من النكبة لـ"الشيخ جراح".. كيف ساند فن الكاريكاتير القضية الفلسطينية؟
كتبت-هبة خميس:
في بداية السبعينيات ظهرت للنور شخصية "حنظلة"، الطفل الفلسطيني الذي يعطينا ظهره لتنتشر في كل مكان و يصير "حنظلة" رمزاً للصمود ورمزا للقضية التي اُغتيل رسامها "ناجي العلي" في 1987 على يد الموساد الإسرائيلي، لكن برحيل العلي لم يرحل "حنظلة" وظل الكاريكاتير فنا يعبر بقوة عن القضية لا يخفت ضوؤها ولا تضعف قوتها بمرور الزمن.
من فلسطين لمصر لم يختلف الاهتمام بالقضية والتعبير عنها لدى الرسامين المصريين، فواحد من أهم مثقفي جيل الستينيات الفنان الراحل "محيي الدين اللباد" كان مؤمنََا بالقضية الفلسطينية إيمانََا كاملََا، وبارتباطها بكل قضايا الوطن العربي، ويرى نجله الفنان "أحمد اللباد" أن الزمن أثبت لنا الآن أن القضية الفلسطينية تتقاطع مع كل قضايا الوطن العربي "عن طريق الكاريكاتير عبر محيي الدين اللباد عن القضية طول الوقت، تقريبََا هنلاقيها في معظم شغله والكاريكاتير بتاعه وفي إصدارات دار الفتي العربي اللي كان واحد من مؤسسيها ومديرها الفني وفي معظم المجلات والمطبوعات العربية اللي شارك فيها".
في عام 1974، تأسست في بيروت دار الفتى العربي وكانت من أهم الدور العربية المتخصصة في النشر للأطفال وقد شارك في تأسيسها اللباد، وصمم لها سلاسلها ورسم وكتب لها أيضا عددًا من الكتب المختلفة، وشارك في تكريس توجهها للطفل العربي، وتعريفه بثقافته، وبجوانب وضعه ووضع بلاده التاريخي والاجتماعي وحتى السياسي بدون توجيه أو أسلوب توعوي مباشر أو فج لا يراعي حساسية المراحل العمرية للطفل، وفي نفس عام نشأة الدار صدر كتاب "البيت" للأديب السوري "زكريا تامر" ورسوم الراحل "اللباد".
"انتشر الكتاب انتشارا عالميا، وترجم لعشرات اللغات، وتحول لأيقونة؛ لأنه معبر عن حق الفلسطيني في بيته وأرضه وكل ده في قالب قصصي موجه للطفل، وأظن أن ده سبب الانتشار الواسع للكتاب في العالم".. يقول اللباد الابن.
في طفولته، لم يجد "أحمد اللباد" التوجيه المباشر من والده، إذ إنه تعرف على القضية الفلسطينية بالتدريج "أنا كنت محظوظ لأن كانت عندي الفرصة أعرف وأقرا وأناقش والدي ويتكون عندي وجهة نظر أوصلها وأقولها وأعرف منه الباقي علشان أكمل الصورة، وده أثر على تكويني الشخصي ومعرفتي بأبعاد القضايا الإنسانية".
منذ أيام قليلة وعقب محاولة تهجير أهالي حي "الشيخ جراح" بالقدس فوجيء "اللباد" بانتشار كتاب "البيت" على السوشيال ميديا والاحتفاء به رغم غلق الدار منذ سنوات طويلة "حسيت إنه الفن باقي ومعبر طول الوقت ولو قرينا الكتاب أي وقت هنلاقي انه مازال معبر عن القضية لأن الفلسطينيين مازالوا بيتهجروا من بيوتهم".
ولم يكن كتاب "البيت" الوحيد المعبر عن القضية الفلسطينية لـ" اللباد" فقد تعرض للانتفاضة الفلسطينية الأولى من خلال كتاب "30 سؤالاً" وكذلك من خلال الكتب التي أخرجها وشارك في تحريرها ككتاب "فلسطين في طوابع البريد"، وكتاب "فلسطين: مجموعة البطاقات البريدية لعز الدين القلق"، وأغلفة الكتب المرتبطة بالقضية وجوانبها، غير الملصقات المتنوعة الموجهة للصغار وللكبار أيضًا، ومنها الملصق الشهير "ألفبائية فلسطين".
مع الوقت ومرور الزمن يرى "أحمد اللباد" أن الكثير من الحكومات والكيانات استغلت القضية الفلسطينية لخدمة أغراضهم الشخصية فاستهلكت القضية بينما الشعب الفلسطيني لا ييأس أبدََا "كل يوم بيثبت ان القضية عايشة عن طريق ولادها رغم كل الظلم اللي حواليهم وخذلانهم لكن هما بيدافعوا عن أرضهم والمقدسات وإرث الإنسانية كلها بأجسادهم.. الشعب دة جدير بإنسانيته".
على صفحات السوشيال ميديا انتشر الكاريكاتير الخاص بـ"محمد ناصر"، ينتقل بين الناس كرسم معبر عن ما يحدث من تهجير لأسر الشيخ جراح. يمارس "ناصر" الرسم منذ سنوات بشكل احترافي بعيدََا عن عمله بمجال الهندسة "برسم من وأنا طفل لكن احترفت الرسم والكوميكس والكاريكاتير من سنين الجامعة وأول ما بدأت أنشر عالسوشيال ميديا الناس شجعتني ولقيته عاجبهم وشايفين انه معبر عنهم".
لم يشارك "ناصر" من قبل في القضية الفلسطينية لكن تلك المرة لمسه ما يحدث من تهجير للأسر وتعدي على ممتلكاتهم وأرواحهم "القضية وصلتني عن طريق السوشيال ميديا وحسيت إني ليا دور في توصيلها لغيري علشان العالم كله يعرف إيه حقيقة اللى بيحصل، وقررت إني أشارك بالرسم ".
يعتبر "ناصر" الرسم هو الشيء الأكثر تعبيرََا عن القضية والأسهل في الوصول لكل الناس، فحينما شارك بأول رسم كاريكاتير له فوجيء بتعليقات من الناس تتساءل عما يحدث هناك، وبسبب عدد متابعيه الذي اقترب من 200 ألف شخص أسعد ذلك "ناصر" لأن عدد المهتمين بفلسطين سيزيد.
عن طريق تعليق آخر لديه تساءل أحد متابعي "ناصر" عن كيف يطلب العالم من الناس أن يظلوا في بيوتهم بسبب الوباء وكيف يخرجون الفلسطينيين من بيوتهم؟ "قررت أرسم رسم تاني عن الفكرة دي لكن وأنا بنشر الرسم كنت حريص إني أتجنب الهاشتاج لإن إدارات السوشيال ميديا بتحذف الصفحات باستمرار".
منذ صغره تفاعل "ناصر" مع لقضية الفلسطينية عبر الرسم ليتعرف على شخصية "حنظلة" ويعرف إلام يرمز الطفل الفلسطيني الذي أصبح أيقونة.
بالنسبة لـ"حسين زقوت" الرسام الفلسطيني، فقد أثرت رسوم "ناجي العلي" في تكوينه منذ الطفولة ليتطلع طوال الوقت ليصبح رسام كاريكاتير تصل رسومه للعالم بأكمله ليتعرف على قضيته من خلالها "تطوري في الرسم حدث بالتعلم والممارسة والتغذية البصرية طوال الوقت وأتذكر وأنا طفل كنت أجري على الجريدة وأقلب الصفحة الأخيرة لأشوف الكاريكاتير".
عبر الكاريكاتير تعرف "زقوت" على طبيعة الصراع الذي يخوضه كفلسطيني ليعي بالقضية ويحاول توظيف موهبته وصقلها بدراسة التصميم والجرافيك والإعلام ليقرر أن يمارس الفن كهواية للتعبير عن القضايا الشخصية والعامة.
بسبب وجوده في قطاع غزة يشعر "زقوت" بالانعزال الجغرافي طوال الوقت لكن ذلك الانعزال لم يفصل أرواحهم عن القدس "بيقولوا لو صرخ فلسطيني في رأس الناقورة احنا نسمعه من شدة ارتباطنا كفلسطينيين ببعضنا وفي ظل هذا الوضع احنا دورنا إننا نوصل رسالتنا للعالم كله لأننا ممنوعين نهائياً من دخول القدس، كي يظل الاحتلال مسيطر على القدس".
يرى "زقوت" أن رسم الكاريكاتير له دور كبير في نصرة القضية منذ بدايتها وبسبب جرأة هذا النوع من الرسم يكرهه المحتل دائمََا ويزعجه ذلك الوضوح وتلك اللغة التي يفهمها العالم بأكمله "لأجل ذلك يلاحق المحتل الرسامين طوال الوقت والآن يلاحقهم على صفحات السوشيال ميديا كي يسكت العالم عما يحدث والتهجير دة معناه الاستيلاء على القدس بشكل كامل وبسبب ذلك هي قضية للجميع ليست لأهل القدس فقط".
فيديو قد يعجبك: