بهجة في قلب القصف.. "دورة ألعاب المتوسط" تُخرج صغيرات سوريا من الخيام
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
كتبت-إشراق أحمد:
أبدًا لم تسمع ياسمين عن لعبة تنس الطاولة ولا أي رياضة قبل ثلاثة أشهر، كل ما ظل يشغلها مسبقًا "بدي أصير في الدفاع المدني وأنقذ الأطفال متل اللي شوفناهم وقت القصف". ما تغير حلم ذات العشرة أعوام، لكنها علمت أن بإمكانها فعل الكثير في عمرها هذا. اليوم صار لياسمين ورفيقاتها في مخيم اليمان بشمال سوريا حكاية غير الحرب ولعبة خلاف الركض العشوائي وراء بعضهن، ترتدي الصغيرة قلادة فيما تفخر "أنا حصلت على مركز أول في البينج بونج بدورة ألعاب المتوسط".
ياسمين واحدة من بين 180 طفلة تسكنّ 9 مخيمات في الشمال السوري، تجمعنّ في مخيم يحمل اسم الفردوس، خلال الشهر الجاري، شاركن في مسابقة تحمل اسم "دورة ألعاب المتوسط"، أقامها متطوعون منظمة بنفسج السورية – وهي منظمة غير ربحية بدأت العمل رسميًا عام 2013 بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية لدعم سكان المخيمات في شمال سوريا- لتكون البطولة بمثابة محاكاة للواقع لكن خصصوها لتضم الإناث من الأطفال.
في أغسطس المنصرف، اقترح حبيب مرضعة، مسؤول النشاط الرياضي في بنفسج إقامة مسابقة للأطفال بالتزامن مع أولمبياد طوكيو، فكانت "أولمبياد الخيام" تُحاكي الحديث العالمي، يتنافس الصغار في سباقات الركض وكرة القدم ورمي القرص وغيرها.
لا ينقطع حبيب عن الذهاب للمخيمات، يوميًا يلتقي بالأطفال، فيما يواصل متابعة الأنشطة الرياضية المقامة في العالم العربي والدولي، وبعد رؤية ما تركته أولمبياد الخيام في نفوس الصغار، قرر تكرار الأمر مع حدث رياضي آخر "عرفت أن دورة ألعاب المتوسط كانت هتقام في الجزائر هذا العام وتأجلت لـ2022 بسبب كورونا". حينها علم ابن مدينة إدلب خطوته المقبلة.
لاحظ حبيب أن مشاركة الفتيات في النشاط الرياضي ضعيف، ومن جولاته ومعرفته بوضع المخيمات علم السبب "البنات ما بيطلعوا بره الخيمة.. هن بس بيطبخوا ويغسلوا. كأنهن محبوسين"، تذكر ما سمعه من حماس الصغيرات غير المشاركات في أولمبياد الخيام "صار عندهن شوية غيرة.. كانوا يقولوا أحنا كمان فينا نلعب متل الولاد ونكون أقوى منهم"، لهذا قرر أن تكون "دورة ألعاب المتوسط" في المخيمات مخصصة للإناث، فيما لم يحرم الصبية لكن بنسبة ضئيلة لا تتجاوز 10% كما يقول مسؤول النشاط الرياضي لمؤسسة بنفسج لمصراوي.
بعد أسبوع من انتهاء أولمبياد الخيام، ولنحو شهرين، دار حبيب على المخيمات مع زملائه، قرابة 25 عضوًا بالمنظمة شاركوا في تدريب الفتيات على الألعاب الفردية والجماعية بالنهج ذاته المُتبع سابقًا. يُطلعون الصغيرات على الرياضات من خلال مشاهدة الفيديوهات، ثم يمارسونها معهن في المخيم بإماكنياتهم البسيطة.
"المضرب والطابة-الكرة" صارت تلك الكلمات تكفي ياسمين للتعبير عما تحبه في تنس الطاولة. كانت اللحظات الأسعد للصغيرة في المخيم، وقت أن أعطاها "أستاذ حبيب" أدوات اللعبة، كذلك أصبحت رويدة، ذات الثمانية أعوام تعلم كيفية ممارسة الكرة الطائرة، تشرح الصغيرة ببساطة "بنمرر الكرة لرفقاتنا ونجيب جول"، تفخر ابنة مخيم اليمان، صاحب المركز الأول بين المخيمات التسع في "الطائرة" أنها احرزت هدفًا، فيما بالخيمة ركن سعيد تحتفظ فيه بميدالية وكأس كما تقول لمصراوي.
لم يعد لدى حبيب ورفاقه شك في قدرتهم على إقامة حدث رياضي يُسعد الصغار، ولا في تدريبهم على أي لعبة ولو كان الغريب عنهم يرى ذلك مجرد خال. أضاف مسؤول النشاط الرياضي لعبة الجولف، وتنس الطاولة والألعاب الجماعية من كرة اليد، الطائرة والسلة، التي لم يتعرف عليها الأطفال في البطولة السابقة.
صباح الحادي عشر من نوفمبر الجاري، تجمعت قرابة 180 طفلة في مخيم الفردوس – شمال إدلب- المكان الذي اختاره حبيب لإقامة دورة ألعاب المتوسط للإناث لكبر مساحته. كانت الفرحة قد حلت بالصغيرات قبل بدء المنافسة كما يقول حبيب.
بالطريق بينما يستقلون الحافلات، انبهر مسؤول النشاط الرياضي لرد فعل الفتيات "فكروا حالهم مسافرين على غير دولة. كانوا مبسوطين كتير يسألوا وين بقينا بأي منطقة"، بالنسبة لكثير منهم، تلك المرة الأولى للخروج من المخيم منذ سكنوه.
مازال مشهد الرحلة المستغرق نحو الساعة عالق في أعين آلاء، للمرة الأولى تخرج وشقيقتها الكبرى ياسمين خارج المخيم "الطريق طويل كان لكن الأجواء حلوة كتير.. كراسي وسيارات ومحلات" تقول ذات التسعة أعوام.
قضت الصغيرات حياتهن في المخيم، لأعوام لم تعرف خطواتهن طريق آخر غير الخيمة والساحة الخالية أمامها، لذا باتت أبسط التفاصيل الروتينية شيء مقدر لديهن كما يوضح مسؤول النشاط الرياضي في منظمة بنفسج.
كانت قد تصاعدت الأحداث في سوريا منذ مارس 2011، قُمعت الاحتجاجات وتحول الوضع إلى حرب تدور رحاها في كافة المناطق، ثم تدخلات أجنبية وسيطر يتنظيم داعش على العديد من المدن، قبل أن يعود نحو ثلثي الأراضي إلى قبضة بشار الأسد والنظام السوري، لكن ظل قرابة 6.7 مليون شخصًا نازحين عن منازلهم فرارًا من الحرب وسكن نسبة منهم المخيمات كما تشير تقديرات الأمم المتحدة بحلول نهاية عام 2020.
انتزعت الصغيرات سويعات بهيجة قبل بدء المسابقات "جمعنا الأطفال من كل مخيم واتعرفوا على بعض"، مر الوقت بصفو، لكن مع الساعة الواحدة إلا الربع ظهر ذلك الخميس زُلزُلت فرحة المخيمات؛ وجه الطيران الروسي 3 ضربات بمنطقة "معرة مصريين وحربنوش" على بعد 7 كيلو مترات من مخيم الفردوس، انتفض الأطفال والمتطوعين من دوي الصوت الذي استمر نحو 20 دقيقة بحسب رواية حبيب، وخيم الحزن بعدما جاءهم الخبر "استشهدت عائلة كاملة على إثر الضربة. أب وأم و3 أطفال".
أصبح القائمون على النشاط الرياضي بالمخيمات في حيرة من أمرهم؛ هل يتوقفون أم يستكملون ما بدأوا متجاوزين الصعاب كما اعتادوا أن يفعلوا؟
اختار حبيب ورفاقه المواصلة، ما كان لهم أن يكسروا الفرحة التي بأعين الصغيرات، استمرت سباقات 11 لعبة، علا صراخ التشجيع وغطى بكاء السعادة بالفوز وحصد الميداليات على دوي القصف والموت، قضت فتيات المخيمات التسعة قرابة 7 ساعات لا تُنسى، وفي المغيب عادت كل 180 طفلة قريرة العين إلى خيمتها؛ ركضت ياسمين وشقيقها آلاء لترى أمهما ميداليات المركز الأول، وبكت سدرة الحردان لفوزها في لعبة الجولف، فيما أصبح أملهن مع كل صباح أن يلتقين كابتن حبيب ليخرجوا من خيامهن ويمرحن ويجربن أشياء جديدة.
اقرأ أيضًا:
بالصور-على غرار طوكيو.. أطفال سوريا ينسون الحرب بأولمبياد الخيام
فيديو قد يعجبك: