لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ندهتها "الحدوتة".. قطوف من مسيرة "ماما لبنى" ومجلة سمير

08:51 م الإثنين 21 سبتمبر 2020

كتبت-إشراق أحمد:

كانت طفلة حياتها عامرة بالحكاية، تضمها والدتها كل يوم وتقرأ لها قصة، تتخيل الصغيرة أحداث مختلفة، تخلق أبطال وتفاصيل ببصمة خاصة بها. تَفتح خيال نُتَيْلة راشد على "حواديت" الأطفال فلم تبرحها، رافقتها في الكتب ونسجت قصصًا من خيالها على الورق. كبرت وما نقصت محبتها يومًا. 45 عامًا ظلت تشارك الصغار في مجلة "سمير" جرعة من المعرفة والحنان كما فعلت أمها معها، وهبت نفسها للمسيرة حتى بات اسم "ماما لبنى" علامة مؤثرة لدى أجيال عاصرت المجلة المصرية الأشهر للأطفال.

انقضت ثمانية أعوام على رحيل نُتيلة إبراهيم راشد في مايو عام 2012، إلا أن محرك البحث جوجل أعاد لذاكرة الكثير سيرة أحد رواد أدب الأطفال المصريين، حينما احتفى بالأمس برئيسة تحرير مجلة سمير للأطفال منذ عام 1966 وحتى 2002، تزامن هذا مع ميلاد نُتَيْلة الموافق 19 سبتمبر الجاري، ذلك اليوم الذي طالما حظيت فيه لبنى عبد التواب يوسف بدفء أسري رفقة والديها، افتقدته بعد رحيلهما، لكن هذا العام جاء مختلفًا كما تقول لمصراوي.

1

امتنان شعرت به لبنى، الابنة الكبرى لكاتبة الأطفال الراحلة حينما رأت صورة والدتها على محرك البحث جوجل "ده تكريم لحياتها كلها ولجهودها في مجال ثقافة الطفل وتكريم لذكرى والدي وتكريم لنا". كرست نُتَيْلة حياتها للكتابة إلى الصغار، ودار فلكها صوب ما يعزز مشوارها، فاستفادت من دراستها بقسم علم النفس والاجتماع والفلسفة في كلية الآداب، وحين قررت تأسيس أسرة، ساقها القدر لتشارك الدرب مع كاتب قصص الأطفال عبد التواب يوسف. طالما رأت نُتيلة في الكلمة الصادقة سبيل للوصول إلى فؤاد وعقل الطفل، راهنت على الفطرة ولم تخسر.

التحقت نُتيلة بمجلة سمير عقب تخرجها "كانت دار الهلال ملك عائلة زيدان وأعلنت عن حاجاتها لكتاب قصص الأطفال ليعملوا بالمجلة وكانت ترأس تحريرها السيدة نادية نشأت"، تزاملت مع كوكبة من الرسامين أمثال عدلي رزق الله ومصطفى حسين، جميعهم عملوا لتقديم محتوى للطفل وليس "لقيمة مادية" كما حكت الكاتبة الراحلة في حوار لها مع جريدة القاهرة في 1 يناير 2002.

2

سريعًا فرضت نُتَيْلة موهبتها، صارت نائب رئيس التحرير، لكن نقطة النور تجلت مع عام 1956؛ أحدثت كاتبة الأطفال نقلة بمجلة سمير، ما كان الإصدار مصريًا خالصًا، كانت يحتوي قصصًا أجنبية مترجمة، تضم شخصيات ديزني الشهيرة إلى جانب الأبواب المصرية، لكن كل شيء تغير بعد العدوان الثلاثي "استشعرت الخطورة ووجدت نفسي ومن معي في المجلة نريد أن نقاوم مثل أهالي بورسعيد ورفضنا أن نكون تابعين بأي شكل من الأشكال". تمصرت المجلة الأشهر في مصر والوطن العربي.

في 15 إبريل 1956، باليوم الرابع من شهر رمضان، كان الظهور الأول للطفل ذي البشرة القمحية "سمير" وصديقه "تهته" في إصدار "مجلة الأولاد" عن دار الهلال المصرية، 16 صفحة ملونة بها من القصص الممتعة بسعر قرشين.

3

سارت نُتَيْلة على نهج الأوائل ممن يحترمون عقلية الطفل ولا يقللون منه لصغر عمره، لم تكتف باستكتاب أصحاب قلم كبار أمثال الأديب نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، بل جعلت الأطفال جزء أصيل من مجلتهم. لم تذهب ابنة الكاتبة وشقيقيها إلى مقر "سمير" إلا ووجدت صغار من كل الأعمار "كنا بنقضي الصيف في المجلة..نرد على جوابات القراء. نكتب قصص ونساعد باللي نقدر عليه". ذكريات كثيرة تموج برأس أستاذ الأدب الإنجليزي في كلية الأداب، لكن المرة الأولى لاستشعارها عظم دورها كانت في عمر 16 عامًا، وقت حرب أكتوبر 1973 "كنا نكتب جوابات نحيي فيها الجنود على الجبهة".

اشتبك قراء المجلة الصغار بالكتابة والرسم مع كل ما يدور حولهم، وجعلت نُتَيْلة منهم صحفيين يكتبون في باب مخصص باسم "مراسل سمير"، اجتمعت بهم شأن أي هيئة تحرير في جريدة، استمعت إليهم وأصدرت لهم بطاقات هوية صحفية شأن أي عامل بالمجال.

4

في عالم "ماما لبنى" كان كل شيء متاح، تذوب فوارق العمر في عبارة "مجلة يعرفها الجميع من سن 8 إلى 88 عامًا"، يصبح قاريء الإصدار في لقاء أسبوعي مع براءة البدايات، فلا عجب من نشر حوار مع زوجة رئيس الجمهورية مُوقع باسم صحفيين أعمارهم أقل من 15 عامًا.

تجاوزت الابنة الستين لكنها تذكر الحدث الفريد بأسماء مَن عاصروه "هشام أخويا وأولاد المجلة راحوا قابلوا جيهان السادات واللي نسق للقاء نائب دائرة منوف نصر عبد الغفور وكانت بنته حنان من ضمن الولاد". كان ذلك في السبعينيات لكن تفخر لبنى بأن المجلة التي شاركت والدتها في تأسيسها تحمل السبق في فعل لم يتكرر بدخول طفل في مهمة صحفية إلى قصر الرئاسة.

5

لم يكن ما فعلته نُتَيْلة مع الأطفال غريبًا، هي ذاتها كتبت قصتها الأولى في عمر الرابعة عشر عامًا، وأرسلتها إلى إذاعي الأطفال الشهير بابا شارو، من حينها واصلت الكتابة حتى احترفتها، لم يكن ثمة حاجز بينها والأطفال سوى اسمها، لكنها تعلمت مبكرًا أن التغيير مطلوب أحيانًا للوصول إلى الهدف، تحكي الكاتبة الراحلة"كان اسم نُتَيْلة صعب النطق على زملائي في المدرسة فكانوا يتجاهلون مناداتي باسمي وينادوني (أنتِ). كنت أذهب باكية إلى المنزل يوميًا فحزن أبي لحزني ونقلني لمدرسة إنجليزية وفوجئت أنهم من اليوم الأول نطقوا اسمي سليمًا".

أرادت نُتَيْلة أن تكسر أي حائل بينها والأطفال، دون أن يتنقص هذا من اعتزازها باسمها المنسوب لجدة النبي محمد (ص)، طالما كان هناك شيئًا تستجيب له "أدب الطفل بداخي ويحركني منذ صغري"، لهذا قررت تغيير توقيعها إلى "مامة لبنى" كانت قد انجبت ابنتها حينها، إلا أن مشيئة الصغار غلبت "الأطفال كان سهل عليها نطق ماما بدل مامة"، فصارت نُتَيْلة "ماما لبنى".

جاليري- الكاتبة الراحلة نُتَيْلة راشد وزوجها عبد التواب يوسف وحفيدهما

ألهمت كتابات "ماما لبنى" الكثير من الأطفال، تعلقوا بقصصها لحد لم تتخيله؛ ذات يوم وجدت طفلاً جاء لمقابلتها، قطع الطريق من منطقة بولاق الدكرور إلى العنوان الذي طالعه في المجلة "16 شارع عز العرب- المبتديان سابقًا"، دون علم أسرته خاض مصطفى فتحي مغامرة لأجل لقاء كاتبته المفضلة وشخصيات المجلة سمير وتهته "كنت فاكر أني لما أروح المجلة هقابلهم هناك"، كان الصبي في الثامنة من عمره لكنه شعر بالحديث مع نُتيلة أنه أكبر من هذا.

باح الصغير لـ"ماما لبنى" عن محبته للقصص ورغبته في أن يصبح صحفيًا، احتضنته الصحفية بالنصائح أن يقرأ كثيرًا، ولم يغادر إلا بدعم لمواصلة مراسلة المجلة ووعد "قالت لي لما تخلص الجامعة تعالي هنا عشان نشتغلك في المجلة"، رحل مصطفى وظل على وصال مع نافذته " كتبت وشاركت في مسابقات كتير، وخدت جوائز كتير، منها ستيكرز لشخصيات المجلة، ومجلدات سمير"، وما إن تخرج في كلية الإعلام، حتى كانت مجلة سمير وجهة العمل الأولى، لنحو أربعة سنوات اشتغل الصحفي في إصداره المحبب، يكتب للصغار ولا ينسى أستاذته التي انهت مسيرتها في المجلة قبل التحاقه بالصحافة.

6

مازال الصحفي الثلاثيني يحتفظ بأعداد مجلة سمير، كلما اختنقت به الحياة عاد إلى مقدمات "ماما لبنى" يقرأها من جديد بينما تستهل بكلمات ودود "أولادي حبايب قلبي"، يمتن مصطفى لذكريات الطفولة المبهجة بينما يطالع ذكرى ميلاد كاتبته الأولى، مَن عرفته مباديء المحبة الصادقة "نُتيلة راشد مش بس خليتني أحب الصحافة لكن كمان خليتني أحب السيدة زينب كمنطقة لأن دار الهلال كانت قريبة منها.. الست دي أستاذتي من قبل ما أعرف الصحافة".

جمعت الحكاية بين "ماما لبنى" ومتابعيها الصغار، وكذلك فعلت مع أبنائها؛ في منزل نُتَيْلة بحي المنيل لم تغب "الحدوتة" يومًا عن سمع الأبناء الثلاثة، ليس من الكتب وحدها التي تفيض بها المكتبة، بل أقل المواقف ينسج منها قصة تستحق أن تَروى "على طول اللي بيحصل في بيتنا كان بيتحكي بطريقة جميلة".

7

لا تنسى لبنى يوم أن زارهم عم عبد العظيم، قريب والدها، الفلاح الأصيل، وقتما رفض المبيت عندهم "عشان ميقدرش يسيب طرمبة الماية لأنها لو باظت هتبقى مشكلة"، وحكى لهم مواقفه مع إصلاحه لمصدر المياه والأرض، بدا المشهد عاديًا حتى الصباح؛ مع إدارة مؤشر الراديو بصوت أبلة فضيلة استمع الجميع لحكاية عم عبد العظيم والطرمبة "عم والدي كان مندهش إزاي القصة تحصل بليل وتاني يوم الصبح يلاقيها في الإذاعة ضمن برنامج غنوة وحدوتة للأطفال"، كان الكاتب عبد التواب يوسف كتب الحكاية وأرسلها لمذيعة الأطفال، وهكذا مضت أيام السيدة نُتَيْلة، ما بين "حدوتة" منها وأخرى من زوجها، تُروى للأولاد، جميع الصغار داخل أرجاء أسرتها الصغيرة، أبناء وأحفادًا، وتلك الكبيرة في ربوع مصر والعالم العربي الذي بلغته أعداد مجلة سمير.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان