في تصفيات المشروع الوطني للقراءة.. الكتاب يقود طلاب ومُعلمي مصر لجوائز مليونية (معايشة)
معايشة- إشراق أحمد:
بخطى صغيرة كعمرها، تتقدم حنين إبراهيم نحو لجنة التحكيم، تحمل يدها مدونة لتلخيص ٣٠ كتابًا قرأتها، ما إن تستقر على المقعد وتنظر للمعلمين الجالسين أمامها حتى يحمر وجهها؛ تهاب الصغيرة لحظة الاختبار، تكتم الدموع، ويلاحظ المحكمون توترها، وما هي إلا دقائق وينكسر الجليد، "كيفك يا أميرتنا.. أخبرينا ما اسمك؟". تبتسم حنين مع توالي إجابتها عن استفسارات المختبرين عن أسماء مؤلفي الكتب ودور النشر وحديثها عما استفادت من قراءاتها. تنتهي ذات السبعة أعوام وقد تبدلت حالها؛ تخرج مسرعة تسبقها سعادتها بينما تقول "جاوبت كل الأسئلة وقالوا لي أحسنتِ".
حنين واحدة من بين نحو 850 طالبا وطالبة في مراحل عمرية مختلفة وصلوا للتصفيات النهائية بمسابقة المشروع الوطني للقراءة في نسختها الأولى المنطلقة من مصر، والتي تشرف عليها مؤسسة البحث العلمي في دبي بالشراكة مع وزارات التربية والتعليم والتعليم الفني، والتعليم العالي المصرية، والثقافة، والشباب والرياضة، والتضامن ومؤسسة الأزهر الشريف.
على مدار أربعة أيام، اجتمع المشاركون من 27 محافظة داخل العاصمة الإدارية الجديدة للتنافس على لقب أفضل قارئ للتأهل للمرحلة الأخيرة من المسابقة في فئة "التنافس المعرفي" الخاصة بطلاب المدارس والمعاهد الأزهرية، و"المدونة الماسية" المخصصة لطلاب الجامعات، يجاورهم معلمون يسعون لنيل وصف "المعلم المثقف"، و14 مؤسسة تتنافس بأفكار ومشاريع في فئة "المؤسسات التنويرية".
في الخامس من إبريل الجاري، بدأت تصفيات المشروع الوطني تحت شعار "مصر بألوان المعرفة". عشرات الآلاف من الطلاب والمعلمين منذ فبراير 2020 تجاوزوا اختبارات القراءة على ثلاثة مستويات-المدرسة، الإدارة التعليمية، المديرية/ المحافظة- وكذلك بالكليات والجامعات للوصول إلى هذه المحطة قبل الأخيرة، أو كما تكرر وصف المشاركين على مدار الأيام الأربعة من قبل لجنة التنظيم "من وصل هنا هم صفوة الصفوة من القراء".
قاعتان كبيرتان ضمتا الفعاليات، الأولى تخص مرحلة التحكيم والأخرى للتكريم. داخل 5 نماذج مصممة على شكل منزل صغير أشبه بـ"كشك" جميل، يحمل اللونين البرتقالي والأزرق، بها نافذتان جانبيتان ويحيط بها اللون الأخضر والزرع فيما تحتل الخلفية كتب متراصة في منظر تبتهج له الأنفس، يجلس الطلاب من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية على مائدة التحكيم.. طالب تلو الآخر يدخل إلى القاعة الكبيرة بعدد "الأكشاك" المخصصة، فيما ينتظر بقية طلاب المحافظة في قاعة الانتظار والتكريم بعد ذلك.
في مقابل الأكشاك الخمسة ثلاثة مكاتب فخمة بمقاعد وثيرة، وتحتل الكتب جانبي كل مكتب تستقبل أصحاب الأعمار الأكبر من طلاب الجامعات والمعلمين وممثلي المؤسسات التنويرية، وكأن القاعة تدور في فلك المعرفة، ويتوالى عليها رواد القراءة لينهلوا من معين العلم، الجميع يسعى لتحقيق حلمه، كلٌ حسب سنه طفلًا كان أو مراهقًا، شابًا أو يكاد يقترب من مرحلة الكهولة.
بابتسامة فياضة ترقب ليلى الزبدة، رئيس قسم اللغة العربية بمؤسسة البحث العلمي، الحضور، تتابع عملية التحكيم عن بعد، تتجول بفخر بين الأركان، تلتقي بالمشاركين وترحب بهم، تشجعهم، تجيب عن تساؤلاتهم، يعلو محياها ضحكة لطلاقة صغير وتتفاعل مع طالب يناقش لجان التحكيم بثقة وثبات، تقول إن كل من جاء إلى هنا ينتصر للمعرفة، وإن دورنا الاحتفاء بهم وتقديرهم، تذليل كل عقبة في طريقهم وتهيئة الأجواء، ببساطة تشرح "الزبدة" لطالبة آليات التحكيم وحق الجميع في الحصول على فرصة متكافئة وكيف تسير الأمور بشفافية تامة "اليوم عيد لهم وليس امتحانا.. هم قدموا القدوة بالدأب والجهد وعلينا أن نكافئهم".
داخل قاعة الانتظار، تتجلى مشاعر المشاركين قبل وبعد الدخول للاختبار؛ مراجعة المدونات المُلخص بها الكتب، التعارف بين الأعمار الأكبر والأصغر من محافظات شتى، هذا يهندم لزميله رابطة العنق، طالبة جامعية تعيد تسريح شعر رفيقتها بالمرحلة الابتدائية، دعوات بعض الآباء ممن حضروا لمشاركة أبنائهم اللحظة، وترقب مشرفي كل محافظة لعودة طلابهم بعد التحكيم.
لم تكتفِ آلاء عادل بقراءة 60 كتابًا وتلخيص نصفها خلال العام الماضي للمشاركة في المسابقة، بل قررت العمل على تحبيب الصغار في القراءة "استلهمت من المسابقة فكرة مسلسل للأطفال عن القراءة". استغلت طالبة الصف الثاني الثانوي فترة الحظر خلال تفشي فيروس كورونا، وألفت سيناريو بعنوان: "عائلة ويزلي" وسجلت بصوتها 15 حلقة عن حوار بين جدة وحفيديها تحكي لهم "حدوتة" في كل مرة.
تقدمت آلاء إلى لجنة التحكيم بينما تضع مسلسلها على هاتفها المحمول، اصطحبت معها موهبتها مثلما فعل العديد من المشاركين، وبعد مدة الاختبار عرضت على اللجنة تجربتها الأولى في الكتابة. تركت الكتب أثرًا في نفس ابنة الوادي الجديد منذ عرفت طريقها إليها عام 2018، لذا رغبت أن تنقل ما لمسته للأصغر عمرًا "لميت قرايبي وولاد من المنطقة وسمعتهم المسلسل الصوتي ولقيتهم بيقولوا الدروس المستفادة من الحواديت زي ما اللجنة بتعمل معانا"، كان ذلك بمثابة تدريب مسبق للطالبة قبل اختبارها المباشر الذي وصلت إليه بعد بلوغها المركز الأول على مستوى محافظتها.
على مدار الأيام الأربعة، تبدأ التصفيات بطلاب المحافظات الأبعد مسافة، يبيت المشاركون في العاصمة الإدارية ليلة الاختبار ثم يستيقظون للتحكيم ومن بعدها رحلة العودة إلى منازلهم. تلك الساعات عند إبراهيم عبد الفتاح إحدى جوائز المسابقة كما يصف. يعيش طالب المرحلة الإعدادية تجربة مختلفة بعيدًا عن أسرته، يتحمل مسؤولية السفر رفقة زملائه، يحظى بفرصة معرفتهم ويكون صداقات عمادها الكتب، مثلما فعل مع أحمد عطا الله رغم أنه يكبره في العمر "هو في ثانوي، لكن أقرب حد ليا في المسابقة بخلاف إننا بنتنافس لأن الفرق بين ترتيبي وترتيبه 3 درجات" يقولها ابن مطروح بينما ينتظر التكريم الذي يتبع انتهاء اختبار طلاب كل محافظة.
16محكمًا يتولون اختبار الطلاب في كل المراحل من الابتدائية حتى الجامعة، وكذلك المعلمون المشاركون في فئة "المعلم المثقف" إلى جانب أصحاب المشاريع والأفكار المعبرة عن المؤسسة التنويرية الداعمة للقراءة. معايير عدة يعرفها المحكمون تنصب جميعها حول هدف واحد "اختيار طالب واعٍ وجعل القراءة عند الطالب ثقافة" كما يقول أشرف صالح، محكم وعضو في مؤسسة البحث العلمي القائمة على المسابقة.
نحو 4 دورات تدريبية تلقاها المحكمون القادمون من دبي قبل الوصول إلى مصر، جميعها حول استراتيجية التعامل مع الطلاب، خاصة أن المحكم قد يختبر طالبًا في الابتدائية مرة وطالبًا في الجامعة مرة أخرى. يعتبر صالح- محكم مصري ضمن اثنين آخرين- أن جميع الجالسين على مقاعد التحكيم لديهم الخبرة لمشاركتهم لسنوات في مثل هذه المسابقات الخاصة بالقراءة على مستوى العالم العربي.
يحضر بذهن صالح أسماء طلاب بأعينهم أثروا فيه، مثل طالب المرحلة الإعدادية الذي جذبته فصاحته وسرعة بديهته رغم محاولة المحكم التضييق عليه لاختبار مدى معرفته بما قرأ، يتذكر وصفه لبطل قصة قرأها "سقط الطفل من القارب ثم وجد الأب والأم طفلهم المخطوف"، حينما سأله صالح إن كان تائها أم مخطوفا، سارعه الطالب بقوله "مخطوف.. لقد خطفته الأمواج".
لم يكن الأمر يسيرًا على المحكمين كما يقول صالح. وضوح شروط المسابقة وانضباطها حد تضمين نماذج للأسئلة المطروحة جعل العديد على درجة كبيرة من الاستعداد، لذا وجب أن يظهر دور المحكم في الاكتشاف بحسب صالح "نحن لا نريد قوالب. نريد أن نبني شخصيات فاهمة وناقدة تستطيع تحليل ما تقرأ.. علشان ما يأخذ طالب مجتهد في الحفظ دور طالب يستحق أن يكون رائدا في المعرفة"، وهو ما جعل البعض يستغرق وقتًا طويلاً بين يدي المحكمين- أكثر من 10 دقائق- المدة المحددة.
في طريقه من الفيوم متوجها صوب العاصمة الإدارية كان أحمد الحسيني يحمل لواء الأزهر الشريف ممثلا لمعهد "قلمشاة" الإعدادي والثانوي ليشارك في فئة "المعلم المثقف"، ظل طول الطريق يراجع بدأب ما قام بتلخيصه، يستعيد تلك المتعة الخالصة التي غاص فيها مع الكتب "كل ما حد يقولي بإذن الله هتكسب.. أقوله أنا كسبت خلاص؛ لو طلعت من كل كتاب قريته عشان المسابقة بمعلومة جديدة فهو ده الإنجاز".
ورغم أن للحسيني رحلة طويلة مع حب العلم والمعرفة وتنمية مهاراته كمختص اجتماعي؛ فقد حصل على تمهيدي الماجيستير في الخدمة الاجتماعية ودبلوم الاختصاص النفسي المدرسي ودبلوم التخاطب، وكذا يدرس حاليا لدبلوم في علم النفس التربوي، غير أنه يمتن للمشروع الوطني للقراءة بشكل خاص "أغلبية قراءاتي كانت في تخصصي وشغلي.. لكن شرط القراءة في 5 مجالات مختلفة اللي بتنص عليه شروط المسابقة أضاف ليا كتير جدا وأطلعني على مساحات من المعرفة أدين لها بالكثير".
ينتظر كل مشرف خروج جميع طلابه من قاعة التحكيم، يستقبلهم البعض بالابتسامة والأحضان مثلما فعل السيد شاهين، مشرف محافظة البحيرة، كل طالب ينتهي من الاختبار يشد من أزره قبل أن يسأل عما حدث، فيما وقفت المعلمة سهام زكريا فخورة بصغيرين في المرحلة الابتدائية من مدرستها رغم "شقاوتهما"، فهما الوحيدان اللذان وصلا للتصفيات في مدرستها "أحمد حسن علام" الكائنة بإيتاي البارود- البحيرة.
لا تملك المدرسة التي تعمل بها سهام مكتبة خاصة لصغر مساحتها وإمكانياتها الضعيفة، ومع هذا لم تستسلم مختصة المكتبة "أحتفظ بالكتب في أوضة المدرسين ووقت الحصة أخرجها للأولاد في الفصول يقرأون ويستعيرونها ويلخصون ويرجعونها مرة أخرى".
تتمنى سهام لو أصبح بمدرستها الصغيرة مكتبة بسيطة، فهي تلمس ما يحدثه الكتاب في الصغار "بيخلي عندهم ثقة ولغتهم وطريقتهم بتبقى أفضل"، تود المعلمة لو استطاع جميع طلابها أن يحظوا بفرصة أكبر للحصول على الكتب عبر المدرسة.
داخل قاعة الاختبار تختلط المشاعر، هذا ركن تطل منه ضحكات متبادلة بين الطالب والمحكمين، وفي ذاك مناقشة جدية، وهناك صغيرة في جانب ثالث تلقي قصيدة أو كلمة تدربت طويلاً لإتقانها، فيما تأتي لحظة فريدة تتجلى بين الحين والآخر حين يخرج أحدهم من "منزل" التحكيم، البعض يقفز فرحًا حتى الوصول لزملائه، وهذه طفلة تفرد يديها كأنما تطير وتواصل الركض في حلقة صائحة "هتكرم.. هتكرم".
بين تلك المشاعر واللحظات يقف فريق التنظيم للمشروع الوطني للقراءة يحتضن ما يفعله الصغار والكبار، يلمسون شغف وبراعة المتنافسين، ينبهرون لها في أوقات كثيرة كما تقول رغد عبد الله التي جاءت من دبي مع زملائها العاملين في مؤسسة البحث العلمي.
على مدار أيام التصفيات كانت أسعد المشاهد عند رغد "لما أشوف الأطفال كيف واثقين بحالهم ولا كأنهم صغار وكيف بيحبوا الكتب والقراءة أثرت فيهم"، فيما لن تنسى زميلتها نيفين إبراهيم ذلك الطالب الذي يدرس الهندسة والقادم من أسيوط "شخصية لبقة. طموح. عنيه مليانة حماس"، تأثرت الشابة المصرية المشاركة ضمن المنظمين بالطالب حتى إنها حرصت على توديعه "يا باشمهندس أحمد أشوفك على خير.. يا رب أشوف ولادي زيك".
ينتهي طلاب كل محافظة والمعلمون المشاركون من الاختبار، ثم يجتمعون على منصة التكريم للحصول على شهادة وميدالية تحمل اسم "المشروع الوطني للقراءة" لبلوغهم مرحلة التصفيات النهائية.
يسعد المشاركون بالتكريم فيما يحلمون بالوصول لمنصة الحفل الختامي باختيار الفائزين في شهر مايو لنيل الجوائز الأولى، فقد تم رصد مبلغ خمسين مليون جنيه مصري سنويًّا للمشروع، منها 20 مليون جنيه للجوائز والمكافآت المالية لمجموع الفائزين، و5 ملايين جنيه لكل منافسة "التنافس المعرفي- المدونة الماسية- المعلم المثقف- المؤسسة التنوية" والفائز الأول في كل فئة يحصد مليون جنيه مصري؛ بالإضافة إلى رحلات للأوائل إلى أكثر مكتبات العالم تميزًا، و30 مليون جنيه للخدمات اللوجيســـتية، وفق خطة لعشر سنوات-يستمر خلالها المشروع- تبلغ قيمة دعمها نصف مليار جنيه.
ينضم ياسين محمود عبد العزيز لزملائه من محافظة الشرقية، بينما تجلس والدته دعاء نبيل متأثرة باللحظة غير المسبوقة لصغيرها "فرحته باليوم ده أكبر مكسب حصل من المسابقة".
حرص والدا ياسين على القدوم معه إلى المسابقة. يتشارك الثلاثة كل شيء دائمًا، فالأب من شجع الابن على الالتحاق رغم صغر عمره البالغ سبعة أعوام، فيما عايشت دعاء صغيرها الاستعداد "كنا بننزل نشتري الكتب مع بعض هو يختار ونقرأ سوا". تحفظ الأم عناوين ما قرأه صغيرها وكثيرًا ما داعبها زوجها قائلاً "إنت تمتحني بقى مع ياسين". بات الكتاب رفيق الابن ووالديه.
في الخامسة عرف ياسين طريق الكتب "يوميًا قبل النوم أجيب له قصص من كتاب واقرأها له"، شيئًا فشيئًا أصبح الصغير يختار ما يقرأ بنفسه، أدرك محبته للقراءة عن الفضاء، بل أصبحت الكتب هديته للمقربين "بقى اللي مش ناوي يقراه تاني يهادي بيه ولاد خالته وأصحابه".
مع المسابقة تغيرت طقوس ياسين ووالدته مع القراءة، في البداية رأت دعاء أنها مجرد تنافس، لكن مع الوقت علمت أن الكتاب هدف في حد ذاته، ولم يعد الأمر بالنسبة للصغير "مجرد قراءة وخلاص"، أصبح ياسين يسأل عن التفاصيل "المؤلف يقصد إيه من الكتاب؟"، وتعتز الأم بفرصة دعم اللغة العربية ليتحدث بها طفلها طوال مراحل التسابق رغم أنه من الملتحقين بإحدى مدارس اللغات.
كان منزل ياسين في الشرقية مجتمعًا حول الكتاب، وكذلك منازل طلاب مدرسة عز زيدان الرسمية لغات في الفيوم؛ إذ شارك في المسابقة مع انطلاقها 1750 طالبًا في جميع المراحل التعليمية هم عدد تلاميذ المدرسة كما تقول علا بسيوني، منسقة المحافظة، التي وصلت ضمن 14 مشاركًا في فئة المؤسسة التنويرية.
نجح طالب من كل مرحلة تعليمية في المدرسة في بلوغ التصفيات النهائية- وهو شرط المسابقة- لكن علا تفخر بـ"الملحمة" التي حدثت على مدار عام كما تصف. مع انطلاق المشروع الوطني للقراء في فبراير 2020، وجدت مختصة المكتبة فرصتها لتحقيق حلمها بزيادة معدل حب الطلاب للقراءة "كنت بحزن لما آلاقي عدد فريق كرة القدم أكتر من اللي بيدخلوا المكتبة"، كانت مبادرتها على استحياء طيلة هذه الأعوام، لا يستجيب لها غير المحبين بطبيعتهم للكتاب.
"دوري الكتاب" طرحت علا الفكرة على المعلمين في المدرسة، اشترطت معلمة المكتبة على الراغب في الالتحاق بفريق كرة القدم بالمدرسة أن يقرأ كتابا ويُلخصه "بدأ اللي عايز يلعب كورة يقرأ عشان يشارك"، على مدار ثلاثة أشهر قرأ نحو ربع طلاب المدرسة كتبًا ولخصوها، ثم جاء تفشي فيروس كورونا المستجد لتجد علا المنحة القدرية لإتمام مشروعها.
كانت فترة الحظر والبقاء في المنازل لتفشي "كورونا" عصا "ميس عُلا" السحرية لاستقطاب الطلاب وتحفيزهم على القراءة "الأيام العادية كنا بنتسول الوقت لكن لما جه كورونا الولاد بقى عندهم وقت فراغ". شكلت عُلا بمعاونة زملائها من المعلمين 11 فريقًا، يتابعون الطلاب في المراحل التعليمية المختلفة عبر تطبيق واتس آب، يرسلون لهم الكتب المصورة وعناوين مختلفة، يطرحون ما يشبه الاستبيان حول ما يرغبون في قراءته، ثم يمدونهم به، إلى أن أنشأت عُلا ورفاقها مكتبة إلكترونية خاصة بالمدرسة.
كلما تقدمت علا خطوة، وضعت درجة أخرى في سلم حلمها بأن تجعل جميع طلاب المدرسة يقرأون "عملنا فريق اسمه أشبال المشروع الوطني"، أصبح تلاميذ رياض الأطفال يقرأون لزملائهم، بل يستخدمون مسرح العرائس ليعرضوه "في شكل حدوتة".
لم تكتفِ علا بطلاب المدرسة، أقامت مسابقة لأفضل قارئ كتاب من أولياء الأمور، وأطلقت فكرة اسمها "بيت الجدة" لتشجيع الطلاب على استعارة كتاب يقرأونه مع أسرتهم في العطلة الأسبوعية، حتى العاملون شاركوا عبر مبادرة لمحو الأمية ودعم صعوبات التعلم.
أصبح الكيان المعروف عنه الاهتمام باللغة الأجنبية يحمل جميع أفراده كتبًا باللغة العربية. تتذكر مختصة المكتبة اتصال ولي أمر بها مخبرًا إياها "أنا رجعت اقرأ تاني مع ابني بعد ما انقطعت". ترى علا في هذا فوزا كبيرا بالنسبة لها.
حينما جلست منسقة محافظة الفيوم أمام لجنة المحكمين ضمن آخر المشاركين في اليوم الرابع للتصفيات، أخبرتهم أنها لم تأتِ لتتنافس وتفوز "إنما جيت ممثلة عن فريق كبير في المدرسة عشان ننشر فكرتنا وتجربتنا.. يمكن في يوم من الأيام تكون كل مدارس مصر محبة للقراءة".
فيديو قد يعجبك: