"لينا في المدينة".. حكاية التطور العمراني للقاهرة "من أول الزمان"
كتبت-رنا الجميعي:
في العاصمة وسط زحام أتوبيسات النقل العام والميكروباصات والسيارات والأعداد الكبيرة من البشر التي تتعارض في سيرها يوميًا؛ رُبما يتبادر للأذهان ذلك السؤال "هي القاهرة كبيرة كدا ليه؟"، لكن العقل لن يستوعب كمّ التفاصيل المُرتبطة بإجابة ذلك السؤال، فعلى مدار قرون تغيّر شكل القاهرة حتى وصلت لشكلها الحالي، بتعداد سكان يصل إلى 10 مليون نسمة، لذا قام شابان مصريان، أحمد زعزع وعمر الطوانسي، بصناعة حلقات مُصورة للإجابة عن ذلك السؤال تحت اسم "لينا في المدينة".
تحكي الحلقات عن فتاة تُسمى "لينا" قادمة من مدينة دمنهور، لتعيش مع أهلها بالقاهرة، وتحديدًا في منطقة 6 أكتوبر، وتعمل في القاهرة الجديدة، وبطول المسافة التي تستغرقها يوميًا، التي تُوضّح كم التمدد التي وصلت إليه القاهرة، تغرق لينا في أحلامها وخيالاتها عن المدينة، ومن خلال ذلك تحكي تاريخ المدينة منذ حضارة "عُماري"، وهي حضارة قامت قبل الفراعنة في منطقة المعادي، وداخل الحلقة تقول لينا إن تلك كانت "بذرة القاهرة"، وعبر ثلاث حلقات أخرجها الطوانسي وزعزع تمكنا فيه من الإحاطة بتاريخ القاهرة منذ عصور ما قبل الميلاد، وحتى السبعينات حيث أزمة السكن التي انتشرت في القاهرة كلها.
"لينا في المدينة" كانت حُلم في البداية لدى زعزع والطوانسي، فهما يعملان بالأساس مهندسان معماريان، ويقول زعزع لمصراوي إن عملهما يرتبط بتطوير وتخطيط العشوائيات "واشتغلنا كتير في ميت عقبة ومثلث ماسبيرو"، لذا كانت القضايا العمرانية تشغلهما طوال الوقت "وجانب كبير من شغلنا مرتبط بالأبحاث الأكاديمية"، لكن المشكلة كانت تكمن أن تلك القضايا مُنحصرة لدى فئة محدودة، ولا يفهمها الجميع "عشان كدا حبينا نعمل حلقات نحوّل فيها الأبحاث دي لمعلومات بسيطة يفهمها ناس كتير".
من هنا جاءت فكرة المشروع الذي استغرق عمله حوالي سنة ونصف، وفيه قررا الشابان اختيار بطلة خيالية "حبينا نقول إنه مش لازم راجل هو اللي يقوم بالدور ده، كمان وجود بنت هيخلينا نقدر نحكي في مساحة مرتبطة بالمرأة"، حيث يُدرك زعزع أن المرأة فئة مهمشة غير محسوبة أثناء تخطيط المدن.
يعتبر زعزع الثلاث حلقات موسم تجريبي، سيتم استكماله بحلقة رابعة جاري نشرها خلال الفترة الحالية، لتستكمل الحلقات تاريخ المدينة، وفي الحلقة الرابعة ستحكي لينا عن تمدد القاهرة منذ الثمانينيات وحتى عام 2010.
قبل البدء في المشروع تمكّن الشابان من الحصول على منحة تمويل من مبادرة الحوار المصري الدنماركي، كما أنهما قد عرضا جزء من المشروع داخل أكبر مدرسة تحريك في الدنمارك "والفكرة وقتها عجبتهم جدا، وبدأنا ساعتها نطور في الحبكة"، فأساس القصة يقوم على الأحلام التي تقع فيها لينا نتيجة المسافة الطويلة التي تضطر لقطعها يوميًا من محل سكنها حتى محل عملها، وقد واجه زعزع عدة صعوبات في البداية منها أن الحلقة الواحدة تستغرق أطول من الوقت المُخطط له "كنا متخيلين إن احنا بنعمل الحلقة في شهر، لقيناها بتاخد وقت أكبر من كدا بكتير".
ويعمل زعزع على كتابة الحلقات عبر المراجع التاريخية، أما الطوانسي فيقوم بالمونتاج والإخراج بالتعاون مع زعزع، بالإضافة إلى فريق يقوم على التحريك والرسم والأصوات، وداخل الحلقات هناك اهتمام شديد بالأزياء الخاصة بكل فترة، فكلما حكت لينا عن مرحلة تاريخية مثل الفراعنة أو الأشوريين، ومن بعدها القاهرة القبطية ثم الإسلامية وما تلاها، ترتدي لينا وصديقها محمد- وهو الشخصية الثانوية معها- الأزياء الخاصة بتلك الفترة "احنا كنا مهتمين بالأزياء وجبنا كل كتاب بيتكلم عن كل عصر عشان نقدر يبقى عندنا شكل الأزياء بتاعة الفترة دي".
كان برنامج "الدحيح"- وهو برنامج لتبسيط العلوم- هو المُلهم بالنسبة لزعزع والطوانسي "فكرة إن احنا نقدم المعلومة ببساطة"، لذا يهتم الفريق كثيرًا بكتابة المراجع العلمية المُستند إليها في كل حلقة، لجذب المشاهدين لمعرفة أكبر. بدأ نشر الحلقات في مارس الماضي، وإلى الآن حصل الفريق على ردود فعل كبيرة "واتفاجئنا فعلًا بردود فعل لناس مش من دوايرنا"، حدث التفاعل عبر قناة اليوتيوب وكذلك الفيسبوك، وكان من المُلفت أيضًا بالنسبة لزعزع أن زملائهم من الباحثين انجذبوا للحلقات أيضًا "كنا خايفين منهم عشان المعلومات بسيطة شوية، لكن حبوها هما كمان".
ستكون الحلقة الرابعة هي نهاية الموسم التجريبي كما يقول زعزع، وسيتم الاستئناف بعمل موسم آخر، لن يكون عن القاهرة، بل عن محافظات مصر المختلفة "حابين نتكلم عن الريف وازاي بقى شبه الحضر"، وفيه يرغب المهندس المعماري إيضاح قيمة العمران الريفي، وانتقاد مركزية القاهرة "عايزين نسأل ليه ميبقاش فيه مدن تانية مهمة زي القاهرة"، مُدن تتوفر فيها إمكانيات وخدمات تجذب الناس للاستقرار فيه مثلما يحدث في القاهرة، كذلك سيناقش فيها قضايا مثل الإسكان الحكومي والحق في الفراغ العام-أي حق الفرد في إيجاد رصيف يسير عليه-.
يتمنى زعزع أن تجذب الحلقات عدد كبير من الناس، خاصة سُكان ما يُطلق عليها بالأماكن العشوائية، والتي لا يؤمن بكونها كذلك "لأن الأماكن دي هي حلوة بالنسبة للناس اللي عايشين فيها"، فهو ضد الخطاب السائد الخاص بأفضلية لأماكن عن أخرى "وأتمنى اللي يشوف الحلقات من سكان العشوائيات يعرفوا قيمة الأماكن اللي هما منها ويحسنوا منها"،
فيديو قد يعجبك: