إعلان

بين نارين.. كيف تعيش مصورة فلسطينية في غزة وسط القصف الإسرائيلي؟ (صور)

03:00 م الإثنين 24 مايو 2021

كتب- محمد زكريا:

تصوير- سمر أبوعوف:

كانت سمر أبوعوف في مهمة صحفية اعتيادية منذ بدء العدوان؛ توثق بعدستها جرائم الاحتلال في حق المدنيين الفلسطينيين. وبينما كانت في طريقها لثلاجة موتى أحد مستشفيات غزة لتصوير ضحايا القصف الإسرائيلي من الأطفال لصالح إحدى الجرائد الأجنبية، وصلتها مكالمة من طفلتها تبكي بصوت لاهث، بينما تخبرها بسقوط صاروخ على بناية الأسرة، وكأن قلب الأم انخلع من مكانه، انهارت لحظتها، قبل أن تهرع إلى منزلها مفزوعة.

صورة 1

قبل 73 عاما من تلك اللحظة العصيبة، كان أجداد السيدة على موعد مع أحداث أكثر مأساوية، أحكمت ميليشيات صهيونية مسلحة قبضتها على معظم أراضي فلسطين، بينما أخرجت مئات الآلاف من الفلسطينيين من مساكنهم وأراضيهم. هاجر أجداد أبوعوف من مدينة يافا في العام 1948، فيما استقر الحال بالأسرة في قطاع غزة، وعلى أرضه ولدت الحفيدة، عاشت طفولتها بين أزقته، وشبابها في شوارعه، تزوجت وأنجبت، بينما هي مستمرة بالعمل كمصورة صحفية لصالح جرائد ووكالات أجنبية، لتكون على موعد مع تغطية العدوان الإسرائيلي على القطاع بالعام 2012، و2014 وأخيرا بالعام 2021.

صورة 2

لم تكن أي مهمة صحفية من الثلاثة بالسهلة على أبوعوف، عانت من أعباء نفسية جراء ما عايشته من دماء ودمار وخراب على مدار سنوات، الصحفي معرض للموت في ميدان الحرب برصاصة طائشة أو صاروخ غاشم بأي لحظة، بينما ضاعف ذاك العدوان الأخير من الخطر المحتمل على حياة المصورة الفلسطينية وكل من يعمل بالصحافة هناك، لاستهداف الطائرات الحربية الإسرائيلية للمكاتب الإعلامية والصحفية خلال الغارات الجوية التي استمرت لـ11 يوما، على نفس القدر من تضاعفه على أهالي غزة لاستخدام إسرائيل "لأول مرة" لـ"طائرات من نوع F 35" تحمل صواريخ "معدة لضرب الملاجئ تحت الأرض والواحد يحدث ثلاثة انفجارات" بزعم استخدامها في إطلاق صواريخ باتجاه الأراضي المحتلة، كما تقول الصحفية الفلسطينية، مضيفة: "عليك أن تتخيل حجم الدمار الذي قد يصيب الناس والبيوت والشوارع".

صورة 3

بمجرد أن سمعت أبوعوف مكالمة طفلتها لم تتمالك نفسها ولا أعصابها، كادت أن تسقط على الأرض، لولا مساندة زملائها الصحفيين أمام المستشفى، حاولت أن تتحرك فعجزت عن المشي، كانت لحظات من الانفصال عن الواقع، فيما لم يربطها به غير همهمات حولها ودموع في عينيها، بينما الفكر سارح في مصير أولادها وزوجها وأسرتها وبيتها، وكأنما أرادت أن يحملها بساط ريح إليهم، قبل أن تتمالك نفسها بمساندة زملائها، وتستقل عربة أجرة باتجاه الحي الذي تسكنه. وحين وصلت إلى تجمع الأسرة مع أهالي الحي في الشارع، احتضنت أطفالها، كانوا حفاةً متوارين وسط السكان ويسيطر الرعب على قلوبهم، وبعد أن اطمأنت المصورة على سلامة أولادها وزوجها وكل أفراد أسرتها، توجهت إلى أقرب نقطة من البناية تستطيع منها تصوير لحظة القصف التي تصورته، لتوثيق استهداف الاحتلال للمدنيين في غزة على عكس الزعم الإسرائيلي، فيما لم يصب البناية أي قصف مدمر بعدها وإلى أن عُقدت الهدنة والتهدئة برعاية مصرية، فلم يكن الأول صاروخ استطلاع ينذر باقتراب قصف البناية كما اعتقدوا، بل شظايا لصاروخ أطلقته إسرائيل على بناية أخرى، وأصاب دور بنايتهم الأعلى.

صورة 4

لا تزال تؤمن أبوعوف بأن هناك ما يستعصى على الكاميرا. هل تثبت الصور القصف المستمر على مدار الـ24 ساعة؟ وماذا عن صوت الصواريخ غير المحتمل؟ الدمار الذي يلحق بالذكريات داخل البيوت؟ هل تُسعف الكاميرا موت الفجأة جرّاء قصف عشوائي، لا يعرف أحد موعده أو قدر شدته، لا يعرف أحد مكانه في البيت كان أو في الشارع أو في سيارة تتنقل بها من مكان لآخر. أما زلت تحتاج لدليل على أن الخوف في حدقة العين يستعصي على الصورة؟ وماذا عن الهلع لحظة وصول الصاروخ لبناية أحدهم.. هل تحتمله؟ معك في أنها لربما تلتقط لحظة تشرد في الشارع، لكن ماذا عن باقي ساعات الليل؟ لا أحد محصن في غزة من القصف الإسرائيلي، قل لي ماذا تفعل الكاميرا إذن؟!.. هذا بالضبط ما قصدته السيدة.

صورة 5

مشاهد لا تنساها أبوعوف، لكن تحفظها ذاكرتها جيدا. من ينسى جثث الأطفال تحت الأنقاض؟ نظرات الأحياء منهم لحظة إخلاء البيوت حاملين ألعابا وصورا تحفظ لهم ذكرى؟ هرولة العجائز في الشارع بعد إطلاق إسرائيل صاروخا تحذيريا؟ من ينسى الذكريات تحت الركام؟ أكثر من 100 طفل وسيدة ومسن قتلوا في العدوان الإسرائيلي على غزة في 11 يوما، ولكل ذكرى.

صورة 6

لطالما عايشت الصحفية لحظات صعبة على أولادها وهي تعمل بعيدا عنهم، ولا تعود إليهم إلا للنوم، في الوقت الذي عليها طمأنتهم بأن الأمور على ما يرام، في ظل ما يشاهدونه يوميا من دمار متواصل وأصوات ترهب النفوس. وعلى نفسها من أن يصيبها الموت وهي تعمل في ميادين الحرب، فيفقدها أولادها في تلك السن الصغيرة وتلك الظروف القاسية.

صورة 7

لكن ظروفا أخرى صعبة تواجهها أبوعوف بالعمل الصحفي وسط العدوان الإسرائيلي، كانقطاع الكهرباء وخدمة الإنترنت طوال ساعات اليوم، اللهم إلا ساعتين فقط في أحسن الأحوال والظروف، بسبب تضرر شبكات الاتصالات والإنترنت جراء القصف المكثف، فبحسب شركة كهرباء غزة هناك أكثر من 900 ألف مواطن يتأثرون بالأعطال. لتضطر أبوعوف التوجه إلى مكاتب إعلامية دولية تعمل بالقطاع، لإرسال صورها إلى الجهة التي تعمل مراسلة لصالحها، ثم العودة للبيت متأخرة، وسط ظلام دامس، وقصف شديد.

صورة 8

كان شعورا صعبا أن تلتقط الشابة صورا لأقاربها الباكين على موت أفراد منهم، فقبل أن تُعقد الهدنة ووقف إطلاق النار، استهدف القصف الإسرائيلي بناية لأقربائها، فمات 8 منهم. تخيل ألا يبقى الموت هو الأكثر قسوة في القصة! الشابة عايشت ما هو أقسى. لكن ما الأقسى من الموت؟ نظرة أمل في عيون تنتظر حيا من تحت الأنقاض، فيدفن بعدها. أن يموت 8 من أقربائك تحت الركام، فتهلل فرحا لخروج واحد حيا.

صورة 9

وقت القصف شٌلت الحياة، تحولت غزة لمدينة أشباح، لم يعد هناك وقتها أناس في الشارع، اللهم إلا صحفيين ومسعفين. كانت صدمة أن يقصف الاحتلال بنايات سكنية بشارع الوحدة الذي تسكنه أبوعوف وسط غزة، كانت آخر الشوارع التي توقعت أن تضربها صواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية. رغم هذا تقول السيدة إن الحياة تستمر رغم قسوتها، كصمود الفلسطينيين في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

صورة 10

تابع باقي موضوعات الملف:

فلسطيني يروي دقائق الرعب والفزع في قصف إسرائيل لبنايته بغزة

1L

جار القصف الإسرائيلي على بنايات غزة: نعيش الموت مرات

2-

قصف الاحتلال منزلها بعد 4 أشهر من الزواج.. رسالة سيدة من غزة إلى العالم

4-

فلسطينية تروي ذكرياتها مع بناية قصفتها إسرائيل: انخلع قلبي لكنه لا يزال ينبض

5-

فلسطيني عن قصف إسرائيل لمحل عمله بغزة: ما عاد لي بيت في وطني

6-

كيف قصفت إسرائيل أسرة مكونة من 50 فردا في غزة؟ (فيديو)

7

في 11 يوما.. حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة (فيديوجراف)

8

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان