إعلان

منسيون ومنسيات (11)-سلافة جاد الله.. المصورة التي أنعشت تاريخ السينما الفلسطينية

10:47 م الأحد 24 أكتوبر 2021

سلافة جاد الله

كتبت-رنا الجميعي:

لا تتعدى مسيرتها الخمس سنوات، غير أن تلك الأعوام كانت حجر الأساس في مجال التصوير وتاريخ السينما الفلسطينية، استطاعت سلافة جاد الله أن تحفر اسمها في الصخر حرفيًا لا مجازًا، قبلها لم يكن هُناك ثمّة تصوير سينمائي سوى مُحاولات بدائية وفردية ومُتباعدة، وبعدها خطت السينما الفلسطينية خُطواتها الأولى كطفل لازال يتعلم مهارة المشي، غير أن حادث مؤسف أوقف جَهدها الحثيث تجاه السينما الفلسطينية، لتنتهي مسيرة سلافة نهاية درامية.


وُلدت سلافة محمد سليم جاد الله في مدينة نابلس بالضفة الغربي عام 1940، وقد شبّت داخل أسرة مُحبة للحياة، وبدا أن هناك شغف ما ربط الطفلة الصغيرة بالتصوير، فقد كان شقيقها "رماء" أحد رواد التصوير الفوتوغرافي، وتأثرت سلافة بشقيقها الذي أسس الاستديو الأكثر شهرة في المدينة، استديو "رماء".

وكان واضحًا أن سلافة سوف تسير نحو شغفها بقوة، وبدأت ذلك بالتوجه إلى القاهرة لدراسة فن السينما، وتخصصت في التصوير السينمائي، وفي عام 1964 كانت ضمن الدفعة الأولى من خريجي المعهد العالي للسينما الذي فتح أبوابه عام 1959، وتذكر العديد من المصادر أن سلافة قد شاركت المصور السينمائي "وحيد فريد" المعروف بـ"شيخ المصورين" في تصوير فيلم "الجبل"، لكن بالعودة إلى الفيلم المذكور والمتاح على موقع اليوتيوب، فهو فيلم إنتاج عام 1965، وظهر في مقدمة الفيلم أن مدير التصوير هو ضياء المهدي وليس وحيد فريد، ولم يتم ذكر اسم سلافة نهائيًا.

بعد التخرج تبدأ سيرة سلافة الحقيقية، بدا أن الشابة تتحرق شوقًا لبدء مسيرتها العملية الحقيقية، حيث عملت كمصورة في دائرة الثقافة الأردنية على مدار ثلاث سنوات، وبعدها التحقت بحركة فتح بعد نكسة 1967، وبدأت العمل بملف الشهداء، حيث آمنت بأهمية التوثيق للثورة الفلسطينية، وكانت تقوم بالتحميض والطباعة داخل بيتها، كما أنها شكّلت ثنائيًا برفقة المصور الفلسطيني هاني جوهرية، حيث قاما بعملية التوثيق تلك.

1

لكن مع اتساع المشروع طلبت سلافة إلى الانتقال لمقر قيادة فتح في جبل اللويبدة بالأردن، ولعدم وجود غرفة مخصصة لذلك، كان التحميض يحدث داخل المطبخ، فقد انقسم لجزئين؛ جزء للقهوة والشاي، والآخر لتحميض وطباعة الصور، ليُصبح ذلك القسم نواة لأرشيف وصور الثورة الفلسطينية.

دخلت سلافة إلى المخيمات والمعارك، لم تترك معركة تحدث تلك الفترة إلا ووثقتها بكاميرتها، وكانت معركة الكرامة لحظة فاصلة في مسيرة سلافة، ففي 21 مارس عام 1968 صمد فدائيو الثورة الفلسطينية أمام قوات الاحتلال الإسرائيلي، في قتال دام أكثر من 19 ساعة، حيث أرادت اسرائيل احتلال نهر الأردن، واشتبك الجيش الأردني بالقوات الإسرائيلية في قرية الكرامة، وشهدت تلك المعركة اهتمامًا عالميًا كبيرًا، مما أحدث نهمًا تجاه توثيق أحداث تلك المعركة، وتمكنت سلافة من تصويرها، التأثير الذي أحدثه قسم التصوير الفوتوغرافي في حركة فتح كان كبيرًا، اتسعت أحلام سلافة معها كذلك رفاقها هاني جوهرية والمخرج مصطفى أبو علي، كان الفُرسان الثلاثة قد شكلوا فريقًا مُحبًا للتصوير ومؤمنًا بالثورة الفلسطينية، وأسسوا بجوار آخرين لقسم السينما بجوار قسم التصوير الفوتوغرافي، والذي عُرف فيما بعد بـ"وحدة الأفلام الفلسطينية"، وتمكنت الوحدة من إنتاج عدد من الأفلام الوثائقية، بحسب خديجة حباشنة وكتابها "فرسان السينما"، ومن بين تلك الأفلام؛ "الخروج"، "الأرض المحروقة"، "زهرة المدائن"، "الحق الفلسطيني"، و"لا للحق السلمي".

كانت سلافة المرأة الوحيدة بين عشرة سينمائيين أسسوا قسمي التصوير والسينما، عُرفت بجرأتها الكبيرة وشغفها اللا محدود للتصوير، لكنها لم تستطع أن تُكمل مسيرتها في السينما الفلسطينية، غير أن أثرها من قوّته ظل ممتد إلى الآن، حيث قدّم مهرجان المرأة السينمائي الفلسطيني جائزة سنوية باسمها في العام 2005.

انتهت مسيرة سلافة حين انطلقت رصاصة عن طريق الخطأ نحو رأسها، فأصابتها بشلل نصفي في عمر الثلاثين، وعند تلك النقطة لم نسمع عن سلافة مُجددًا، صحيح أن بعض المصادر ذكرت كونها استمرت في زيارة زملائها داخل قسم التصوير لبعض الوقت، لكن نجهل ماذا حدث لها بعد ذلك، كيف قضت شعلة النشاط تلك حياتها بعد ذلك، وهل خبا حُبها للتصوير أم لا، رحلت سلافة عام 2002، أي بعد بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية بنحو عامين، رُبما سلّمت روحها حينها لأنها لن تتمكن من تصوير تلك اللحظات الهامة في عمر وطنها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان