مهمة خاصة مع "الفراعنة"... كيف يُعيد "ممدوح" كتابة التاريخ في دندرة؟ (صور)
كتب- محمد مهدي:
تصوير: جلال المسري
ترتسم ابتسامة على وجه ممدوح علي إسماعيل، رئيس وحدة الترميم بمعبد دندرة عندما يدلف إلى المكان المهيب حيث يتذكر جولاته في المعبد وهو لايزال طفل صغير رفقة جده الذي كان يعمل غفيرا في المعبد منذ التسعينيات، كانت تلك شرارة المحبة الأولى التي اندلعت في قلبه لتدفعه إلى السير في الدرب نفسه "كان بيحب شغلانته جدا، ودايما يقول (احنا حراس أجدادنا)، عشان كدا حلمت إني أشتغل في المعبد ومن هنا بدأت الحكاية" يذكر الرجل الثلاثيني في حواره مع مصراوي.
بفرحة عارمة كان الطفل يقطع المسافة بين مركز الوقف بقنا حيث يسكن إلى معبد دندرة، يُمسك بجلباب الجد بينما يتحرك بصحبته في الأنحاء مشدوها تجاه عظمة القدماء المصريين، تلك الآثار العملاقة والنقوش الجذابة والسحر المنثور داخل المكان "قررت أدخل مجال الآثار، حسيته شغل شيق ومختلف" اجتهد كثيرا من أجل الحصول على مجموع جيد وبعد الانتهاء من الثانوية العامة انضم إلى عشاق التاريخ في كلية آداب قسم ترميم الآثار بجامعة جنوب الوادي.
"هناك اتعلمت كل شيء عن الترميم، والشغل العملي مفيد جدا، اتعرفت على جميع الأحجار وإزاي اتعامل مع المومياوات وأي قطعة أثرية" تخرج من الجامعة في عام 2007 حاول البحث عن الفرصة المتاحة حتى عثر على احتياج بعثة الدكتور زاهي حواس عالم الآثار الكبير إلى رجال ترميم في محافظة الأقصر عام 2009 "في حفاير وادي الملوك بالبر الغربي، عشت هناك سنتين، مش هبالغ لو قلت إن شغل الترميم بيسرق من الواحد الوقت، لكن سرقة جميلة، لأن كل يوم بتشتغل مع قطعة أثرية جديدة".
حصد ممدوح خبرة كبيرة خلال مشاركته في البعثة "عرفنا إزاي نتصرف بدقة شديدة مع كل أثر بنلاقيه خلال الحفاير، ونحافظ على الألوان الأصلية لكل قطعة مهما كانت ضعيفة، ولحظة اكتشاف الآثار نفسها متتوصفش" إذ نجح مع زملائه في اكتشاف متعلقات الملك تحتمس الثالث "زي الخاتم ولقينا تماثيل (أوشابتي) صغيرة، بيتم وضعها مع المتوفي عشان تخدمه طوال أيام السنة على حسب المعتقدات القديمة" كان ينخرط في عمليات الترميم منذ اللحظات الأولى لخروج الأثر إلى النور.
حصل جميع المشاركين في البعثة على وعد من الدكتور زاهي حواس بتعيينهم رسميا في حالة الإجادة وهو ما أشعل روح الحماس في قلوب الجميع "بعدها ربنا وفقنا وطلعنا كمية كبيرة من أطباق المائدة المصنوعة من الفخار عدد كبير من الكؤوس، قدرنا نحافظ عليهم ونعملهم ترميم جيد" لذلك جرى التعاقد معهم من قِبل الوزارة "ونقلوني لمعبد دندرة عشان انضم لمشاريع الترميم في المكان"، تحقق الحلم الذي طالما راود ابن محافظة قنا.
انخرط ممدوح سريعا في أعمال الترميم داخل معبد دندرة "اشتغلت في الصالة الأولى المعروفة بصالة الإشراق، ودي عملت ضجة كبيرة عالمية في مجال الترميم، لأن نقوشها وألوانها ملهاش مثيل" وهي التي أُثير حولها حديث مواقع التواصل الاجتماعي في الشهور الأخيرة نظرا لجودة العمل وقدرة المُرممين على إعادة الجداريات الفرعونية إلى صورتها الأولى "اشتغلنا بعدها في الصالة التانية (حجرة الفضة) ثم في قدس الأقداس والشعلة وتقوية حمام كليوباترا".
اشترك المُرمم الثلاثيني أيضا في ترميم عدد من السراديب التي جرى افتتاحها في زيارة للدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار خلال فبراير الفائت، وسط إشادة بما جرى في المعبد من جهود "لما بيتقال على شغلنا كلمة حلوة، الفرحة بتكون مش سيعانا، وروحنا المعنوية بترتفع وبنحاول نطلع أقصى ما عندنا" يمنحه ذلك الحماس لمزيد من العمل ومحاولة التطوير "من خلال الإطلاع على كل جديد في مجال الترميم، وبنسأل الأساتذة الكبار في المهنة، وكمان المشاركة في البعثات الأجنبية اللي بتيجي مصر".
الانضمام إلى البعثات القادمة من دول مختلفة يساهم في صقل الخبرة "بنشتغل بمواد ترميم جديدة، وبنتعرف على أساليب متنوعة حسب ثقافة كل بعثة" وتواجد رئيس وحدة الترميم بمعبد دندرة رفقة البعثة الأمريكية في عام 2010 داخل منطقة أبيدوس في سوهاج، والبعثة الفرنسية في قفط بقنا عام 2011 وآخرى خلف معبد دندرة في 2016 ورابعة في دير الأطرش بوادي الغزاة في الصحراء الشرقية، مشقة ممتعة وفقا لوصفه "طلعنا فيها آثار كتيرة زي مومياوات لرئيس عمال وزوجته وإعادة ترميم جدران منطقة حوض الأثارات المكسورة".
تمر ساعات طويلة على ممدوح تحت أشعة الشمس الحارقة بينما ينهمك في عمله دون كلل أو ملل، ينسى الظروف المحيطة من أجواء حارة والتواجد في منطقة صحراوية والاختفاء عن العالم طوال تلك المدة "بيكون صعب على الأسرة لأنهم مش عايزنا نبعد عنهم خصوصا لما بنروح أماكن بعيدة زي الصحراء الشرقية" حيث ينقطع الاتصال تماما نظرا لعدم وجود شبكة "كنا بنمشي بالعربية 5 كيلو لحد ما نلاقي جبل نطلع فوقيه ونعمل مكالمة كام دقيقة نطمن عليهم" تختلط نبرات الاشتياق مع كلمات الدعم له من ذويه وشعورهم بالفخر تجاه مهمته النبيلة.
يخطو الرجل الثلاثيني بثقة في عالم الآثار المصرية، بات رئيسا لوحدة الترميم في معبد دندرة يعمل رفقة نحو 20 مُرمم في المنطقة ذات الجمال الباهر، يتابع فريقه بدقة متناهية ويسعى للانتهاء من كافة الأعمال المطلوبة تحت إشراف رؤسائه الذي يتلقى منهم المساعدة والمساندة دائما "كلنا بنكمل بعض في المعبد" فيما لا يتوقف طموحه عند نقطة بعينها "والمهم إني أفضل لنهاية عمري بين القطع الأثرية".
فيديو قد يعجبك: