50 ألمانيًا بين أنقاض بيروت.. قصة فريق تطوع للبحث عن المفقودين (حوار)
حوار- إشراق أحمد:
ما إن وقع انفجار مرفأ بيروت حتى بدأ التحرك لنجدة الضحايا، نكبة حلت على المدينة تخطى صداها حدود لبنان، كلٌ عكف على المساعدة قدر استطاعته، ولم يقتصر ذلك على أهل بيروت، ثمة فريق كامل غادر مطار فرانكفورت الألماني بعد ساعات من الكارثة متوجهًا إلى مكانها، كانت مهمته محددة؛ أن يستخدم قدراته وخبرته التقنية في إيجاد أي ناج تحت أنقاض العاصمة اللبنانية التي أصبحت منذ 4 أغسطس مدينة منكوبة.
مصراوي تواصل مع جورجيا بفليديرر، المسؤول الإعلامي لفريق منظمة Technisches HilfsWerk (THW)الألمانية أثناء المهمة في لبنان والتي استغرقت نحو 8 أيام.
عقب وقوع الانفجار، تبين وجود العديد من المفقودين تحت الأنقاض، طلبت الحكومة اللبنانية المساعدة الدولية، تواصلت مع الدفاع المدني الأوروبي في بروكسل –بلجيكا- والذي يضم ألمانيا بين أعضائه، فقررت ألمانيا أن تساهم عبر إرسال وحدة إنقاذ سريع تابعة لمنظمة (THW)، والتي لديها باع في مجال الإغاثة عبر استخدام التقنيات والمتطوعين المتخصصين.
عصر الخامس من أغسطس وصل 50 متطوعًا ألمانيًا إلىى مطار بيروت، أجروا اختبارًا لفيروس كورونا قبل أن ينطلقوا صوب مهمتهم. كان الفريق متوسط العدد كما تقول جورجيا، نحو 45 شخصًا من خبراء البحث والإنقاذ وطاقم الخدمات اللوجستية، الطبية والإدارية، وفريق مكون من 4 أشخاص لدعم سفارة ألمانيا في لبنان، تم إرساله نيابة عن وزارة الخارجية الألمانية.
قدم الفريق الألماني بمعداته؛ 4 كلاب إنقاذ، وأجهزة خاصة بالبحث والإغاثة، ومتطلبات لاحتمالية البقاء نحو 10 أيام من الاكتفاء الذاتي. لدى وصول الفريق الألماني إلى المطار، استقبلهم ضابط من الجيش اللبناني، كان على اتصال مباشر مع قائد المجموعة القادمة لتقديم الدعم، رافق الضابط اللبناني المتطوعين، سهل مهمتهم بداية من نقل المعدات خارج الطائرة، مرورًا بوسائل الانتقال والتواصل مع السلطات اللبنانية.
في الطريق إلى مرفأ بيروت، تهيأت جورجيا والفريق الألماني لاستقبال كارثة وضعوا ملامح لها مسبقًا "رأيت الانفجار عبر وسائل الإعلام. توقعت أن يكون الدمار هائل"، لكن برؤية مدخل بيروت، والأرجاء التي لم يصيبها الانفجار، ثم الدخول إلى زمام الميناء والمنطقة السكنية القريبة، حلت الصدمة على المسؤول الإعلامي للفريق "كان الدمار أكبر بكثير مما توقعت".
بعدما انقضت 24 ساعة على الواقعة، لم يكن هناك رقم محدد بعدد المفقودين. بدأ الفريق الألماني مهمته في البحث تحت الأنقاض؛ قسمت السلطات اللبنانية منطقة المرفأ إلى قطاعات، وخصصت للألمان قطاعين إلى جانب 8 كتل من المباني المنهارة، أخذ متطوعون (THW) يتفقدون تلك المنطقة لعلهم ينتشلون أحدًا مازال على قيد الحياة.
في مجموعات منظمة عكفوا على مسح منطقة البحث المخصصة، للعثور على مفقود خطوات توضحها جورجيا لمصراوي؛ يبدأ الأمر بتقدم مهندسي الإنشاء نحو المبنى أو المنشأة المحطمة للتأكد أن المكان آمن بشكل كافي لدخول الفريق، يتبعه متخصص آخر يتفقد خلو المكان من مخاطر أخرى قد تُعرض زملاءه للضرر مثل تسرب الغاز، ممن بعده يبدأ البحث، يدخل أحد مدربين كلاب الانقاذ، يجوب الموقع، يتابع ردود فعل الكلب، فإذا ما تفاعل نحو شيء ما، وأكد على ذلك كلب آخر، حينها تزيد احتمالية وجود شخص محاصر تحت الأنقاض، ومن ثم يتدخل فريق التواصل.
عبر معدات البحث الصوتي ثم كاميرا البحث تكتمل مهمة فريق الانقاذ، فما إن يتلقوا استجابة من بين الركام حتى يجاهدوا لتحرير الشخص باستخدام معدات الإنقاذ الثقيلة، تضرب جورجيا المثال بالمنشار الخرساني الكهربائي، وبمجرد خروجه يسلمه الفريق للسلطات المحلية.
طيلة أربعة أيام واصل الفريق الألماني الخطوات ذاتها دون الوصول لمرحلة تلقى استجابة، أعاقت حركته الحرارة والرطوبة المرتفعة في بيروت عما اعتادوا أثناء العمل في ألمانيا، لكنهم لم يتوقفوا، ظلوا يسابقون الوقت المقدر للعثور على ناج تحت الأنقاض "هناك مدار زمني للبحث يبلغ 100 ساعة. بعد ذلك لا يكون هناك فرصة كبيرة لإيجاد ناجين".
لم يعثر فريق (THW) على أي من الناجين تحت حطام بيروت، ما وجدوا سوى الجثث، تشعر جورجيا بالأسف لهذا، إنما في الوقت ذاته ترى أن مساهمتهم جاءت بالنفع، إذ أعطت السلطات اللبنانية اليقين بأنه تم فعل ما بالإمكان للتأكد من عدم وجود ناج في زمام بحثهم، وكذلك الأسر المتعلقة بالأمل في إيجاد ذويهم "كان مهم للغاية أن يتأكدون من عدم وجود أحد من الأحياء تحت أنقاض هذه المنطقة"، لذا مع انتهاء المهلة المحددة للبحث عاد جانب كبير من المتطوعين إلى بلادهم في العاشر من أغسطس، لكن الرحلة لم تنته.
دارت مهمة الفريق الألماني حول الفقد، انقسمت إلى جزأين، الأول منها البحث عن الضحايا المفقودين، أما الثاني فتقييم المباني المتضررة، عمل المتطوعون في 4 قطاعات بالمنطقة الملاصقة للمرفأ، نزلوا في فرق مشتركة مع مهندسين لبنانيين، واستطاعوا تقييم 120 مبنى للسلطات المحلية اللبنانية و30 مبنى آخر نيابة عن السفارة الألمانية كما تقول جورجيا، أعطى المتطوعون نظرة عامة بشأن الدمار، فيما قدموا للسكان ممن فقدوا بيوتهم تقريرًا علميًا "للتأكد إن كانت منازلهم أو شققهم تصلح للسكن أم التجديد أم لا".
لم يكن العمل في بيروت غريبًا على فريق (THW)، سبق أن قاموا بمهام مماثلة في نحو 140 دولة حول العالم، فيما يطوف نحو 800 ألف متطوعًا أرجاء ألمانيا، يقدمون المساعدة في المحن عبر استخدام ما لديهم من تقنيات وخبرة التعامل في الأزمات، تقول جورجيا إنهم يوميًا يتشاركون العمل مع فرق الإطفاء داخل ألمانيا، فضلاً عن تلبيتهم نداء الدول.
للمرة الثالثة يتواجد الفريق الألماني في لبنان، انقضى على المرة الأخيرة 14 عامًا، لكنها الزيارة الأولى لجورجيا، منذ عملت السيدة الثلاثينية مع منظمة الإغاثة الألمانية عام 2004، وشاركت في مهام باليابان، الفلبين صربيا، ونيبال، انتقلت من موظفة في المقر إلى متطوعة ثم مشرفة تدريب، إلا أن رحلتها إلى لبنان كانت مختلفة عما شهدته طيلة مسيرة عملها "الدمار في لبنان ضخم بشكل غير طبيعي مقارنة بما رأيته من قبل".
قطع الفريق الألماني شوطًا كبيرًا في مهمته داخل لبنان قبل إتمامها، لذا عاد كل المتطوعين باستثناء 18 شخصًا، ومنهم جورجيا، مسؤولة الإعلام، أكملوا الجزء الثاني لدورهم في تقييم المباني، وفي 13 أغسطس عاد أعضاء (THW) بالكامل إلى ألمانيا. كانت المهمة استثنائية في كل شيء، اكتسب الألمان تعاملاً مختلفًا عما عهدوه وتدربت عليه أجيال المتطوعين "عادة حينما نكون في مهمة بعد زلزال ننام في خيمنا بسبب احتمالية حدوث توابع محتملة، إنما في لبنان أقمنا في مبنى وكان مريح بشكل مقبول لنا. الدمار في بيروت كان حقيقية ضخم".
تابع موضوعات الملف:
7 أيام خلف الأمل.. قصة المفقود الأشهر في مرفأ بيروت
"كرمال يخلص الكابوس".. بطولات "الحماية المدنية" في قلب كارثة بيروت
"كعب داير" في بيروت.. رحلة البحث عن الضحايا المصريين بانفجار المرفأ
فقدتها أسرتها 12 ساعة.. رحلة البحث عن "ديانا" في انفجار بيروت
ليجد الأهالي أحبتهم| طالبة تُنشئ قاعدة بيانات للمفقودين بانفجار بيروت
معدات خاصة وكلاب مُدربة.. طُرق البحث عن المفقودين في كارثة بيروت (تقرير)
فيديو قد يعجبك: