لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

نوم بلا قلق.. كيف مرت ليلة وقف إطلاق النار على أطفال غزة؟

10:52 ص الجمعة 21 مايو 2021

أطفال غزة

كتب- عبدالله عويس:

آن لهذه الجفون أن تسدل. آن لهذه العيون أن تغمض. آن لهذا الفزع أن يختفي. آن لتلك الصواريخ أن تتوقف عن إيقاظ الأطفال من النوم. جرى تنفيذ وقف إطلاق النار المتبادل بين إسرائيل وغزة. تتعدد المكاسب، وتظل الخسائر حاضرة، بعد 11 يوما من القصف الإسرائيلي على غزة، لكن المكسب الأكبر بحسب رشيد عوض، الذي يعيش بحي الرضوان في القطاع، أن ينام أطفاله بلا خوف، وأن تبتعد عنهم أشباح الموت، التي كانت تفرض نفسها في كل ليلة من ليالي القصف، التي أدت إلى مقتل 240 شخصا معظمهم في غزة، من بينهم ما يزيد عن 100 امرأة وطفل.

يعيش رشيد في منزل من 4 أسر، يضم 20 فردا، وكان لليالي القصف ملامح خاصة وتعايش مختلف. تهبط الأسر كلها إلى الطابق الأرضي في الليل، يبتعد الجميع عن النوافذ والأبواب. يوضع الأطفال في غرفة واحدة، ويحرص الشاب ذو الـ30 عاما، أن يمنحهم ما يلهيهم عن أصوات القصف، وتفجير البنايات والأبراج السكينة، فيمنحهم الحلوى، ويترك لهم الهواتف المحمولة ليشاهدوا مقاطع فيديو تشغلهم عن ما يدور في الخارج، فيما يقف الأب بينهم راجيا أن تمر الليلة بسلام، وأن يحمل لهم الغد حياة جديدة: «في كل ليلة كنا نقول سنموت، ولذلك كنا نجلس جميعا في طابق واحد، فإن عشنا عشنا جميعا، وإن متنا متنا جميعا».

مرت غزة بأكثر من حرب، في أعوام 2008، و2012، و2014، لكن ما مرت به غزة من قصف في 2021، يعتبره الرجل الأسوأ على الإطلاق، لطبيعة القصف أولا، ولوجود طفلين معه ثانيا، فهو هذه المرة مسؤول عنهم، وهم فلذة أكباده، إن أصابهم سوء فمن سيكون معهم، وإن أصاب أحدهم مكروها، فإن العيش بعدها لا يطاق: «كنت أحاول خداعهم، أقول لهم هذه أصوات ألعاب نارية، غير أن الصغار أدركوا سريعا أنني أخدعهم» يحكي الأب، الذي يعيش مع إخوته وأولادهم وكان على الجميع حماية الأطفال وتوفير معيشة تناسب أعمارهم الصغيرة، في ظل تلك الأوضاع: «حين كان القصف يقع بالقرب منا، نشعر أن البيت يتحرك يمنة ويسرة، وفي تلك اللحظات لا أترك الأطفال قط».

بعد 11 يوما من القصف تم الاتفاق على وقف إطلاق النار المتبادل وبلا شروط، بوساطة مصرية. ودخل الوقف حيز التنفيذ ليلة الجمعة، تمام الثانية فجرا بالتوقيت المحلي لفلسطين، وكان لذلك صدى كبير في الشوارع، حين خرج الناس للاحتفال، واحتفال كبير في أسرة رشيد حين خلد أطفاله وأطفال إخوته للنوم دون قلق على غير العادة: «عندي ولد اسمه رائد وطفلة اسمها روز، لم تتخط أعمارهم الخامسة، ولم يكن ثمة أمر يشغلني أو يقلقني غير سلامتهم».

لدى الشاب الذي سكن في غزة منذ 2008 وحتى الآن، مشاتل زراعية توقف عن زيارتها منذ بداية القصف. وإن كان أكثر الضربات تقع في الليل، إلا أن النهار كان يحمل ضربات صاروخية أيضا، وهو ما يهدد سلامته حين يخرج من المنزل في أوضاع مشابهة، ورغم أن المشتل هو ما يدر له الدخل، إلا أن ذلك كله معوض بالنسبة له: «طالما الإنسان لم يمت، فكل شيء معوض».

وكانت الأوضاع في فلسطين قد اشتعلت في أعقاب التضييق الإسرائيلي على سكان القدس، واشتباكها مع المصلين في أيام رمضان الماضي، ثم وقعت اشتباكات بين مستوطنين وفلسطينيين بعدد من الأحياء، وتفاقمت الأمور بمحاولة إخراج 4 أسر من حي الشيخ جراح، وهو ما رفضه السكان، وانتهاكات أقدمت عليها قوات الاحتلال، إلى أن وصل الأمر إلى رشقات صاروخية أطلقتها الفصائل المقاومة في غزة، ورد عنيف من إسرائيل بقصف أبراج سكنية وقتل العشرات جراء عمليات القصف تلك.

في كل ليلة كانت سمر أبو الشماس، تتوقع ألا يطلع عليها النهار، صوت القصف في الليل مرعب، الأطفال لا يستطيعون النوم، ولديهم عشرات الأسئلة المصيرية، حول ما قد يحدث لهم، وهي أم لطفلة صغيرة، كانت تحاول في كل ليلة أن تلاعبها حتى تنام، ثم تنقلها أسفل طاولة، حتى إذا ما وقع قصف، قد تنجوا منه، وإن كان الاحتمال بحسب الأم ضعيفا: «نحن أقوياء، لكننا في النهاية بشر، نخاف على أنفسنا وأطفالنا، بنات أخي لديهم 11 سنة و9 سنوات، والرعب لا يفارق وجوههم في كل ليلة، وكندة ابنتي أصغر الأطفال هنا في المنزل، أخشى أن يقع عليها الضرر» تحكي الأم، التي فرحت بوقف إطلاق النار: «كانت الليالي صعبة، والمشاهد كلها مؤلمة، لكن أخيرا أستطيع أن أنام غير قلقة على طفلتي».

إذا كان بوسع كندة أن تنام، فإن قلق أمها عليها يحرمها من ذلك النوم، تظل أكثر الوقت تصافح وجه ابنتها، تتأملها، تحدثها بصوت خافت وهي نائمة، تخبرها كثيرا أنها تحبها، وفي كل ليلة كان الدعاء لا يتوقف، أن يرحمها الله من ذلك العناء، بتوقف إطلاق النار، وهو ما حدث، لتستطيع الأسرة أخيرا أن تنام والقلق أقل ما يكون، لنه يظل حاضرا: «نحن كبار في السن، ندرك طبيعة ما يحدث، أما هؤلاء فأطفال من حقهم أن يعيشوا طفولة برئية، لكنها طفولة مشوهة بالقتل والدمار والصواريخ». تقول الأم أن لهذه الحرب مخلفات كبيرة على رأسها الخوف والقلق، لكنه أقل بكثير مما وقع في الأيام الماضية: «الأيام القادمة ستكون أيام جمع الشتات».

في هذه الليلة كانت سمر تشغل أغاني لأم كلثوم في منزلها، تضحك مع طفلتها، لكن بالها ظل مشغولا بأهالي الشهداء، فالليلة وإن كانت تحمل هدنة، إلا أن الألم يظل باقيا لدى هؤلاء: «11 يوما من القصف، أصعب ما فيها أن تسقط البيوت من حولك، وأنت تعلم أن هذه البيوت تضم سكانا سيصيرون في تعداد الشهداء في الصباح، ذلك أمر لا يمكنك نسيانه أو تجاوزه».

تقول إسرائيل إن 4 آلاف صاروخ أطلقت من عزة، وإن 11 شخصا قد قتلوا جراء ذلك. وهي أرقام وقعت أضعاف أضعافها في غزة، ورغم ذلك اعتبر فلسطينيون وقف إطلاق النار انتصارا لهم، وخرج المواطنون في الشوارع للاحتفالات، وبث وقائع تلك الاحتفالات على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي حين مر عيد الفطر ثقيلا على أهالي القدس، خرج البعض منهم ليلة الجمعة، مرددين تكبيرات العيد أمام المسجد الأقصى، فيما اعتبر البعض الليلة، عيد الفطر بتوقيت أهل فلسطين.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان