من بينها حارة السقايين.. حلقات مُصورة تتجوّل في شوارع القاهرة القديمة
كتبت-رنا الجميعي:
هناك سحر ما في القاهرة، لا يكتشفه سوى المُحبّ، من يدور ويتجوّل في الحواري القديمة، يتأمل الزوايا والعطفات والأسبلة والمساجد والبيوت القديمة حتى تتكشف له مرة بعد أخرى، هكذا يؤمن زيزو عبده، صاحب مبادرة سيرة القاهرة، الذي يقوم حاليًا خلال شهر رمضان بنشر فيديوهات عن حواري مصر القديمة تحت عنوان "من دروبها العامرة".
منذ عدّة أشهر فكّر عبده في تقديم سلسلة حلقات مصورة تكشف الوجه الحقيقي للقاهرة، سيرة تاريخ الدروب والحواري والأشخاص الذين سكنوا قديمًا، حاول عبده عمل مُحتوى بصري يختلف عن سابقيه، حيث يرى المُتلقي الباحث الشاب يأخذه في جولة من بداية الحارة وحتى آخرها "بحاول إني أعمل تاريخ حي، بطلّع التاريخ من الكتب وبنزل بيه الشارع"، حيث تعتمد الحلقات على مراجع ومصادر تاريخية أبرزها "الخطط المقريزية" للمؤرخ تقي الدين المقريزي، و"الخطط التوفيقية الجديدة" للمؤرخ علي باشا مبارك.
يظهر عبده بظهره مُتجولًا داخل الحواري، حتى الآن نُشرت أربع حلقات على موقعي الوتيوب والفيسبوك؛ حارة القربية والحبّانية والسقايين والمغربلين، وفيها يحكي الباحث تاريخًا المنطقة، كما يستعرض شكلها الحالي، كل ذلك بأسلوب سرد بسيط وسلس"عشان الناس اللي مبتحبش التاريخ".
على مدار شهر استعد عبده، ما بين إعداد مادة علمية مُوثقة من المراجع التاريخية، والاعتماد على فريق مُحترف في التصوير والمونتاج، وهو ما أنتج صورة بصرية حيّة ومُدهشة للعين، فلا يكتفي العرض بأشهر الأماكن فقط داخل الحارة، بل يأخذ المُتلقي إلى اليافطات المُخبّأة عن الأعين، أو التي يُخفيها يافطة محل ما، ويضع المُتلقي في محلّ المُتجوّل بالشارع نفسه.
خلال الحلقات تحدّث عبده عن تاريخ تلك الحارات، ومُستعرضًا للمصادر التي أخذ عنها معلوماته، مما يُعطي معرفة إضافية أيضًا للمتلقي، الحلقات تُنتجها مبادرة سيرة القاهرة التي تقوم على الاهتمام بالآثار الإسلامية بالقاهرة وتنظيفه، وقد ظهرت المبادرة للنور خلال عام 2020.
وحتى الآن نُشرت أربع حلقات، بمعدل حلقتين أسبوعيًا، ويقول عبده إن هناك أربع حلقات إضافيتين سيتم نشرهم خلال الشهر، وقد حاول الباحث اختيار حارات غير معروفة للناس "ومالهاش مادة مصورة"،لذا استبعد شارع المعز المشهور مثلًا، وقد كانت التجربة مُهمة بالنسبة له، كونها تجربته الأولى في إنتاج ذلك المحتوى، واجه صعوبات خلال عملية البحث "لأني بشتغل لوحدي وكنت محتاج أوثق المعلومة بأكتر من شكل".
لكن الفريق لم يتعرض لمشكلات خلال التصوير بالشارع "التصوير كان بالموبايل والناس رحبت بينا جدًا"، حتى أن مجموعة من الناس كانوا يتحلقون حول وجبة للإفطار المكون من الفول رحبوا بالفريق وأكلوا معهم، ذلك الودّ والترحاب ظهر خلال حلقة حارة السقايين "المصريين بطبعهم ودودين وبيضحكوا، قابلنا ده كتير، وأحيانًا كانت الناس تعزمنا على شاي كمان".
وقد تمكّن عبده من التفاعل مع أهالي الحارات، لأنه بالأساس قد تربّى في منطقة شعبية أصلًا، "أنا اتولدت وسط الناس والحواري والآثار، أنا من باب البحر في باب الشعرية"، لم يكن سر التفاعل ذلك فقط، بل لأن الشاب أيضًا مُحب للتاريخ، فقد تخرج من قسم التاريخ بكلية الآداب، كما أنه اعتاد على التجوّل وسط الشوارع القديمة كثيرًا.
تلك العادة القديمة المُحببة لنفسه جعلته أسيرًا لروح القاهرة، حتى أنه يعلم أن كل حارة لا تُشبه أختها "كل حارة ليها شخصية مُختلفة، وبحس إن المكان كأنه كائن حي"، فرغم أنه سار في تلك الشوارع كثيرًا، لكنه في كل مرة يكتشف أمرًا جديدًا لم ينتبه له من قبل، مثلما تكشّف له ذلك خلال تجوّله في حارة المغربلين "لقيت شريط كتابي قديم مكنتش واخد بالي منه قبل كدا"، وحينما بحث علم بأن ذلك الشريط الكتابي يعود لوكالة قديمة لم يبق منها سوى ذلك الأثر.
يؤمن عبده أن القاهرة لا تُعطي أسرارها وخفاياها إلا لمن تُحبّ "اللي بينزلوا ويلفوا كتير"، يأمل الشاب أن يكون واحدًا من هؤلاء، كما تعلّم من المُثقفين الكبار أمثال الكاتب أسامة أنور عكاشة والشاعر سيد حجاب، وقد تربى الشاب على أعمالهم الفنية، مثل مسلسل الشهد والدموع، الذي سمع فيه صغيرًا لأول مرة عن حارة المغربلين "وبسبب إني سمعتها في المسلسل دورت على المكان،وروحت هناك، حالة الشارع مبهجة: الزحمة والناس والقهاوي والقبب والمساجد"، وإلى الآن يظلّ المكان الأقرب لقلبه هو حارة المغربلين "باروح أقعد هناك باستمرار".
لذا يعتقد عبده أن من يُريد فهم تلك المدينة المعقدة عليه تأمّل شوارعها القديمة والجلوس بين أهلها، فالقاهرة عبارة عن طبقات من التاريخ مُتراكمة فوق بعضها البعض، كما يقول عبده "وكل طبقة فيها بتتكلم عن امتداد عمراني حصل في وقت ما".
وقد تلقى الباحث العديد من ردود الأفعال الجيدة على الحلقات التاريخية، من بينها بعض المُشاهدين الذين اتجهوا إلى تلك الحارات وبصُحبتهم صوت الباحث "كانوا فاتحين الفيديو كأنه خريطة بينتقلوا عن طريقها"، ويسعى عبده ألا تنتهِ التجربة بانتهاء شهر رمضان، بل سيستكمل التصوير بعد ذلك، باحثًا عن أماكن أخرى، كما يأمل أن يؤسس شركة للإنتاج الثقافي تُنتج أفلامًا عن العاصمة التاريخية.
فيديو قد يعجبك: