لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"السفينة الكبيرة والحفار الصغير".. مصراوي يحاور كاتب القصة وسائق الحفار

03:32 م الثلاثاء 08 يونيو 2021

السفينة الكبيرة والحفار الصغير

- مارينا ميلاد:

طوال شهرين من انتهاء أزمة سفينة "إيفر جيفين" التي علقت بقناة السويس؛ اعتقد عبدالله عبدالجواد؛ سائق الحفار الصغير صاحب الصورة الأشهر بالأزمة، أن قصته انتهت بكل ما حملته من سخرية لضآلة حفاره بجانب ضخامة السفينة، وإشادة به بعد نجاح تعويمها. لكن الأحد الماضي؛ اكتشف عبدالله أنها لم تنته بعد، لكن على نحو مُغاير تمامًا. ذلك عندما استيقظ في سكنه المُجاور للقناة على رسالة من أحد أصدقائه؛ يبلغه فيها بأن كتابًا صدر في الولايات المتحدة الأمريكية عن قصته باعتبارها "قصة مُلهمة" للأطفال. لم يصدق عبدالله ذلك ولم يكن ليتخيله أبدًا.

على بعد أكثر من 12 ألف كم من عبدالله؛ كان الأمريكي ريان بيترسون يجلس في مكتبه بشركة الشحن وتقديم الخدمات اللوجيستية "Flexport" بسان فرانسيسكو، والتي يعمل رئيسها التنفيذي. يقضي يوم عمله كالمعتاد وأمامه نسخة من كتابه "السفينة الكبيرة والحفار الصغير"، الذي يتابع نسب بيعه عبر موقع الشركة الإلكتروني.

لم يتواصل كل من "ريان" و"عبدالله". اكتفى الأول بإعجابه بالثاني واستلهام قصته، واكتفى الثاني بالتعبير عن امتنانه وشكره له من خلال حديثه لنا. لكننا جمعنا بينهما افتراضيًا من خلال الحوار مع كليهما.

1

ريان ليس كاتبا؛ فهذا الكتاب المستوحى من قصة السفينة الجانحة هو الأول، يقول الرجل: "وظيفتي الأساسية هي الرئيس التنفيذي لشركة Flexport". يعرف ريان شركته بأنها "تقدم خدمات لتسهيل حركة التجارة العالمية" لذا تأثر بما حدث في القناة: "لدينا العديد من العملاء المتأثرين بجنوح السفينة. فنحن لدينا تقنيات تكنولوجية تمنح العملاء نظرة دقيقة حول مكان وجود بضائعهم ووضعها، لذلك كنا نتابع بشكل دوري حركة السفينة للحفاظ على حركة بضائع عملائنا".

في ذلك الوقت الذي كان ريان يتابع عبر كل الوسائل المتوفرة لديه حركة السفن المتكدسة في القناة والبضائع الموجودة عليها، كان عبدالله، صاحب الـ29 سنة والذي يحمل شهادة دبلوم صناعي؛ يحاول مرارًا وتكرارًا رفع الرمال من حول محرك السفينة الجانحة البالغ عرضها 59 مترًا وطولها 400 متر.

انتشرت الصورة الأشهر في الأزمة: ذلك الحفار الصغير بجوار السفينة الضخمة. ملأت التعليقات مواقع التواصل الاجتماعي، والتي كان أغلبها ساخرًا. لكن لم يهتم عبدالله بالأمر كله: "إذا ركزت بالطبع سيصيبني الإحباط، ولن أستمر في عملي".

وصل ذلك لريان أيضًا. لم يدرك سبب هذه السخرية ويبدو أن المسألة ظلت عالقة في ذاكرته، لكن في تلك اللحظة –كما يقول–: "ليس علينا التركيز إلا على تحريك السفينة وفتح القناة".

ظل عبدالله بمفرده على هذا الحفار طوال أيام أزمة السفينة؛ توزعت المهام ولم يكن هناك شخص آخر يعمل عليه معه؛ وهو ما جعله يعمل بين 18 إلى 22 ساعة يوميًا وبالكاد ينام نحو ساعتين أو ثلاثٍ فقط في "سكن الكتيبة الخاصة به" –حسب قوله.

كانت حمولة السفينة الإجمالية التي تصل إلى 224 ألف طن من شأنها أن تخيف عبدالله الذي يقف بحفاره الصغير أسفلها؛ وقد تسقط إحدى الحاويات عليه، لكنه لم يكن خائفًا: "اعتدت على المصاعب في عملي وألا أخاف منها".

ربما السبب وراء شجاعة عبدالله هي عائلته، التي يقول عنها: "أبا عن جد في عمل الحفارات"؛ فعمه هو من علمه هذه المهنة بل وأعطاه هذا الحفار الذي يقف به أمام "إيفرجيفين".

يعتقد ريان وكل من شاهدوا صورة عبدالله أن الحفار الصغير يخص هيئة القناة أو شركة "نيوجاز" التي يعمل معها عبدالله؛ وأتت به لتعاقدها مع هيئة القناة لتولي أعمال الصيانة. لكن الحقيقة هو أن الحفار هو خاص به؛ ويتم تأجيرهما معًا.

يقول عبدالله "إنه جاب بحفاره مصر من شرقها إلى غربها". فقد تحرك من قريته دنجواي التابعة لمركز شربين بمحافظة الدقهلية؛ ليعمل في "مشاريع خطوط غاز، العقارات، أعمال صيانة مواقع عمل، وحماية شواطئ"، وغيرها: "شبكة علاقات ومعارف يطلبونني". حتى اشترك في المشروع الأكبر بالنسبة له وهو"قناة السويس الجديدة"، التي حمل حفاره بعدها "شعار شركة القناة للموانئ والمشروعات الكبرى"؛ ليصير حفارًا مميزًا عن غيره.

لم يعلم ريان كل ذلك عن الشخصية التي جذبته: "أعجبت به بشدة من عمله لتحريك السفينة، دون معرفة المزيد عنه".

وبعد أن نجح تعويم السفينة وطمأنت شركة ريان عملاءها على سفنهم وبضائعهم؛ عاد إلى قصة عبدالله ليستوحي منها كتابه الموجه للأطفال: "كان هدفي مشاركة قصة بطولية مع الأطفال وتعريفهم بصناعتنا إلى جانب جمع عائدات ستوجه إلى المساعدات".

وفقا لريان؛ لقد ساعدت شركته في نقل أكثر من 50 مليون وحدة من المساعدات الطبية المتعلقة بفيروس كورونا خلال العام الماضي؛ لذلك يرغب في استمرار عمله، لكن هذه المرة ستذهب عائدات كتابه المُسعر بـ25دولارًا لصالح القطاع الطبي في الهند.

يُعرف ريان قصته بأنها "حول قوة التفاؤل في تحريك العقبات الكبيرة التي تعترض طريقنا.. نقدم لكم الحفار الصغير الذي ألهم الملايين من خلال ما فعله.. سيتعلم الأطفال في كل مكان عن قوة فعل الشيء الصحيح حتى عندما يبدو أن نصف العالم يضحك عليك".

صورة 2

يتمنى بطل القصة أن يحصل على نسخة من الكتاب ويريه لزوجته وعائلته: "أعتقد أنه شرف لمصر أولا، وشيء رفع من معنوياتي كثيرًا". سيحتفظ عبدالله بهذه النسخة إن وصلته؛ ليقرأها أطفاله مستقبلا ويعرفون قصته: "الكتاب علم الناس والأطفال درسًا مهمًا وهو عدم الاستهانة من عمل أي شخص".

هذه الأيام؛ يقيم صاحب الحفار الصغير في السويس؛ ليستكمل عمله في القناة بعد أن أنهى عمله في بورسعيد العام الماضي. صار متعلقًا بها، تغير مفهومه كثيرًا بعد الأزمة الأخيرة: "كنت أتعامل مع كل المشاريع أنها تشبه بعضها". لكنه أدرك قيمة ما يفعله بعدما تابع توقف حركة التجارة والخسائر التي قد تتجاوز المليار دولار .

هذه الأهمية يعرفها ريان أكثر؛ إذ تنقل شركته كل عام بضائع تقدر بـ10 مليارات دولار عبر 112 دولة: "نعتقد أن التجارة يمكن أن تدفع الإنسان إلى الأمام"، لكن ما حدث دفعه أن ينوي زيارة مصر لأول مرة ويرى قناة السويس التي يصفها بـ"شريان عظيم للتجارة العالمية".

لقراءة المزيد عن أزمة السفينة والعاملين على تعويمها: اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان