"راسيات" تفوز بجائزة ريادة الأعمال.. مشروع "أماني" لعمل"ماركة" لحرف الصعيد اليدوية
كتبت-إشراق أحمد:
في هذه اللحظة تدرك أماني عبد الناصر أن الخطى ساقتها لمشروعها الحالي؛ غادرت الشابة الثلاثينية مجال الإعلام، توجهت للعمل في جمعية للتنمية المجتمعية، هناك تعرفت على عالم جديد في سوهاج رغم أنها ابنة إحدى مراكزها، علمت أماني أن سيدات الصعيد يملكن حرف متوارثة ولا مكان آخر لها سوى في جنوب مصر، ومع هذا لا تحظى صانعات المنتجات بعائد يليق بتعبهن، لذا قررت أماني ألا يهدأ لها بال قبل أن يكون هناك ماركة –براند- للحرف اليدوية في الصعيد وتعمل على تسويقها عبر مشروع تؤسسه بنفسها.
"راسيات" الاسم الذي اختارته أماني ليعبر عن منتجات سيدات الصعيد، على مدار عامين تسعى الشابة الثلاثينية خطوة تلو الأخرة لتحقيق حلمها "يبقى في كيان يجمع الحرفيات الموجودة في الصعيد بدايته من سوهاج.. نعمل منتج اللي يمسكه يعرف أنه معمول في صعيد مصر"، وبينما هي على أعتاب الطريق، حصدت المركز الثاني في مسابقة "نوال مصطفى" لريادة الأعمال في دورتها الثانية التي أُعلن عن الفائزين فيها بالأمس.
كان ذلك عام 2018 حين سمعت أماني للمرة الأولى عن "التَلي"، التطريز الذي تعرفه نساء سوهاج وأسيوط "ده تطريز بخيوط معدن مطلية بالفضة على تُل قطن"، وخارج مصر فهو معروف فقط في الهند. انجذبت ابنة طهطا لهذه المشغولات التي لم ترها إلا في جزيرة شندويل "قالوا لي السياح بيدوروا على التطريز ده تحديدًا"، شغلها السؤال عما إذا كان هناك المزيد من تلك المنتجات الفريدة.
جمعت أماني المعرفة حول الحرف المميزة في سوهاج، ولمست الصعوبات "لقيت ستات وبنات كتير بتشتغل لكن مش عارفة تبيع فين. بيشتغلوا بس لما حد يطلب"، واكتشفت أن حق الحرفيات مهدر "في حاجات ممكن تتباع بألف جنيه واللي اشتغلتها تاخد 100 جنيه"، استاءت خريجة إعلام سوهاج للتعامل مع صانعات المنتجات من منطلق المساعدة، أرادت أن يعلمن قيمة موهبتهن، ووضعت يدها على المشكلة "معظمنا كستات في الصعيد مش بنخرج كتير"، قررت الشابة الثلاثينية أن تأخذ زمام المبادرة وتخرج بنساء محافظتها إلى نطاق أوسع من أبواب ديارهن.
اشترت أماني مقرًا ليكون نواة لحلمها، بحثت عن اسم يليق بما تتمنى، استلهمت الاسم "راسيات"، وجدت فيه تعبيرًا عن السيدات التي تجاوزن الستين ومازلن تتمسكن بما تجيده أيديهن "الناس اللي ثابتة في الأرض محدش يعرف يحركها". نقلت للعاملات معها أن المكان شركتهن ولهن فيه مثلها، فنبت بينهن ثقة كما تقول ابنة مركز طهطا.
يومًا بعد الآخر ينضم إلى مشروع أماني سيدة تجيد تطريز التُلي والمنسج "ده تطريز في قماش بإبرة كوروشيه بيتشد على خشب"، وغيرها من المنتجات اليدوية، تمكنت من التعامل مع 25 سيدة حتى الآن وأقامت معرضين. كانت الأمور يسيرة "الستات بتعرف فتيجي لي عايزة تشتغل وتعمل منتجات عشان نسوقها"، حتى أنها توسعت للتدريب مقابل إخراج منتج "واللي بتيجي وعايزة تتدرب بفلوس عشان تعمل شغل خاص بيها بنتعاون معاها". لم ترغب ابنة سوهاج غير أن تكبر دائرة المنتجات الصعيدية بدون وسيط يستغل مهارة الحرفيات.
تغلبت أماني على ما واجهها من صعوبات البداية "مواد التلي مثلاً بتيجي من بره مصر وفي ناس بتبقى محتكرة"، لم تكن المهمة سهلة إلى أن التقت بمن يؤمن بمشروعها ويساعدها، ثبتت الشابة أقدامها طيلة عام 2019 داخل سوهاج، وما إن استقرت على الطريق لتنظر إلى الخطوة التالية حتى جاء تفشي فيروس كورونا ليربك كل الحسابات "مكنش في مبيعات خالص فترة القفل حسيت خلاص مش هكمل". تخبطت صاحبة "راسيات" لكن صورة العاملات انتشلتها من الإحباط "في ناس ده الدخل الوحيد لها. الناس دي متعلقة في رقبتي بعد اللي عملته معقول هوقف؟".
جاءت إجابة أماني بتغيير خطتها، قررت عمل موقع إلكتروني تعرض فيه المنتجات، وجدت الخير في هذا "لقيت الأفضل أكون في مكاني والناس تيجي لنا"، علمت أن الجهد في التسويق والتغليف والشحن مهما كانت مشقته لن يبلغ ما يحدث في المعارض "بنحجز أرضية وندفع شج ونشيل ونحط ونسافر". بين ليلة وضحاها زال الهم عن صاحبة "راسيات" لتواصل العمل.
قبل نحو شهر وضعت أماني قدميها على الخطوة الرسمية لتأسيس شركتها بالتوازي مع إتمام التراخيص، اجتمعت مع 10 حرفيات واتفقن على أن يكون العمل بمرتب شهري وليس بالقطعة كما كان، في تلك الأثناء أخبرتها عاملة معها عن مسابقة الكاتبة "نوال مصطفى" لدعم صاحبات المشاريع الموجهة هذا العام للحرف والتراث اليدوي، ترددت ابنة سوهاج لكنها عزمت على التقدم في اليوم الأخير لغلق باب المشاركة، لتتفاجأ بكونها ضمن القائمة القصيرة للفائزات.
بصعوبة وصلت أماني أمس إلى القاهرة "بسبب حادثة القطر في سوهاج اتأجل السفر يوم"، استقلت الشابة الحافلة بينما ينتابها الحزن، فيما تتمنى أن تكون بين الفائزات الثلاثة لعلها تلفت الأنظار لسكان صعيد مصر. في المساء تحقق مراد أماني، اصطفت بين المكرمين في المراكز الأولى.
لم تأس أماني يومًا على اضطراها لترك العمل الصحفي في سوهاج، تنظر لموقع راسيات الإلكتروني وعملها على تسويق منتجات نساء محافظتها فتبتسم "ده مرتبط بالإعلام برضه. حاسة ان كل خطوة مشيت فيها عشان المشروع ده". حتى الآن تعمل أماني في سوهاج لكنها تخطط مع 2021 للتوسع إلى قنا وأسيوط، فيما لا يبرحها عزم شديد "عايزة أخلى للمنتج قيمة عالية. الناس مشتريش عشان تساعد الأسر في الصعيد لكن عشان حاجة حلوة تستاهل كل قرش ادفع فيها. أنا بسوق لكن مش عايزة أكون سمسار".
فيديو قد يعجبك: