أسسا وطنين في 2011.. أحمد وهند "اتجوزوا" في سنة الثورة
كتبت- شروق غنيم:
رسوم- سحر عيسى:
عامٌ استثنائي في علاقة أحمد وهند؛ حكايتهما بدأت عام 2008 حين ارتبطا في أخر سنة جامعية، ثم تمت خطبتهما في نوفمبر عام 2009. لمدة سنتين انهمك الثنائي في تجهيز بيتهما الجديد، وفي رزونامة علاقتهما صار سبتمبر من عام 2011 موعدًا للزواج، لكن العام لم يقتصر على ذلك وحسب، بل تكلل حين قامت ثورة 25 يناير، هلّت بشائر العام لتُضاعف من فرحة الثنائي، وتمنحهما أملًا جديدًا، حُفر التاريخ في ذاكرة هند واقترن بالحدث "لما حد بيسألني اتجوزتي إمتى؟ بقوله في سنة الثورة، أو بسأل اللي قدامي هي الثورة كانت إمتى؟ -2011. أيوا هي دي".
حين قامت الثورة وجد أحمد نفسه في الميدان، لم يكن وقتها للحُلم حدود ومعها تولّد في نفس الشاب ابن الـ26 عامًا وقتذاك مشاعر جديدة، طاقة أمل وتفتّحت بداخله "كان اختبار لمبادئنا ولحظة حقيقة واختيار مصيري بالنسبة لنا كشباب في الوقت ده".
ما صار في الميدان كان مِداد للشاب العشريني، سكن الزخم ذاته داخله حيث كان عليه تأسيس وطنين في الوقت ذاته، في التحرير يُطالب بدولة آمنة وعادلة بينما يُنهي يومه بالتواجد في المسكن الجديد المُعد لزواجه للاطمئنان على أحوال "التشطيبات والصنايعية" يحاول معرفة ما إذا كان مّس منزله سوء وهو الذي يرى يوميًا الانفلات الأمني وانطلاق العُنف في الشوارع "يوم السبت ٢٩ يناير مكنتش الموبايلات شغالة، خرجت من الميدان رُحت بصيت عالشقة واتطمنت عليها، رغم قناعتي إن صعب حد يسرق سيراميك لسة ما اتركبش بس كنت بحاول مسيبش فرصة لعقلي يوترني زيادة، كمان فكرة التعامل مع الصنايعية ومواد البناء بما لا يتعارض مع ساعات الحظر كانت صعبة شوية".
ما كان أصعب هو عدم مقابلة هند طوال الـ18 يومًا، وصعوبة التواصل بشكل مُستمر خاصة في الأيام الأولى "كنا بنتكلم في التليفون الأرضي بعد ما أرجع البيت عشان أطمنها عليّا"، يقول أحمد فيما كان عيون هند، مثل المراسلين الصحافيين ينقل لها ما يدور على الأرض "وقتها من غير ما أحس أحمد بقى من مصادر الثقة القوية بالنسبة لي، وبقى عيني اللي بشوف بيها أحداث أنا مش عارفة أتابعها بسبب قيود أهلي في البيت إني مينفعش أنزل خوفًا عليا أو عدم تقديم الحقيقة على شاشات التلفزيون.. كانت من الحاجات اللي قوّت علاقتنا واعتمادنا على بعض". تحكي صاحبة الـ34 عامًا حاليًا.
لكن ذلك لم يمسح حالة الرعب التي تلبّست هند طوال الفترة التي قضاها أحمد في الميدان خلال الثمانية عشر يوم "كان خوف في أكثر من اتجاهبسبب اللي بيحصل، ونزوله وأنا معرفش هو فين، ووإحنا بنجهز الشقة والخوف من إننا نشتري حاجة في الوقت ده". صنوف مختلفة من المشاعر تخللت نفس أحمد وهند خلال أيام الثورة، عايشا لحظات الحُلم والأمل.. الترقب والانتظار.. التوتر والقلق.. الإحباط والخوف.. الحُب والغضب.. الانتصار والفرح. لم يدرِ الثنائي الشاب أن ترمومتر 18 يومًا من العواطف ستكون أساسية في دفة حياتهما على مدار عشرة أعوام من الحدث. لكن ما لم يكن ثمة شعور أخر يخالجه يومها هو الحادي عشر من فبراير 2011. لا فسحة لأي شعور سوى الفرحة العارمة حين انتصر الشعب وخُلع الرئيس الراحل محمد حسني مُبارك، كان الاحتفال على أشدّه في الميادين فيما كان يرقص قلبي أحمد وهند أضعاف مضاعفة "رجعنا نشوف بعض تاني، وبعد الـ18 يوم كانت كل مرة بنتقابل بأحساسيس مختلفة بعد الثورة".
كانت الثورة مفصلية ليس في تاريخ البلد وحسب، لكن حتى في علاقة الثنائي "عاصرنا حدث مش هيتكرر للأجيال تاني، وغيّر جوانا وحوالينا حاجات كتير" كما يحكي أحمد فيما تُكمل له هند بأنها منحت علاقتها المزيد من الأمل "إن الدنيا هتبقى أفضل، ويمكن الثورة على المستوى الشخصي خليتنا في موقف عمرنا ما كنا هنتحط فيه من غيرها.. إن يبقى لينا قرار واحدة بالقوة دي على حاجة كبيرة ومصيرية".
تمر السنوات وتتكاثر أحداث تابعة للثورة، تتغير وتيرة المشاعر والأحلام والطموحات، لكن أحمد وهند ظل بداخلهم أثر لا يزول من "ريحة يناير" ومعها تولّد إدراكهما "إن رأينا له لازمة وبيغير حاجة حتى لو محصلتش في زمننا، وإن فكرة إنك تسمع رأيك لوحدك فكرة فاشلة وخلت حاجات كبيره تنهار" كما ترى هند.
بداخل منزهم ظلت يناير عايشة ليست فقط على روزنامة الحائط من كل عام، لكن الثنائي خاض كل التغييرات التي حدثت على حِس الثورة "جوانب فكرية وثقافية وسياسية.. أهمها علاقتنا بولادنا". كان يستحضر أحمد تفاصيل يناير وقيمها خلال علاقته بابنته الأولى "بدأنا نتعامل معاها بشكل مختلف عن اللي اتربينا عليه، وأولها إننا منسيئش أبدًا ليهم"، وكما فُتح العالم واكتشفه لأول مرة بمفهومه الواسع منذ الثورة يحاول الثنائي ذلك مع طفليهما.
لم يدرك أحمد تلك التفاصيل إلا حينما أنجب ابنتيه، يذكر كيف غيرت الثورة فيه أولًا كرجل "واعتقد إن ده اللي نجح علاقتي بهند.. إننا فهمنا إزاي إحنا طرفين متساويين وإني تخليت عن كل أفكار المجتمع تجاه الراجل وإن الستات الشخص الأضعف المُطيع"، حتى أنه صار يُشاهد برفقة ابنته الكبرى صاحبة الـ8 أعوام أفلامًا وثائقية عن حركات نسوية "عايزها تعرف إزاي الستات خدوا حقهم وإن العالم بقى بيتغير لمكان أفضل، وعشان ده يحصل في ناس ضحت في سبيل تاخد حقوقها"، يزرع بداخل صغاره تلك المعاني فيما يرى كيف أثر في مُحيطه العائلي وأن الثورة حيّة "قرايبنا اتأثروا بطريقتنا مع البنات وبقوا يتعاملوا بشكل مختلف مع عيالهم والأهم إنهم ميأذوش الطفل فعل وقول".
لم يحكِ الثنائي للبنتين حتى الآن عن الثورة لكنهما يعرفان عنها من طريقة الوالدين "بنربيهم على قبول الاختلاف مادام محدش اتعرض لكم بإساءة، غير الانفتاح على الثقافات المختلفة وإن الواحد ميبقاش أسير فقاعته.. والأهم رفض الظلم، ميخلوش حد يتنمر عليهم ولا هما يتنمروا على حد.. ولا يخافوا من إن يبقى لهم صوت قدام صاحب السلطة سواء كان بقى رئيس أو مدرس أو كابتن تمرين.. أو حتى إحنا أهلهم".
ما يدور في البلاد بشكل كبير كان له تأثير على الثنائي "عدينا على لحظات كبيرة من القلق، الترقب والإحباط بقدر اللحظات الحلوة وكل ده انعكس على علاقتنا.. بس الجميل إنه كان بشكل إيجابي"، أدرك أحمد كيف قربهم ذلك من بعضهما وأشّد من وتد العائلة حتى في اللحظات التي قرر فيها السفر بالخارج من أجل لقمة العيش "كان لأسباب اقتصادية في المقام الأول، وبعد كده لأسباب مجتمعية، وفيما تعود الفكرة مرة أخرى إلى رأس أحمد إلى أنه يُدرك بأن السفر في عُمر أكبر أصعب "لكن كل اللي بحلم بيه نحاول نوفر لنفسنا وبناتنا أفضل مكان يعيشوا فيه".
في كل مرة كان يُدرك الإحباط نفس أحمد وهند، يحاول الثنائي درءه، يتذكران فورة الأمل والأحلام التي عاشت بداخلهم عام زفافهما، يتذكر أحمد كيف تأثر أقاربه بطريقة تربيتهما لبناتهن "وبقوا بيطبقوا طُرق أكثر احترامًا للطفل مع عيالهم"، يأتي يناير وتهّل معه بشار العام، يُذكرهما بعشر سنوات من رِباط مٌقدس حتى ولو اختلفت نظرتهم للماضي عن اليوم "بنفتكر إن الدنيا دايمًا مركبة ومقعدة بس خليتنا نكون أقرب من بعض ونتقبل إن في ناس تانيين ليهم أفكار مختلفة، فنكون أقل حدة ونوصل ده لأطفالنا".
حين تحول إمام مسجد لـ"مأذون الثورة".. 10 سنوات على عقد قران "عروسين الميدان"
زواج خالي من "الثورة".. أسرة صغيرة لا تتمنى سوى الاستقرار و"الأسعار تقل"
25 يناير عيد ميلاد ابنتنا الأولى.. زواج "أشرف ورشا" موقع بـ"ختم الثورة"
"الفرح عزيز"... الدرس الأول لـ"إبراهيم" في الزواج وقت الثورة
"مجابتش غير وجع القلب".. رحلة أمير مع "الثورة" و"لقمة العيش" و"الفوضى"
فيديو قد يعجبك: