هزمت الأمية.. القلم سلاح سيدة فلسطينية أمام الاحتلال (حوار)
كتبت- شروق غنيم:
لم تنسَ نسرين يونس حُلمها الأول بارتياد المدرسة، لكن الأجواء القهرية التي تعيشها مدينتها الفلسطينية حرمتها من مشوارها في التعليم، بعدما قُصفت ديار الشابة في غزة، ومعها صار الذهاب للمدرسة رُعبًا، اضطرت الأسرة إلى الانتقال أكثر من مرة "وبسبب الاحتلال والحروب والوضع الاقتصادي الصعب، ما روحت المدرسة ولا مرة". لكن رغبة التعلم نازعتها طوال السنوات الماضية؛ حتى انتصرت على الظروف المُحيطة، وانتزعت حقها في التعلم.
عام 2014 تعرّفت السيدة الأربعينية على فصول دراسية لكبار السن، أخبرتها رفيقاتها ممن مررن بالظروف القهرية نفسها "ما كنت مصدقة أنه ينفع أرجع بهالعمر، لكن صحباتي شجعوني". في مركز الدرج التابع لجمعية عبد الشافي الصحية والمجتمعية تعلمت نسرين القراءة والكتابة، دّبت الروح في جسدها الواهن مُجددًا "صرت أعرف أكتب وأحسب، فرحتي ما كانت تُقدر بثمن وقتها".
لم يكن الطريق يسيرًا على السيدة الأربعينية، في نفس العام الذي بدأت رحلتها للخروج إلى النور، شنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي حربًا عنيفة على غزة، طالت قرابة خمسين يومًا، كانت فترة مُرعبة، قُصف حي نسرين "مشينا من بيوتنا، والمدارس أُغلقت، كانت من الفترات الصعبة اللي مرت علينا، لكن أبدًا ما اتقتل فينا روح المقاومة عشان وطننا وعشان أكمل تعليمي".
حين زالت الغُمّة، كانت تنتظر نسرين بفارغ الصبر عودة المركز من جديد لاستقبال طُلابه، بالأمل وحده تحيا السيدة الفلسطينية ورفيقاتها "نحن نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا"، عادت باجتهاد لاستذكار دروسها حتى صارت الأولى على المركز "كنت من الطلاب المُميزين بالمكان".
داخل المركز تذوب المخاوف؛ تتعانق أحلام نسرين ورفيقاتها، يسردن قصصهن وكيف منعهن الاحتلال من تحقيق أحلامهن، الذكريات التي مُحيت تحت رُكام القصف، لكن التجمع نفسه يقوي عزيمتهن، يتعهدن ألا يمنحن القهر فرصة لسلب طموحهن "ولا أنه نتحرم من تفاصيل الحياة مُجددًا".
وأسست جمعية عبدالشافي الصحية والمجتمعية برنامجًا لتعليم الكبار لمحو الأمية في غزة، وبحسب الجمعية يوجد الأن في قطاع غزة 13 مركزًا لمحو الأمية حيث تضم مركز للذكور، و12 مركزًا للإناث، وتضم هذه المراكز 350 دارس ودارسة.
لم تنتهِ العثرات عند هذا الحد؛ كانت الظروف الاجتماعية والسياسية صعبة أيضًا، حتى مع توقف قصف الاحتلال "خصوصًا انقطاع الكهرباء المستمر على غزة".صار للسيدة خطة لتستطيع استكمال دروسها هي وصغارها "نذاكر في النهار 3 ساعات مثلًا، وإذا درست في الليل بيكون على الشمع أو لمضة الكاز".
خلال المحطات التعليمية المختلفة، قاومت نسرين الظروف المُحطة، انتابها اليأس أحيانًا "لما يحصل عدوان بتكون النفسية مُدمّرة، خايفة على زوجي وأولادي وما في طاقة للأحلام من كثر الخوف"، لكن تتمسك بالإيمان، تُعاهد نفسها ألا يهزمها الاحتلال "الأمل والإصرار كان كبير لأكفي المشوار".
اجتازت صاحبة الـ43 عامًا مرحلة التأسيس، ووصلت إلى مرحلة الثانوية العامة، تمتن لأطفالها الخمسة وزوجها على مرافقتهم لها في الرحلة ودعمها، لا تنسى كيف كان للمركز دورًا كبيرًا في مشوارها، فيما تأمل بألا تقف عند ذلك الحد وتلتحق بالتعليم الجامعي.
تدفق الأمل بداخلها مُجددًا، خلال الأيام المُنصرفة، حينما هاتفتها جمعية المرأة والتنمية في مصر، تُخبرها بأنه تم اختيارها كفائزة عربية ضمن حفل تكريم للمُتحررات من الأمية. كان للمكالمة أثرًا ساحرًا على نفس نسرين "خصوصًا أنه جاي من أهل مصر"، عبر شاشة إلكترونية أطلّت على الحضور تسرد حلمها بأن يكون مشوارها في خدمة "فلسطين، وأكون فرد نافع ولي مكانتي في مجتمعي".
"نعمة التعليم".. سيدة خمسينية تمحو أميتها: ساعدني لفهم متلازمة ابني
أخفت عن أسرتها و"اشتغلت" عاملة نظافة لتتعلم.. حكاية صعيدية مع محو الأمية
التعليم في الكِبر.. 4 شقيقات يصنعن المستحيل لمحو الأمية (صور)
فيديو قد يعجبك: