25 يناير عيد ميلاد ابنتنا الأولى.. زواج "أشرف ورشا" موقع بـ"ختم الثورة"
كتبت- إشراق أحمد:
تحتضن رشا صموئيل ابنتها جورجينا، تستقبل المهنئين بقدوم مولدتها بينما تتوافد الجموع على ميدان التحرير لإحياء الذكرى الأولى لثورة يناير. لا يترك أحدهم رشا إلا ويسألها عن شعورها لقدوم طفلتها البكر "يوم عيد الثورة"، يبتسم الأب أشرف ميلاد لاستمرار ارتباط مسيرة زواجه بتاريخ عايش تفاصيله في القلب من أحداثه، فيما تجيب الأم بسمتها الحذر "والله هنشوف إذا كان يوم هنحلف بحياته ولا هنزعل منه".
اكتمل العقد للثورة ولم يصبح 25 يناير يومًا يحمل لدى الزوجين تمجيد مبالغ ولا حزن عميق. فقط مشاعر امتنان تقترب للحياد ولا تخلو من "المناكفة"؛ كلما استشعرت رشا سوءًا في الأوضاع المحيطة، نظرت إلى أشرف وقالت مبتسمة "كان ماله مبارك". يبادلها الزوج بالمزاح، فيما يؤرقه التفكير أحيانًا "لما أبص للي حصل بقى يتبلور عندي اعتقاد أن أحنا ما قمناش بثورة أحنا اتعملت بينا ثورة. وأنه كان بيتم الضغط عشان الناس توصل للانفجار وأن في قوى فعلاً كان يهمها الملفات تتغير ودول يتشكل فيها خريطة حكم جديدة". لم تُغير الأعوام موقف أشرف واعتزازه بميدان التحرير، لكن نفسه لم تعد في سيرتها الأولى.
ارتبط أشرف ورشا قبل أشهر من يناير. في 26 سبتمبر 2010 كانت الخطبة، وبعام الثورة أقيم الزفاف. حينما خرج المصريون إلى الشوارع كانا أشرف ورشا كطرفي الشعب، أحدهما ندهته رياح التغيير، والآخر ظن أنها "هوجة" تحمل الفوضى. لا تهتم رشا بالشأن السياسي، "منعزلة" كما تصف، ينصب اهتمامها بأسرتها وعملها كطبيبة نساء وتوليد، بينما انتظر أشرف لسنوات -منذ التحاقه بالمحاماة في الثمانينيات- حدث ثوري يُبدل الأحوال ويوقف نزيف الفساد.
كانت تفاصيل 25 يناير ركيزة مفصلية في مشوار ارتباط أشرف ورشا، قبيل الثورة كان أشرف يعد منزل الزوجية "من ديسمبر 2010 قلت أوضب النقاشة وبعدين أشوف الموبيليا"، لكن مع زحف المصريين إلى الشوارع تبدل الحال؛ لبى أشرف النداء –بصفتيه- كمواطن ومحامي.
انجرف أشرف مثل الكثيرين، تناسى كل شيء شخصي حتى استقرت قدميه في ميدان التحرير وكانت المفاجأة "لقيت الأسطى علي النقاش اللي بيخلص لي الشقة". ابتسم المحامي لرؤية "الصنايعي"، سألة ساخرًا عن الميعاد المرتب بينهما لانهاء شقة الزوجية، أخبره الرجل أنه سينتظر يومين يرى ما يحدث ثم يأتي إليه، يضحك أشرف بينما يتذكر "طبعًا مجاش لغاية النهاردة. هرب الجبان بـالألف جنيه العربون". اطمأن المحامي لسلامة "الأسطى" واستعوض المال فداءًا ليناير.
ما كان أحد ليثني المحامي عن النزول إلى التحرير "الثورة مش بتحصل كل ويك إند (إجازة)"، لكن هناك فتاة تنتظر الوعد بأن يتم الزفاف منتصف عام 2011. راود أشرف التفكير بشأن تكوين أسرة في ظل هذه الظروف، إلا أنه في النهاية فصل بين ما ينازعه "أنا مش مراهق سياسي دي لحظات تاريخية بخطورتها وكل ما فيها زي اللي بيروح الحرب وخطوبتي دي حاجة ماشية زي ما هي". قرر الرجل الأربعيني أن يواصل التزامه تجاه رشا ويعمل في الميدانين؛ بالنهار يتواجد في التحرير وليلاً بأرض اللواء مكان سكنهما المنتظر.
لم تكن رشا تعرف عن طبيعة عمل شريكها سوى كونه "محامي حقوقي متخصص في شؤون اللاجئين"، لكن الثورة كشفت لها ملامح الحياة القادمة والتي لن تخلو من المخاطر؛ رغم انقطاع الاتصالات حرص أشرف على التواصل مع خطيبته وأسرتها، بين يوم وآخر يذهب لسكنهم في منطقة "الضاهر"، غير أن الزيارات لم تكن كلها عادية مثلما يفعل خطيب وعروسه "يوم 28 يناير جه وكان مضروب وفي حظر وبات وقتها عندنا".
طيلة أيام الثورة، يملأ القلق قلب رشا وأسرتها على أشرف، يخبرونه "الدنيا هتبوظ" فيرد "أبدًا كله هيبقى تمام"، كان المحامي "متاخد والسكينة سارقانا" كما يصف، بينما ظلت رشا غير مناصرة لما يحدث رغم تواجدها في قلب الأحداث "اللي كان بيحصل في التحرير بيصب عندنا ضحايا وإصابات اللي مضروب برصاصة في بطنه ولا راسه"، مع كل مصاب تخيلت رشا وجه خطيبها المتواجد في الميدان.
بدل أشرف خوف رشا أمنًا، ذات يوم بعدما استقرت الأحوال بالتحرير، في فبراير، اصطحب المحامي خطيبته إلى الميدان "لقيت ناس عادية مش مخربين ولا ناس شريرة". يومها زاد الوصال تجاه ما يحدث وشريكها المختار.
"من لا يرى مصر لا يرى الدنيا" عبارة سُطرت على حائط كوبري أكتوبر المطل عليه منزل أشرف ورشا الحالي، قبل نحو العام انتقلا إلى مسكنهما الجديد، على مسافة ليست بعيدة من التحرير وأحداثه الماضية، وكذلك سارت حياة أشرف ورشا على مسافة قريبة مما يدور في البلاد.
تضحك رشا بينما تصف فترة ارتباطها بأشرف"كانت مشتعلة وكلها لبش"، فيما يستعيد الزوج ملامح الغرفة التي كان يُنهي ترتيبها يوم تنحي محمد حسني مبارك، يشير إلى حجرة مكتبه الجالس فيها "كانت أوضة زي دي والراجل بيركب فيها الكرانيش". كان أشرف يدير التليفزيون وفجأة ظهر عمر سليمان ملقيًا خطاب التنحي، لم يفكر المحامي "سيبت المفتاح للأسطى وقلت له خلص وقفل وأنا نازل هو مبارك بيتنحى كل ويك إند" وذهب إلى مستقره في التحرير.
"عبقرية" مشهد احتفال المصريين بسقوط النظام كما يصف أشرف لم تمنع ما لحقها من تخبطات، لمس المحامي سريعًا تلك الحالة "اليوتوبية" للانتماء إلى الميدان "لما طالبوا عصام شرف يقسم في التحرير وبقى كل واحد يتسأل أنت نزلت الثورة ولا لا". ود المحامي الحقوقي لو انتخب عمرو موسى لحكم البلاد مدة عامين"لأنه فاهم سياسة" وغض الطرف عن كونه من "فلول النظام"، أحكم أشرف عقله أنذاك رغم ما شهده بين جموع الهاتفين على كوبرى قصر النيل في جمعة الغضب، ومن قبلها سنوات كان ضمن هيئات الدفاع عن "السجناء السياسيين" حينما يستدعي الأمر.
خلاف الكثيرين ما كان ببال أشرف أبدًا أن يحكم جماعة الإخوان المسلمين بعد يناير، تقاطعه رشا "بس باقي الشعب كان خايف أنهم يحكموا وأنا منهم". دومًا كانت رشا على الجانب الآخر من أشرف، يندفع هو تجاه قضايا الناس خاصة اللاجئين، يدفع ثمن استقلاليته في العمل بالمنع من السفر إلى 5 دول، ينخرط مع الأوضاع ويبذل الجهد في كتابة تقرير وفي قرارة نفسه أنه "يكتبه للتاريخ" كما يصف، فيما تنتظر هي أن ترى بعينيها ما تسفر عنه الأيام لتحكم على الأمور.
ظل الاشتباك مع الأحداث رفيق الزوجين، يأبى إلا أن يترك لهما ذكرى؛ في التاسع من مايو بينما يقيما طقسهما السنوي بالذهاب إلى الإسكندرية، يحضر ما حدث قبل الزفاف "فتنة عبير في إمبابة".
تحكي رشا عن القدر الذي منع عنهما التأجيل. حينها اشيع عن احتجاز سيدة مسيحية اشهرت إسلامها في إحدى الكنائس، تجمهر عدد من المتشددين واشعلوا النار في كنيسة وسقط ضحايا من المسيحيين والمسلمين. حجز أشرف ورشا مكان "الأكليل" في مطرانية الجيزة وهو ذاته الذي شُيع منه الضحايا وألغيت مواعيد الأفراح في هذا اليوم "والعجيب أن قبلها يوم الحد فضي فيه مكان ووالدي قالي نبدل الميعاد لكن قلت له لا خلاص خلينا يوم الاتنين زي ما أحنا".
اجتمع شمل أشرف ورشا، دارت الأيام بلا تخطيط دقيق، لم يحمل أشرف يومًا همًا للأعباء الاقتصادية، في حين تحلم رشا فقط أن تُربي أبنائها مثلما فعل معها والديها. بعد ثلاثة أعوام من الزواج وُلد "جوزيف" الابن الثاني للمحامي والطبيبة، زادت المسؤولية الأسرية، استحوذ الصغيران على وقت الأم وعناية الأب، التفكير في اهتمامتهما وما يحمله المستقبل.
تغيرت الظروف، يذهب أشرف للعمل بمكتبه، فيما تلزم رشا المنزل حاليًا لتفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد19)، تعمل الطبيبة الأربعينية في مشفى خاص فكانت ممن يستحقون الإجازة نظرًا لكونها أم حاضن لطفلين أقل من 10 أعوام.
يستقبل أشرف يوميًا العديد من اللاجئين يودون السفر لأجل حياة أفضل لأبنائهم، في المقابل يتلقى فرص للعمل بالخارج، لكنه أبدًا ما فكر في الغربة "أنا لما بسافر برجع من المطار على القهوة"، ولعل هذا أحد أعمدة محبة رشا لزوجها.
تصف رشا نفسها بأنها صاحبة "ذاكرة سمكة"، فيما يتمم أشرف على المعنى بأنه "السمكة ذاتها" فهو لا يستطيع الحياة خارج ماء الوطن، وكذلك زوجته التي سبق أن رفضت متقدمين لخطبتها لأنهم راغبين في الهجرة، ومن قبل تحملت مشقة السفر يوميًا من القاهرة إلى الإسماعيلة طيلة 6 أعوام دراسة في جامعة السويس فقط للبقاء جوار أسرتها، وبعد الزواج تعزز البقاء فيها "أشرف بيديني الأمان أننا مش هنطفش ونسافر وإن كان لابد من الغربة تبقى غصب".
لا تنسى رشا كيف أن القدر شاء أن تظل مسيرتها مع أشرف مرتبطة بتلك الذكرى الفارقة، كأنهما عقدا مع يناير ميثاق لا فكاك منه "جورجينا كان ميعاد ولادتها المخطط له 26 يناير"، اتفقت الأم قبلها مع فريق أطباء من زملائها، لكن فجأة تغيرت الخطط، جاء المخاض لرشا في الخامس والعشرين من يناير.
داخل منزلهما الحامل لألوان طلاء بيت الزوجية الأول؛ أصفر، أخضر وأزرق. يجتمع أشرف ورشا لإطفاء الشمعة التاسعة من عمر "جورجينا"، بات الزوجان متفقين عما يثيره اليوم من شجن "زي ما يكون فيلم كان حلو وجه المخرج غير النهاية". يتحفظ أشرف في الحديث عن الثورة لصغيرته، يقول إنها "لسه مش هتستوعب"، يفضل أن تسعى وحدها لتعرف، بينما تتوقع رشا سؤال طفلتها يومًا عما وقع في تاريخ ميلادها، تتمنى معرفة "أن الثورة كانت فكرة جميلة ومحاولة مخلصة"، إن لم يكن بشكل عام، فليكن بشكل خاص لوالدها "اللي مافيش حد في ميدان التحرير تقريبًا إلا وخد مني ساندوتش طعمية" يحكي أشرف مبتسمًا.
حين تحول إمام مسجد لـ"مأذون الثورة".. 10 سنوات على عقد قران "عروسين الميدان"
زواج خالي من "الثورة".. أسرة صغيرة لا تتمنى سوى الاستقرار و"الأسعار تقل"
"الفرح عزيز"... الدرس الأول لـ"إبراهيم" في الزواج وقت الثورة
أسسا وطنين في 2011.. أحمد وهند "اتجوزوا" في سنة الثورة
"مجابتش غير وجع القلب".. رحلة أمير مع "الثورة" و"لقمة العيش" و"الفوضى"
فيديو قد يعجبك: