بسبب تكاليف السفر من ماديرا إلى لشبونة، كما كنت مفلسًا، أعيش مع لاعبين آخرين في عمري من مناطق أخرى في البرتغال، وكنا نشعر بالجوع دائمًا في حدود الساعة العاشرة مساءً، لكن أتذكر أنه كان هناك مطعم برجر شهير قريب منا، وكنا نذهب إليه ونسأل إذا بإمكاننا الحصول على بواقي البرجر، وكانت هناك سيدة تدعى إيدنا وفتاتان أخريان دائمًا ما يعطوننا البعض" بكى رونالدو وهو يحكي ذلك، لكن بقدر ما كانت التجربة قاسية، استفاد منها في مسيرته الكروية الطويلة، "منحتني، كما أعتقد، قوة نفسية كبيرة، جعلتني أقدر على التعامل مع جميع التحديات التي تواجه اللاعب في عالم كرة القدم".

صورة 6

داخل نادي سبورتنج لشبونة، انتظم بفرق الناشئين، سارت الأمور على نحو جيد، قبل أن يصطدم بعائق ضخم، مرعب، عندما كان في الـ15 من عمره، شُخص اللاعب بمرض تسرع القلب (اضطراب نظم القلب)، شكل هذا تهديدًا لاستمرار مسيرته في الملاعب، والتي بالكاد على وشك أن تُعلن عن نفسها، فالنوبات القلبية التي قد تداهم المريض، لربما تُعرضه للموت فجأة، ما يجعل الرياضة نشاطًا خطرًا، لكن رونالدو تخطى تلك الأزمة، كما غيرها، أجرى عملية جراحية بسيطة في الصباح، ليخرج من المستشفى في ليل نفس اليوم، ويعاود التمارين بعد بضعة أيام فقط، ويكون على موعد مع مباراة مهدت لكتابة تاريخٍ متفردٍ.

في العام 2003، خاض سبورتنج لشبونة مباراة ودية ضد نادي مانشستر يونايتد، تلك المواجهة التي انتهت لصالح لشبونة بنتيجة 3-1، وكان بطلها الشاب الذي لم يتجاوز عمره 18 عامًا، لفت كريستيانو رونالدو أنظار الجميع، وعلى رأسهم مدرب يونايتد الأسطوري أليكس فيرجسون، لكن واقعة مثيرة هي ما حسم قرار التعاقد معه، أو لنقل سرعته، "جون أوشي، مدافع يونايتد، كان بحاجة إلى أنبوبة الأكسجين، بين شوطي المباراة، بعدما شعر بإرهاق شديد للغاية، لدرجة أنه لم يستطع حتى الرد علينا، بسبب المجهود الضخم الذي بذله في مراقبة رونالدو" يحكي ريو فرديناند مدافع يونايتد عما جرى داخل غرفة ملابس الشياطين الحمر، كانت تلك المباراة فاصلة في مسيرة البرتغالي الشاب، "كنا ننتظر المدرب، كان متأخرًا لمدة ساعة ونصف الساعة تقريبًا" يستكمل فرديناند عن كواليس تلك الليلة، لكن هناك كان فيرجسون يشحن إداري الفريق الإنجليزي، "لن نغادر هذا الملعب قبل أن يوقع لنا هذا الفتى! فسألني كينيون: هل هو جيد لتلك الدرجة؟ قلت له: جون أوشي يعاني من صداع نصفي بسببه! اذهب واجعله يوقع حالًا" حكى المدرب الأسكتلندي ذلك في كتابه الشهير، لينضم رونالدو إلى كتيبة الشياطين الحمر، ويرتدي الرقم 7.

صورة 1

أول نجاحات رونالدو في مانشستر، كانت إجادة الإنجليزية، بالتوازي، أظهر التزامًا غير مُعتادٍ في التدريبات، لدرجة فاقت ما هو طبيعي في عالم الكرة، لما هو استثنائي، متفرد، اشتهر به بين كل زملائه في الملاعب، "كنا نخرج من حصص التمارين في نادي مانشستر يونايتد منهكين، كانت التمارين شاقة في ذلك النادي، وهو يبقى وحيدًا ساعة كاملة بعد التمرين مباشرة يركض في الملعب الكبير، نحن كنا نستحم، ثم ننزل لموقف السيارات ونراه ما زال في الملعب يتمرن على المراوغات والانطلاقات، هو يحب نفسه بشكل إيجابي، لذلك يدفعها للتحليق خارج الحدود الطبيعية" كان ذلك مثارًا لاستغراب زميله بالفريق الإنجليزي ديفيد بيليون، لكنه لمس لذلك أثرًا في المباريات، لدرجة قال عنه: "بدنيا هو كالآلة!".



لكن "الملعب الكبير" لا يكفي رونالدو، اختار اللاعب لنفسه برنامجًا تدريبيًا في المنزل، "لقد كان يسألني دائمًا كيف يمكن أن يواصل العمل وحده في البيت؛ لتطوير بنيته وتقوية ساقيه، حتى في أيام الراحة كان يواصل التمارين في بيته، وكان يصر على أن أرسم له برنامجًا تدريبيًا لكل الصيف، كي لا يتوقف عن العمل" يقول مدرب اللياقة البدنية الشهير البروفيسور والتر دي سالفو، فعلى مدار سنوات، يتبع رونالدو برنامجًا خاصًا به، ويشمل 5 جلسات تدريبية في الأسبوع، إضافة إلى السباحة، ورياضة بيلاتس، وهو نظام لياقة بدنية، تم تطويره في أوائل القرن العشرين، يركز على استخدام العقل في السيطرة على العضلات، بما يساعد ليس على اكتساب المرونة فحسب، بل أيضًا القوة والتحمل والتنسيق بين عضلات الساقين والذراعين والبطن والظهر، "كنت محظوظًا بالإشراف على لاعبين كثر من الصف الأول، منهم 6 حاملين للكرة الذهبية، لكن رونالدو يبقى الرقم واحد في التطور البدني الذي أنجزه، ويستطيع اللعب حتى سن الـ40 إذا لم يتعرض لإصابة" هكذا يظن البروفيسور.

صورة 2

في ليلة من الليالي، دعا رونالدو زملاءه بمانشستر يونايتد على العشاء، وبينما هو يأكل كان يشاهد إعادة المباراة التي انتهت للتو، ولم يلعب فيها بشكل يُسعده ويُرضيه، فبمجرد أن شاهد "الدون" لحظة أضاع فيها الكرة بمراوغة خاطئة، توقف عن الأكل تمامًا، ذهب إلى صالون بيته وفي يده الكرة؛ ليعيد تلك المراوغة التي أخفق فيها بالمباراة، فيما لم يعد إلى الطاولة حتى أتقنها أكثر من مرة، تلك الواقعة، والتي حكاها مانو ساينز، الصحفي المقرب من رونالدو، تتماثل تمامًا مع ما يحمله اللاعب من اعتقاد، عبر عنه في مقولة شهيرة: "الموهبة من دون التدريب ليس لها قيمة"، انتهجها واقعًا على مدار سنواته في الملاعب، فلا يكون مستغربًا بعد ذلك، أن يحصد ما زرعه أرقامًا قياسية، يعجز عقل البشر أحيانًا عن إدراكها.

صورة 4

غادر رونالدو مانشستر إلى ريال مدريد، في العام 2009، صفقة قياسية بلغت 94 مليون يورو، كان تحديًا جديدًا ومثيرًا للبرتغالي، "أنا أعلم أنهم سوف يطلبون مني الكثير؛ لأكون ناجحًا في هذا النادي، وأعلم أنني سوف أتعرض لضغطٍ أكثر بكثير من الذي كنت أتعرض له في مانشستر"، قال أفضل لاعب في العالم ذلك للصحفيين، وهو على أعتاب النادي الإسباني، كل تجربة كانت تحديًا جديدًا لرونالدو، يستدعي بذل مجهودات أكبر، كأنها الأولى، وربما هنا يكمن السر، كإناءٍ متعطشٍ لماءٍ، لا يشبع أبدًا، رغم غوصه في بحيرة، مع كل هدفٍ يسعى لثانٍ وثالثٍ، بات للملكي ماكينة أهداف لا تتعطل، 34 هاتريك في الليجا سجلها البرتغالي، وصائد بطولات كبرى لنفسه وللعملاق الإسباني، كإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس.

صورة 5

في يوليو 2016، أضاف "الدون" انتصارًا مؤثرًا آخر إلى جوائزه، حيث قاد البرتغال إلى نهائي بطولة أوروبا ضد فرنسا، ورغم خروج رونالدو مصابًا في النهائي، فاز البرتغال بكأس الأمم الأوروبية، محققًا البلد الأوروبي أولى جوائزه الدولية، فيما نسب له زملاؤه الفضل في الانتصار، عبر تحفيزهم ودفعهم للفوز من مقاعد الاحتياط، كأنه يملك قوى سحرية خارج الملعب كما داخله، إنجاز وصفه الهداف التاريخي لمنتخب البرتغال والمنتخبات الأوروبية، بـ99 هدفًا، بـ"أسعد لحظات حياتي المهنية، لقد كنت دائمًا أقول إنني أريد أن أفوز بجائزة مع الفريق الوطني وأن أصنع التاريخ، وها أنا الآن قد فعلت ذلك"، أما في بلاده يتغنى البرتغاليون باسمه وتُصنع له التماثيل، العديد والعديد من التماثيل.

لم يكف رونالدو عن صناعة الأسطورة، لكن الهدف رقم 649 في مسيرته، كان خياليًا أكثر من اللازم، لا ينتمي للاعبي الكرة العاديين، ولا لملاعبهم الخضراء، بارتقاء خارق للمألوف، وضربة مزدوجة خلفية، على ارتفاع 2.20 مترًا، سجل في شباك العملاق "بوفون"؛ لينتهي ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، نسخة العام 2017-2018، بثلاثية قاسية على أصحاب الأرض "يوفنتوس"، مهدت للملكي الفوز بالبطولة الأغلى عالميًا للمرة الثالثة على التوالي، فيما بدا أن شمس رونالدو تغرب عن سماء إسبانيا.

صورة 3

اللحظة التي سكنت فيها الكرة شباك الحارس بوفون، كانت حزينة على مشجعي نادي يوفنتوس، لكن لعله الخير، أبدعت مشهدًا خرافيًا لا يُنسى، سُجل للتاريخ، ولروح الرياضة السمحة، تلك التي ينهزم فيها التعصب أمام المتعة، وقفت جماهير ملعب أليانز ستاديوم بالكامل، تصفق لمهاجم ريال مدريد الإسباني، تحية له على هدفه الأسطوري في مرماهم، فتلك واحدة من مواقف يندر تجاهل احترامها، وربما بفضلها لمع مفتاح أوروبا في عين يوفنتوس، ونسخة منه يلمسها من يحصل على خدمات "الدون"، هكذا رسخت مسيرة البرتغالي وكتبت عبر سنوات طويلة، ليحسم الفريق الإيطالي قراره المتردد أخيرًا، ويوقع صيف العام الماضي عقدًا مع "صاروخ ماديرا"، صفقة قياسية بلغت قيمتها 100 مليون يورو، في مقابل لاعب بلغ من العمر 35 عامًا، أموال لا تصدق بحساب السن والملاعب، لكن ربما ثمنًا بخسًا لنيل إعجاز رونالدو.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان