إعلان

كيف أسهم "تطوير العشوائيات" في الحد من إدمان المخدرات وتداولها بين أهلها؟

06:31 م الإثنين 28 يونيو 2021

كتب- محمود عبد الرحمن:

غلاف- أحمد مولا

من داخل أحد الأوكار المنزوية على سفح جبل المقطم بمنطقة الرزاز، بحي منشأة ناصر، كان عامل المحارة الشهير بـ"أبو عبده" يذهب مساءً لشراء جرعته من مخدر الهيروين، الذي لم يجد صعوبة في الحصول عليه حتى لو رغب في شرائه يوميا، "المكان اللي بشتري منه بينه وبين بيتي شارع، ولو مش موجود فيه بدل منه واحد واتنين"، المشكلة الوحيدة التي كان يعانيها هي عدم توافر الأموال التي يشتري بها: "لو اتصرفت مرة مبعرفش أتصرف التانية"، لم يختلف هذا الوضع الذي ظل لـ20 عاما حتى أوائل عام 2019، الذي غادر فيه المنطقة مجبراً.

قبل عامين أخلت محافظة القاهرة منطقة الرزاز العشوائية التي صنفت آنذاك بالخطرة وغير الآمنة، وانتقل "أبو عبده" ضمن مئات الأسر من قاطنيها إلى منطقة الأسمرات التي أنشئت لتسكين سكان المناطق العشوائية بالقاهرة.

في أحد العقارات تسلمت أسرة "أبو عبدة" شقة سكنية مفروشة ومجهزة بالأجهزة الكهربائية الأساسية، حاول الرجل وزوجته نقل بعض الأثاث القديم من شقته القديمة بـ"الرزاز" بالدويقة إلى سكنه الجديد بالأسمرات، لكن القائمين على إدارة المدينة السكنية لم يسمحوا لهما بالعبور بها، فالهدف من تجهيز وفرش الشقق التي تسلم للقادمين من مناطق عشوائية هو عدم نقل العشوائية والفوضى إلى المناطق المطورة، وفقا لصندوق تطوير المناطق العشوائية، كما حدث قبل ذلك في مدينة 6 أكتوبر؛ حيث اصطحب الأهالي الطيور التي يقومون بتربيتها إلى سكنهم الجديد، ولذلك كان الحرص على ضمان الحفاظ على هذه المناطق المطورة، وعدم تكرار تحويلها بمرور الوقت إلى مناطق عشوائية جديدة، كما حدث من قبل.

صعوبة شراء المخدرات مقارنة بما كان يحدث بمنطقة "أبو عبده" القديمة كانت مشكلة بالنسبة له، وزاد من تعقيدها، كما يروي، التواجد الأمني بالمنطقة الجديدة "لو فكرت أشتريها من بره ممكن يتقبض عليا لو تم تفتيشي أو حد قابلني"، فارتفاع عوامل الخطورة قلل من تواجد المخدرات ومروجيها، وفقا لساكن حي الأسمرات الجديد: "وده تسبب في ارتفاع سعرها".

الصورة الأولى

بعد مرور أسابيع من إقامة "أبو عبده" طرق باب شقته عدد من الشباب والفتيات، يرتدون زيًا موحدًا مدونا عليه "أنت أقوى من المخدرات"، تحدث أحدهم، "إحنا متطوعين ضمن مبادرة صندوق مكافحة الإدمان للتوعية بمخاطر وأضرار المخدرات، ومساعدة المدمنين على التعافي والعلاج في سرية تامة وبالمجان"، وتحدث آخر عن الخدمات التي توفرها العيادة الطبية المتخصصة من أجل هذا الهدف، تحت إشراف مباشر من وزارتي التضامن الاجتماعي والصحة، وتؤكد ثالثة أن العلاج والمساعدة على التعافي يحدثان دون أدنى مسئولية على من يرغب في العلاج من الإدمان.

لم يقتنع القادم من منطقة الرزاز بالدويقة بما يقال: "اعتقدت أن الأمر عبارة عن إجراءات من إدارة المشروع، لسحب الشقق من متعاطي المخدرات"، وما عزز اعتقاده هو التواجد الأمني الذي كان لا يراه بمنطقته القديمة إلا نادرا جدا "وقت ما يكون فيه مصيبه، علشان كدا خفت ليكون كمين".

بدأ "أبو عبده" تعاطي المخدرات بأحد الأفراح الشعبية عام 2001 بمنطقة الدويقة، استجابة لإلحاح صديق له من باب التجربة، "قلت أجرب زي شباب في المنطقة بتشرب"، وكانت البداية بمخدر البانجو، وانتهت بالهيروين، ومن نوع مخدر إلى آخر تحول الشاب إلى مدمن، وأصبح أكثر ما يسعى إليه توفير "فلوس" نهاية اليوم لشراء الهيروين، "مرة في مرة لقيت نفسي مدمن وكل همي المخدرات".

تكرار زيارة فريق صندوق مكافحة الإدمان، وتأكيداتهم المتكررة على عدم وجود أي مسئولية قانونية تقع على الشخص المتعاطي، كان سببا في اقتناع "أبو عبده" لتغيير اعتقاده واتخاذ قرار العلاج، "من زمان عاوز أتعالج بس مفيش فرصة ومكنتش أعرف إن الدولة بتوفر العلاج مجانا".

افتتاح عيادات لمكافحة الإدمان بالمناطق البديلة للعشوائيات كان ضمن توجيهات رئاسية بتنفيذ برامج الحماية من المخدرات للقادمين إليها من المناطق العشوائية، بهدف تعزيز ثقافة مواجهة تعاطي المخدرات والقضاء عليها داخل المناطق المطورة، وفقا للدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة الإدمان.

الصورة الثانية

في سبتمبر من العام الماضي كانت أول عيادة لمكافحة الإدمان بالأسمرات تفتح أبوابها لتقديم خدماتها التوعوية والعلاجية، بحسب ميريت محسن، مشرفة المشروع، فبخلاف استقبال المتعاطين داخل العيادة لتلقي العلاج، بدأ الصندوق عدة حملات، منها "طرق الأبواب"، التي استهدفت 11 ألفا و400 وحدة سكنية، لتوعية الأسر داخل منازلها بخطورة التعاطي وتشجيع المتعاطين على تلقي العلاج، "في الحملة كنا بنخبط على كل باب وكل محل"، تقول مشرفة المشروع.

وتضيف، بالتنسيق مع الحي اخترنا شبابا من المقيمين بالأسمرات لإخضاعهم لتدريبات تحت إشراف متخصصين من الصندوق، بهدف مشاركتهم في الحملة من خلال الزيارات المنزلية والتواصل المباشر مع الأسر لكونهم همزة وصل مهمة بين الصندوق والأهالي، "الناس لما يلاقوا حد منهم بينصحهم، هيبقى المردود إيجابي".

مبادرة "طرق الأبواب" ضمن المبادرات والحملات المستمرة التي يعلن عنها صندوق مكافحة الإدمان للقضاء على المخدرات والكشف المبكر عن تعاطي المخدرات، وفقا للدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة الإدمان، الذي يؤكد أن هذه المبادرات تسعى إلى دمج المتعاطين والمدمنين في العديد من الأنشطة والخدمات الاجتماعية والاقتصادية تمهيدا لعلاجهم.

"كنت فرحانه عشان بساعد أهالي المنطقة اللي أنا منها"، تحكي إيمان أحمد، التي كانت تقيم بالدويقة وانتقلت إلى الأسمرات، وخضعت لتدريب صندوق مكافحة الإدمان، الذي ارتكز على عدة محاور، أهمها، توجيه التوعية الأولية للمواطنين عن خطورة المواد المخدرة، ثم دعوتهم للمشاركة في بعض الأنشطة لتشجيع المتعاطين منهم لاتخاذ خطوة البدء في العلاج، وهو ما حدث مع "أبو عبده"، الذي شاركهم نشاطهم في بداية الأمر لكي يطمئن قلبه، قبل الاستجابة لهم في الخضوع للعلاج.

الصورة الثالثة (1)

تتذكر إيمان صاحبة الـ28 عاما بعض المواقف في بداية مشاركتها في حملات الصندوق "الناس لما كانت تشوفنا أول مرة كانوا يرفضوا يقولوا إنهم متعاطين"، وكنت اكتفي معهم بالتوعية الأولية وسرد السلبيات الناتجة عن المخدرات والظروف الاقتصادية التي تحل على الأسرة نتيجة التعاطي، "وأنا ماشية بحثهم على القدوم إلى العيادة في حالة التعاطي"، أو الاتصال على أرقام الخط الساخن لصندوق مكافحة الإدمان".

واستقبل الخط الساخن1289 مكالمة من المناطق الجديدة بديلة العشوائيات "الأسمرات والمحروسة وروضة السيدة وبشاير الخير"، لطلب المساعدة في العلاج، نتيجة حملات التوعية بهذه المناطق عن أضرار الإدمان، وفقا لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي.

الصورة الخامسة.

وتعد المناطق العشوائية من أكثر المناطق عرضة لتعاطي وتداول المخدرات، وفقا للدكتور إبراهيم عسكر، مدير البرامج الوقائية بصندوق مكافحة الإدمان، والسبب يرجع إلى المفاهيم المغلوطة لدى سكان تلك المناطق تجاه المخدرات، ولاختلاف ثقافة التربية والبيئة المحيطة "المناطق دي بيكون أغلبها مخدرات ويتم الترويج لها"، وضعنا ذلك في اعتبارنا أثناء وضع برامج العلاج والتوعية للأهالي هنا، "من الصعب تغيير أفكار مغلوطة دامت لسنوات عن المخدرات من مرة أو مرتين، لذلك لم يقتصر التواصل مع المدمنين على حملة طرق الأبواب، لكن كان التخطيط للوصول إليهم من خلال أكثر من وسيلة".

فحرص صندوق مكافحة الإدمان، بالتعاون مع إدارة الحي، على التذكير الدائم لأهالي المدينة بخطورة المخدرات، من خلال وضع لافتات أو ما يعرف بإعلانات "الأوت دور" تحمل عبارات، "أنت أقوى من المخدرات"، تحذير من أضرار وتعاطي المخدرات، بأماكن متفرقة بالشوارع الرئيسية بمدينة الأسمرات الممتدة على مساحة 185 فدانا، ويقيم فيها أكثر من 15 ألف أسرة قادمة من المناطق العشوائية التي تخضع للتطوير، من أجل تشجيع المتعاطين على اتخاذ قرار التوجه إلى العيادة لبدء مراحل العلاج.

الصورة السادسة.

تعتبر دراسة حالة المريض أولى مراحل العلاج، وفقا لعمر صلاح سيد، المختص النفسي بعيادة الأسمرات، فبناء عليها توضع خطة العلاج والتأهيل النفسي، "فيه ناس بيكون صعب عليها تأخذ قرار العلاج للفهم الخطأ عن الطرق المستخدمة في التعافي"، فمنذ التحاق عمر بالعيادة التي يعمل بها للعام الـ2 على التوالي مر عليه أنواع مختلفة من المدمنين والمتعاطين، بعضهم طلبوا الخضوع للعلاج من المرة الأولى، "فيه ناس أول ما بتعرف تيجي بسرعة وكأن العيادة طوق نجاة"، ومنهم من كان لديه مخاوف كثيرة عن الطرق المستخدمة في العلاج.

يتذكر ذات مرة عندما سأل مدمن جاء من أجل العلاج، قائلا: "هيبقى فيه ضرب وربط وتكتيف في العلاج"؟ وصحح "عمر" له مفاهيمه الخطأ عن العلاج الذي يعتبر الشعور بالأمان جزءا منه.

جزء من العلاج أن يشعر المتعاطي أو المدمن بالأمان، ولا يوجد عليه أي مسئولية، وأن العلاج ليس إجباريا، كما حدث مع "أبو عبده" الذي كان لا يثق بما كان يردده أعضاء حملة طرق الأبواب في بداية تعامله معهم.

الخوف لدى المتعاطين كان سببا في ضعف الإقبال على العيادة في البداية، وفقا إيمان أحمد، المتطوعة بحملات طرق الأبواب، لكن الثقة زادت بعد تعافي أول دفعة وتكريمهم من قبل الدكتورة نيفين القباج، وزيرة التضامن، "الناس اللي تعافت كانت أكبر مكسب ودعاية لما نقوم به".

تردد على عيادة الأسمرات منذ افتتاحها 426 متعاطيا، كان "أبو عبده" من ضمنهم "العيادة كانت طوق نجاة خرجني من اللي كنت فيه"، وتعافى حاليا من التعاطي عشرات آخرون، وما زال المئات في مرحلة العلاج من أجل التعافي.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان