كتب نهاية الرحلة.. "بريك" صاحب النصيب الأكبر في اكتشاف طريق الكباش
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
كتبت-إشراق أحمد:
صورة رئيسية-أيمن برايز:
تغير مسار حياته مرات، لكن في كل مرة، يحمل المخاطرة والتحدي بين كفيه ويمضي. في المرحلة الجامعية، تخلى منصور بُريِّك عن الإعلام لأجل دراسة الآثار، وبعد نحو 40 عامًا في القاهرة، غادر إلى الأقصر. قضى بُريِّك نهارات وليالٍ عصيبة طيلة 12 عامًا، تخلى عما خطط له في سبيل ما لم يخطر على بال، لم تعرف خطواته إلى أسرته سوى زيارات، صار من أهل "طيبة" وأصبحوا منه كما فعل سابقوه ممن تركوا بصماتهم ووقع أقدامهم في اكتشاف طريق أبو الهول المعروف باسم "الكِباش".
الأثري منصور بُريك رضوان، خامس المكتشفين لطريق المواكب الكبرى في الأقصر، مَن ختم رحلة الإنجاز التي بدأت في الأربعينات، ويحصد المتواجدون في قلب الحدث ثمار معاناتها اليوم في الاحتفال الذي تشهده المحافظة من أجل افتتاح طريق الكباش الواصل بين معبد الأقصر ومعابد الكرنك.
يجلس بُريِّك في منزله بالقاهرة، قَدِم قبل أيام من الإمارات التي يستقر بها منذ 2014، بعدما جاءته دعوة حضور الافتتاح، لكن تأخر الوصول حال بين وجوده في قلب الاحتفال كما يقول لمصراوي.
ينتظر الأثري بشوق متابعة افتتاح الطريق الذي عايش ظهوره للنور قبل أعوام، يغالب تفكيره اسمين "زكريا غنيم ومحمد الصغير"، يمتن بُريك لمن خاضوا المسيرة قبله، ويشعر أن أي إنجاز في الأقصر لهذين الأثرييين خصيصًا فضل كبير فيه "زكريا غنيم أول حد عرفنا إن في حاجة اسمها طريق كباش لكنه اتظلم في مسألة سرقة الآثار اللي اكتشفوا بعد ما انتحر إن في سوء فهم أما محمد الصغير فكان كل همه طريق الكباش وعاش يحلم إنه يحقق الإنجاز".
قبل ذهابه إلى الأقصر عام 2002، لم يكن بُريك صاحب شغف تجاه "طيبة" وآثارها، طالما كان يميل إلى التاريخ القديم، وما في الجنوب يعد عهدًا حديثًا في الآثار. منذ التحق بكلية الآثار، جامعة القاهرة، وتخرج فيها عام 1982، انصبت حياته العملية والدراسية على الأهرامات عملت الماجستير في أثار الدولة القديمة وكنت مهيأ نفسي أكمل الدكتوراة على نفس الموضوع".
تدرج بُريك في العمل من مفتش على أثار إمبابة ما بين عام 1984 إلى 1987، دار في المناطق الأثرية بالقاهرة والجيزة، خاصة منطقة الهرم وسقارة منذ التسعينيات حتى بلغ درجة كبير مفتشى آثار الهرم لشؤون الحفائر، لكن حدثت نقلة غير متوقعة.
أصبح منصب مدير عام الآثار في الأقصر خاليًا عام 2002، وعلى أحد أن يشغله، عُرض على بُريك أن يتكفل بالمسؤولية لكنه رفض بشدة "الأقصر موضوع تاني خالص تلت آثار العالم ومقابر ومعابد وآثار دولة حديثة وأنا حياتي كلها في الأهرامات والتاريخ القديم"، ظن الأثري أنه الجنوب ليس مكانه وهناك مَن هو أفضل لهذه المهمة، غير أنه لم يكن هناك مجال للرفض، كان الأمر اشبه بفرمان بالنقل إلى طيبة –الاسم المصري القديم للأقصر.
ما كان بُريك ليستسلم "قعدت شهرين قافل عليا المكتب بقرأ عن الأقصر والآثار اللي فيها"، فقط يحسس طريقه إلى المعابد ليرى ويسأل ويستعلم عما ينتظره، أما طريق الكباش "ماكنش في بالي خالص نعيد الكشف عنه ولا ندور عليه". تعامل مدير آثار الأقصر سابقًا مع المهمة بروتينية، قبل أن تجذبه "النداهة".
بينما يتابع بريك إشرافه على مشروع خفض منسوب المياه الجوفية بمعابد الكرنك والأقصر، عام 2004 "بقينا نحفر مسار الطريق ونلاقي آثار مختلفة حديقة وقديمة"، حينها بدأ يتعمق في المعرفة عن طريق أبو الهول أو المواكب الكبرى "بقيت أحاول افك الرموز اللي كانت من العصر الغريقي والبطلمي. أجيب قواميس وأقرأ"، تزامن هذا مع قيام محافظ الأقصر سمير فرج بمشروع عرف باسم شارع المحطة، غير أن عائقًا يقف أمام الهدف بإبراز معبد الأقصر ليظهر للقادمين من محطة القطار "البوابة الرومانية كان شكلها وحش حجارة ومدرج مش مرممين"، لتبدأ رحلة قرية الحاجر التابعة لمركز منشأة القناطر.
أثناء ترميم البوابة الرومانية، اكتشف بُريِك وفريقه 22 تمثالاً من الكباش، لمعت عين الأثري، سارع للاتصال بسمير فرج "إيه رأيك نعيد الشغل على طريق الكباش"، انتفض محافظ الأقصر "لا مادخلنيش في السكة دي أنت عارف ده معناه إيه؟".
2700 كيلو متر، رُدمت وأقيم عليها المنازل والمنشأت الرسمية والدينية، وإصدار قرار بإعادة العمل لإكتشاف الطريق يتطلب إخلال المنطقة. كانت مخاطرة وعلى المحافظ أن يكون واجهتها، سأل فرج مدير آثار الأقصر "وأحنا إيش ضمنا بعد الإزالة يبقى في آثار"، لم يكن بُريك يجزم دون دليل "وأحنا بنحفر في مشروع المياه الجوفية لقيت تمثال على عمق 4 متر فأكيد في تماثيل تانية". انتهت المكالمة ولم يخفت حماس بُريك لموافقة فرج.
وثق محافظ الأقصر في بُريك، بعد 4 أيام جاءت الموافقة على طرح المشروع وتحمل فرج مسؤولية الحديث للأهالي المتضررة وتعويضهم، فيما جلس الأثري إلى البعض منهم، فما كان ليعمل في أجواء غاضبة.
تبدل حال ابن القاهرة، صار في قلب الحالة التي تمناها ومن أجلها غادر كلية الإعلام عقب شهر من الدراسة "كنت الأول على مدرستي في الثانوي فدخلتها باعتبارها أعلى كلية في أدبي لكن ماكنش ده الطريق اللي حابه".
كثيرًا ما كان يذهب بُريك لمنزل خالته بقرية مرمدة بني سلامة، في الصف الثالث الإعدادي التفت الصبي لحركة جوار البيت "ناس بتحفر وبتدور على حاجة"، علم بُريك حينها مهمة الأثري، انجذب لذلك الألماني "هاين فانجر" المشرف على فريق البحث، رغب لو صار مكانه يومًا، فأصبحت خالته وجهته المفضلة ليس لزيارتها لكن لرؤية الكشف الأثري.
يبتسم بُريِّك. اليوم صار مكان المستكشف الألماني وبات عليه اتخاذ القرارات المصيرية؛ قسم صاحب رسالة الدكتوراة عن "الآثار الواقعة أمام الواجهة الغربية لمعبد أمون بالكرنك" الطريق إلى 8 قطاعات حسب درجة الصعوبة، وتدرج في العمل من الأسهل، فيما عليه تجاوز عقبة كبرى "مفيش عدد منقبين أو مفتشين آثار يقدروا ينقذوا الحفائر"، ورفض المشرف على المشروع أن يستعين بأيدي أجنبية للعمل، وتواصل مع مركز البحوث الأمريكية لتدريب كوادر مصرية، وانشأ ما عرف باسم "مدرسة حفائر الإنقاذ".
نحو 45 أثري من الأقصر تلقوا التدريب للتنقيب بينما تعمل المعدات على إزالة البيوت والطبقات الأرضية، وانتقى بُريِك نصف العدد ووزعهم للعمل على أن ينقلوا لرفاقهم ما تعلموه وطالما أخبرهم "الأمريكان دول بيساعدونا بس"، ثم بدأ العمل في 1 نوفمبر 2005، يصلون النهار بالليل، فيما كان سمير فرج، محافظ الأقصر "مرعوب" كما يصف الأثري المصري، حتى هلت البشائر بعد نحو أسبوعين اكتشف الفريق 6 تماثيل على هيئة كباش.
كانت سعادة عارمة حتى أن محافظ الأقصر خرج معلنًا عن الكشف قبل وزارة الآثار، وكان ذلك حدثًا غير مسبوق كما يحكي بُريِّك لمصراوي.
أكمل بريك الطريق الذي بدأه الأثريون السابقون، التفت لما وصل إليه ثالث المشرفين على الكشف، دكتور محمود عبد الرازق، سار على المعلومة بأن كثير من التماثيل التي تم الكشف عنها معاد استخدامها في العصر الروماني كأساسات في البيوت حتى أن بعض رؤوس أبو الهول استخدمت كحشو في الجدران، فتركز فريق العمل مع بريك على تجميع التماثيل وإعادتها إلى قواعدها الحجرية، وانتبه لما انجزه الدكتور محمد الصغير في موقع شارع المطار حتى معبد موت في التسعينيات، ولم يتوقف السعي عند هذا.
توسع بريك مع رفاقه من الباحثين والمرممين ليمتد عملهم لمحيط الطريق، فكانت المفاجأة بالكشف عن مساكن العمال وورش وصهاريج تخزين ومعصرة للنبيذ أقامها المصريون القدماء بالجهة الغربية لطريق المراكب الكبرى، حتى أن من بين الاكتشافات كانت لوحة "الكاهن باك إن خونسو" من الكوارتزيت، وكان العثور عليها حدثًا فريدًا لكونها وثيقة لحياة المصريين في تلك المنطقة من معابد الكرنك.
سنوات من التنقيب وثقها بُريِّك في كتاب نشره عام 2013 بعنوان "طريق الآلهة بين معابد الكرنك والأقصر"، كتب التفاصيل العلمية للحفائر وما نتج عنها، ولم ينس ما وراء العمل المتواصل لأعوام من فريق ضخم، ذكرهم بالاسم.
رحلة عمل ليس لها مثيل في حياة بُريِّك "أول مرة اشتغل حفاير لسنين ورا بعض صيف شتا من غير انقطاع". أعوام نسى فيها الأثري الراحة، اشترى الشغف بكل ما يملكه حتى أسرته "كانوا في القاهرة بيجوا لي كل وقت وساعات بنزل لهم"، لكن ما هي إلا أيام ويعود. لم يكتف بُريك بحلم افتتاح الطريق المقدس بل اهتم بما بعد ذلك، تواصل مع جامعة إيطالية تُدرِس إدارة المواقع الأثرية، وأعد خطة لتحويل الطريق إلى مزار سياحي سنوي عام 2010.
أحب بُريك الأقصر وبادلته أهلها المحبة، حينها صدر قرار نقله ليصبح مسؤول الإدارة المركزية لآثار مصر الوسطى، اعترض الكثير على القرار وصل حد التظاهر كما يقول، اعتبر البعض القرار انتقام بعد أعوام تغيرت فيها معالم الآثار على يد الأثري القادم من القاهرة. حزن بُريِّك كما لم يفعل من قبل، لكن سرعان ما نفض عنه الهم ليعمل ويواصل الانتصار "في بني سويف اكتشفنا معبد بطليموس الثاني"، وواصل المسير بالعودة للقاهرة حتى جاءه عرض العمل كأخصائي آثار في إدارة التراث العمراني والآثار في بلدية دبي.
يستكمل بُريِّك مسيرته مع الآثار، يخطو في تحدٍ جديد خارج مصر، يقوده الشغف، فيما لا ينسى حلمه السابق الذي حالت الظروف بين تحقيقه ويتمنى أن يعايشه ولو لم يشارك فيه "نفسي عيد الأوبت اللي اتعمل عشانه الطريق يتعمل بشكل سنوى. كرنفال لعشر أيام كل سنة وتتفرج الدنيا على الأقصر".
فيديو قد يعجبك: