ابنة النيل والحضارة.. حكاية مُرممة مع رمسيس الثاني ومقابر الأمراء (صور)
كتب- محمد مهدي:
رهبة تسري في قلب حنان عبدالغني ،مدير إدارة ترميم آثار أسوان والنوبة أثناء الوقوف أمام تمثال الملك رمسيس الثاني داخل معبد أبوسمبل، تُدرك أنها جاءت لأداء مهمة في غاية الدقة إذ تعمل على ترميم كافة التماثيل والقطع الأثرية في قدس الأقداس، قبل أيام من توافد أعداد كبيرة من الأجانب والمصريين لحضور لحظة تعامد الشمس على وجه الملك "في اللحظة دي بكون مدركة أهمية الترميم، وإنه النبض الحقيقي للأثر، من غيره ممكن القطعة الأثرية مترجعش للحياة مرة تانية".
لم تكن السيدة الأربعينية في طفولتها بعيدة عن الحضارة التي قامت على ضفاف النيل، حيث نشأت في جزيرة أسوان الشهيرة بـ "الفنتين" التي تحوي معبد "ساتت" من عصر الأسرة الأولى، ومعبد يعود إلى عهد الملكة حتشبسوت فضلا عن معابد "خنوم" ومنطقة أثرية أخرى ترجع إلى الأسرة السادسة، بطريقة غير مباشرة تسلل الشغف ناحية تاريخ الأجداد إلى الفتاة الصغيرة حينها قبل أن تقودها الصدفة ومجموع الثانوية العامة إلى الالتحاق بكلية الآثار بجامعة الفيوم.
"أول ما بدأت دراسة اكتشفت إنه مجال ممتع ومهم وله هدف نبيل في حفظ تاريخنا وأثارنا العظيمة" شعرت بذلك عندما دخلت في عام 1994 من بوابة الكلية بينما يمتلكها الكثير من الفضول ناحية مهنة الترميم الذي لم ينتهِ حتى بعد تخرجها "كنت من أوائل الخريجين في سنة 98، وبعدها بسنتين اتعينت في منطقة آثار أسوان والنوبة" لتصبح من أولى السيدات النوبيات اللاتي يدخلن إلى عالم الترميم الأثري وتشق طريقها إلى مكانة عالية في هذا المجال.
صالت وجالت المُرممة النوبية في أنحاء أسوان، وضعت بصمتها في أرجاء المحافظة التي تنتمي إليها "في الأول اتكلفت بتجميع وتركيب معبد جرف حسين في جزيرة كلابشة، كانت عبارة عن كتل حجرية منفصلة وقدرنا نحولها إلى معبد متكامل على مدار سنة" ثم انطلقت إلى تجربة ثانية في جزيرة أسوان حيث تسكن "اشتغلنا على تماثيل في متحف الجزيرة وتمثال لتحتمس الثاني وإزالة الصدأ عن عملات برونزية بالغة الأهمية" كما شاركت في تجهيز قطع أثرية لمتحف مفتوح بإدفو .
مغامرة جديدة يوميا تخوضها السيدة التي تعلق قلبها بالآثار "رَممت مومياوات من العصر اليوناني والروماني وفي حفاير الأغاخان" بجانب تجربتها الفريدة في قدس الأقداس بأبوسمبل "بقعد 3 أيام من العمل المستمر في المعبد الصغير والكبير قبل توقيت التعامد" إذ يتعرض الأثر لعوامل التعرية والرمال وانفصال بعد الترميمات القديمة "عشان كدا مهم التنظيف والترميم والصيانة سواء لرمسيس الثاني ونفرتاري" وغيرهم من القطع الأثرية التي تجذب آلاف السائحين سنويا.
يهتم المتخصصون في مجال الترميم بالانضمام إلى البعثات الأجنبية التي تأتي إلى مصر لأعمال الحفائر والترميم لذلك كانت حنان حريصة دائما على عدم إفلات تلك الفرص "اشتغلت مع البعثة الألمانية في مقابر (قبة الهوا الجديد) في 2016، وسافرت في منحة لبرلين للتدريب في معاملهم المجهزة هناك" وكان لها دور مميز مع البعثة الإسبانية في مقابر الأمراء "خبرة كبيرة لأنهما كانوا بيشتغلوا على جميع أنواع القطع الأثرية سواء خشب أو فخار أو حجر" وانخرطت مع بعثة ألمانية في إعادة تركيب معبد أوزيريس بأسوان.
مع مرور الوقت والنجاحات التي جرت على يد المُرممة الأربعينية جرى تعيينها كمدير إدارة ترميم آثار أسوان والنوبة خلفا لأستاذها ياسر حامد صبري "اللي أنشأ على أيده وحدة الترميم في أسوان، كان شخص بيدعم الجميع وهو صاحب فضل علينا وعلمنا كتير عن الترميم وإزاي نبقى متعاونين دايما"صار عليها الإشراف على كافة أعمال الترميم التي تدور في أرجاء أسوان والنوبة "عندنا مرور مستمر على المناطق الأثرية وبيتم التعامل سريعا مع أي آثار محتاجة لترميم".
تشعر حنان بالفخر تجاه مسيرتها التي تمتد لأكثر من 20 عاما رغم مشقة التجربة حيث تسعى دائما لصنع التوازن بين مسؤوليات الأسرة واحتياجات العمل "الحمد لله جوزي وأولادي متفهمين طبيعة شغلي وبيساندوني" فيما تتمنى أن تصل مهنة الترميم إلى مكانة أفضل وأن يُدرك الناس قيمتها الكبيرة في مجال الآثار والتاريخ.
فيديو قد يعجبك: