زواج خالي من "الثورة".. أسرة صغيرة لا تتمنى سوى الاستقرار و"الأسعار تقل"
كتبت-رنا الجميعي:
في أغسطس 2011 كان أحمد عادل ونسمة عصام يتزوجان، بعد عام من خِطبتهما، يبدآ حياة جديدة معًا في ظل أحداث تشتعل بها مصر بعد ثورة 25 يناير، لكن المُتزوجان حديثًا لم يكن ذلك شاغلهما، كانت كل الأحداث تلك تعني لهما شيئًا واحدًا "الدنيا كلها قلق وخوف"، فيما تمنيا السفر كأي عروسين لقضاء شهر العسل "بس أهلنا حذرونا قالولنا بلاش".
في 2010 تعرّف الزوجان عن طريق أخت عادل، أُعجبا ببعضهما، وبعدها تقدّم الشاب لخِطبتها، وحينما تأزمت الأحداث في الخامس والعشرين من يناير، ودوت الهتافات في الميادين، لم تدري نسمة ما الذي يحدث، فقد كانت لازالت في سن صغير، حيث تخرجت قبل ذلك بنحو عامين من الجامعة، وبالتالي لم يُفكّر الشابان في النزول إلى المظاهرات بالقاهرة.
فقد كان عادل أيضًا في سن صغير، حيث بلغ من العمر وقتها الرابعة والعشرين، ولم يستوعب المفردات الجديدة التي يسمعها لأول مرة "يعني أيه ثورة"، وفي تلك الأشهر الأولى من الثورة كان عادل يجلس في المنزل، مثله مثل كثيرين بسبب توقف الدراسة ذلك الوقت، يتابع فقط على الإنترنت وشاشة التليفزيون ما يحدث.
وكأي عروس كانت نسمة مشغولة في إعداد جِهاز بيتها الجديد، لا تأمن للنزول في أوقات كثيرة "وقتها كان فيه قطع طريق ورعب من البلطجة"، لذا كانت تختار الأوقات التي تنزل فيها بعناية، مُبتعدة عن المناطق التي يحتشد فيها المتظاهرون.
وفي أغسطس 2011 تزوج الشابان، خافا وقتها من تحذيرات الأهل، وقررا البقاء في المنزل لمدة حتى تهدأ الأحداث "وبعد شهر روحنا راس البر"، هناك ابتعد الزوجان عن المظاهرات التي لا تهدأ في ميدان التحرير، كذلك عن زخم الحديث عن مُحاكمة الرئيس الأسبق، حسني مبارك، التي بدأت في الثالث من نفس الشهر، "وفي المصيف مكنش فيه حد بيتكلم عن الثورة، الناس جاية تتبسط".
كانت الأيام تمرّ بشكل عادي بالنسبة للزوجين، يُحاولان البدء سويًا في حياة جديدة تجمعهما معًا، لا تهتم نسمة بما يحدث من مظاهرات داخل ميدان التحرير، صحيح أنهما يُتابعان ما يحدث على شاشة التليفزيون، لكن بمنأى عن حياتهما، ولكن عادل كان مؤيدًا لتغيير الرئيس الذي استمر على كرسي الحكم لمدة ثلاثين عام "كنت حاسس إن مبارك قاعد بقاله كتير، وأخد فرصة زيادة والبلد مبتتقدمش"، وصحيح أنه لم ينزل أبدًا إلى المظاهرات، غير أنه كان مؤيدًا لإسقاط حسني مبارك كما هتف المتظاهرون في أرجاء الجمهورية طيلة الثمانية عشر يومًا.
لم يهتم عادل أو نسمة بالانتخابات الرئاسية التي تجري في البلاد، ففي نظر الزوج أن الأمر قدري، فأي رئيس قادم سيأتي لحكم مصر فذلك من نصيبه "في الآخر أي حد هييجي هيبقى بأمر ربنا، هو اللي ملّكه الرئاسة"، ولم يشارك الشاب في التصويت سوى مرة واحدة من المرات الثلاثة التي حدثت فيها انتخابات رئاسية خلال العشر سنوات "ومنزلتش أصوّت غير لما سمعت عن الغرامة اللي فرضتها الحكومة على اللي منزلوش"، فلم يكن يعرف أي من الوجوه المُرشّحة للانتخابات "وكنت قلقان أرشّح حد معرفوش".
أما نسمة فكانت حياتها تدور حول العائلة فقط "حياتنا هي أنا وماما وإخواتي"، لم يهمّها الانتخابات التي تُجرى، سواء في 2012 أو 2014 أو 2018، لكن هناك مرة واحدة اهتمت فيها، وهي ثاني انتخابات رئاسية بعد ثورة يناير، التي ترشح فيها عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي، وفي اليوم التي عزمت فيها النزول كانت أختها تضع مولودًا جديدًا "ومروحتش الانتخابات، جريت على المستشفى عشان أكون مع أختي".
قبل الثورة لم يطالب عادل بزيادة راتبه، لكنه تحمّس حين رأى فئات المجتمع المختلفة تُطالب بحقوقها، فيما سُميّ بــ"المظاهرات الفئوية"، ومع بداية العام الدراسي الجديد، في سبتمبر 2011، طالب برفقة زملائه زيادة الرواتب "بس معملناش زي الناس اللي بتقطع الطريق، احنا قعدنا مع صاحب المدرسة بهدوء"، حيث زاد راتبه وقتها من 400 جنيه إلى 600 جنيه "من 10 سنين ده كان مرتب كويس جدًا"، كانت فرحة عادل كبيرة وقتها، خاصة أنه كان في بداية حياة جديدة برفقة زوجته، ولديه أعباء ومسئوليات جديدة.
في العام التالي لزواج عادل ونسمة كانا على موعد مع فرحة كبيرة، حيث رُزق الشابان بمولودتهما الأولي، لارا، مسئولية جديدة تُضاف إلى الأسرة الصغيرة، فيما احتشد العام نفسه بأحداث مُتسارعة وأول رئيس مدني يحكم البلاد في يونيو 2012، لكن بالنسبة للشابين فقد لازمهما نفس الشعور الذي كان حاضرًا في العام الأول للثورة، لكن بشكل أكثر صعوبة "نفس موال وقت الثورة، خايفين والمصالح تتعطل ومفيش استقرار"، وفي ذاكرة عادل لم يبْق من عام 2013 الحافل بالأحداث سوى كونه "فيلم وملحقناش نفوق منه".
غير أن المسئوليات ظلت تتضاعف على كاهل الأسرة الصغيرة، فرغم أن المظاهرات قد قلّت وكانت على وشك الاختفاء، وهو الأثر الذي ظهر بعد إصدار قانون التظاهر في نوفمبر 2013، وبدأ الزوجان حينها يشعران باستقرار نسبي، لكنهما كان أمام معضلة جديدة، وهي الأسعار، ففي نوفمبر 2016 قامت الحكومة المصرية بتحرير سعر العملة مقابل الدولار الأمريكي، فيما يُعرف بـ"التعويم"، وحين تلقى عادل ونسمة تلك الأخبار لم يفهما ما الذي يعنيه ذلك في حياتهما اليومية "مكناش فاهمين الأبعاد الاقتصادية ولا يعني ايه تعويم".
ورغم مُحاولات نسمة وعادل في فهم تبعات ذلك على شئون حياتهما "كنت وقتها بسمع من خبراء الاقتصاد إن قرار التعويم صح"، لكنه لم يجد لذلك أثر حقيقي في حياته "بس أنا بقيت أشتري الحاجة بسعر أعلى"، يقول عادل.
وبمرور السنوات صارت تكلفة المعيشة بالنسبة لعادل ونسمة أكثر صعوبة، رغم أن الزوجين يعملان- نسمة تعمل أيضًا كمُدرسة- لكنّ الحياة صارت صعبة "حاولت أدور على شغلانة تانية جمب التدريس، بس ملقتش حاجة تناسبني"، ويتمنى عادل العثور على وظيفة ثانية حتى يستطيع تأمين حياة أسرته الصغيرة، فبعد ولادة لارا جاءت الأخت الثانية، وهي في عمر الخمس سنوات الآن.
والآن بعد مرور عشر سنوات على زواج عادل ونسمة، لا يتذكر الشابان -الذي كسرا حاجز الثلاثين سنة- من ثورة يناير سوى كونها أحداث عنيفة، فتقول أم الطفلتين "مكنتش شايفة غير إن اللي بيتظاهروا دول عايزين يدمروا أمن البلد، وأنا ضد العنف"، وتتشابه في ذلك وجهة نظر عادل "أنا مش مع الثورات، دي خراب بيوت، وناس بتموت وأنا كنت
حين تحول إمام مسجد لـ"مأذون الثورة".. 10 سنوات على عقد قران "عروسين الميدان"
25 يناير عيد ميلاد ابنتنا الأولى.. زواج "أشرف ورشا" موقع بـ"ختم الثورة"
"الفرح عزيز"... الدرس الأول لـ"إبراهيم" في الزواج وقت الثورة
أسسا وطنين في 2011.. أحمد وهند "اتجوزوا" في سنة الثورة
"مجابتش غير وجع القلب".. رحلة أمير مع "الثورة" و"لقمة العيش" و"الفوضى"
فيديو قد يعجبك: