قصة مدرب مصري قاد لاعبة أمريكية إلى "ذهبية" أولمبياد طوكيو
-مارينا ميلاد:
"أمجد عبدالحليم خزبك".. مدرب مصري للعبة سلاح الشيش. يجلس في هذه اللحظة داخل القرية الأولمبية في طوكيو؛ التي يستقر فيها بعثات الدول المشاركة في الأولمبياد المتجه إليها أنظار العالم أجمع هذه الأيام. لكنه ليس مشاركًا مع البعثة المصرية، إنما الولايات المتحدة الأمريكية. وقد حقق لها انتصارًا كبيرًا بفوز "لي كييفر"، لاعبة سلاح الشيش التي يُدربها، بالميدالية الذهبية.
أمجد المولود في القاهرة ودرس الهندسة في جامعتها، ولعب فيها حتى درب الفريق القومي لأعوامٍ، تركها ذات يومٍ باحثًا عن "الحِلم" الذي يسكن داخله في مكان آخر؛ وقد اتسع له ذلك المكان حتى أحرز كل نقاط الفوز.
لم تكن قصة أمجد شاقة مثل قصص كثيرة، بل ربما مثالية إلى حدٍ كبيرٍ.
فبعد أن تخرج الشاب في كلية الهندسة بنهاية الثمانينيات؛ وجد وظيفة مناسبة مهندسًا مدنيًا بجانب لعبه سلاح الشيش في نادي السلاح المصري العريق، الذي أثبت نفسه فيه لدرجة استدعائه؛ ليقود المنتخب القومي رغم أنه ما زال لاعبًا.
حصل أمجد على دورات تدريبية؛ ليكون مناسبًا لهذه المهمة المُفاجئة. لكنها لم تدم سوى 4 سنوات وأنهت الإدارة عمله. تنقل بين الأندية الخاصة التي استعانت به لتدريب فرقها؛ ثم عاد للفريق القومي مجددًا لمدة عامين؛ وللمرة الثانية يقررون "الاستغناء عنه" -حسب وصفه-؛ لتنتهي مبارزته هنا وينطلق بحلمه نحو الولايات المتحدة عام 2003.
كانت ولاية تكساس هي المقصد في البداية، قبل أن يستقر في ولاية كنتاكي التي وجد فيها فرصًا أفضل لينشئ ناديه الخاص، والذي أطلق عليه اسم "بلوجراس للمبارزين". يقول: "إن كل من التقى به آنذاك لم يصنفه بحسب دينه أو جنسيته، وانتظروا ما سيفعله لهم".
وقد انضمت إلى النادي الحديث فتاة صغيرة يبلغ عمرها 9 سنوات فقط، لكن والدها أصر على تدريبها مبكرًا على اللعبة؛ لأنه كان يمارسها في جامعته. هذه الفتاة تدعى "لي كييفر".
طوال سنوات غربته؛ لم تنقطع علاقة أمجد بمصر؛ فاستمر في المجيء كل عام؛ لإقامة معسكرات صيفية لفرق بعض الأندية التي تعاون معها من قبل. يرى الرجل أن مصر بها نماذج جيدة، لكن عادة ما تكون المشكلات في الإدارة.
مضى أمجد في عمله بالنادي الذي ازداد شهرة يومًا بعد يوم، وفي التركيز على تدريب "لي كييفر"، تلك الفتاة التي يعول عليها كثيرًا. وقد بدأت تصعد إلى بطولات تحت سن الـ17 وتفوز فيها. فاستعان المنتخب القومي الأمريكي بهذا المدرب الذي سطع نجمه عندهم حتى عين رسميًا مدربا لمنتخب السيدات خلال عام 2011، وفاز بلقب "مدرب العام" في 2012.
ذهب أمجد مع "لي" إلى أولمبياد لندن 2012، والتي حصلت فيها على المركز الخامس. ووفقًا للنظام المتبع لفرق اللعبة بالولايات المتحدة؛ فلكل لاعب مدربه الخاص بعيدًا عن المدير الفني العام الذي تنحصر مهامه في الأمور الإدارية واللوجيستية – بحسب أمجد.
مجددًا؛ تأهلت "لي" إلى الأولمبياد المقامة في ريو دي جانيرو عام 2016. وعلى عكس المتوقع منها؛ فقد هبط أداؤها؛ لتحتل المركز العاشر، وظنت أن مسيرتها انتهت عند هذه النقطة. لكن أدرك مدربها ما حدث لها: "كانت تحت ضغط نفسي كبير؛ لأن اللجنة الأمريكية المُنظمة كانت تتعامل معها بطريقة أنها يجب أن تحصل على ميدالية بدرجة تزيد ضغطها لدرجة كانت تبكي قبل كل مباراة".
هنا ظهر جانب آخر للمدرب يرى أمجد أنه لا غنى عنه؛ وهو اهتمامه بالحالة النفسية للاعبته أكثر من أي شيء، وأن يساعدها على تجاوز كل ذلك، والمضي معها قدمًا. يقول أمجد: "في هذه اللعبة وتحديدًا مع الفتيات لا بد أن أنتبه إلى حديثي معها عندما تفوز أو تخسر أو تمر بأوقات صعبة".
وصل الأمر به أنه كان يترك مفتاح ناديه لـ"لي" وزوجها – وهو لاعب أيضًا - ليذهبوا في أي وقت ويتمرنوا ويطلبوه إن احتاجا إليه؛ لأن كليهما طالب طب، ومواعيد محاضراتهما قد تختلف مع مواعيد التدريبات.
يؤمن أمجد بأن المدرب يجب أن يكون مُنفتحًا، ويهيئ كل الظروف للاعب؛ ليخرج منه بأفضل نتيجة، ليس في البطولات فقط، ولكن في التدريب أيضًا، وهو ما يذكر أنه كان أحد أسباب خلافه مع إدارة المنتخب بمصر؛ حيث ترى أنه لا يحق لأحد حضور التدريب بعد موعده؛ في حين أن أمجد يتفهم ظروف بعضهم ويريد ألا يمنعهم.
خلال أربع سنوات فقط؛ ظهرت "لي كييفر" في نسختها الجديدة الأكثر تطورًا. استطاعت الفوز بأكثر من ميدالية في بطولات العالم، ومنها البطولة التي أقيمت في مصر، وصارت جاهزة تمامًا لأولمبياد طوكيو 2020. لكن حضرت أزمة فيروس كورونا مؤجلة معها كل شيء؛ ومنها الأولمبياد.
في تلك الفترة؛ أغلق أمجد أبواب ناديه لمدة ثلاثة أشهر مرت عليه ثقيلة، وصعبة خاصة أنه فقد زوجته منذ عامين. ثم فكر في فتح الحديقة الخلفية لمنزله؛ لتدريب كل لاعب بمفرده. رغم أن تدريب هذه اللعبة لا بد أن يتم في مكان مغلق: "حاولنا تخطي الأمر"، إلى أن فتحت أبواب ناديه مرة أخرى بشرط تقليل الأعداد.
لدى أمجد في النادي 50 متدربًا من الشباب والفتيات بين 6 أعوام حتى 70 عامًا. ويعاونه اثنان فقط، منهم ابنته التي كان يدربها منذ سن الـ13، وفضلت أن تعمل معه على أن تصبح لاعبة، عكس شقيقها الذي شارك في بطولاتٍ بجامعته، وأخرى باسم مصر قبل أن يترك اللعبة مؤخرًا.
أخيرًا حانت اللحظة التي انتظرها "لي" وأمجد معًا؛ لقد تقرر إقامة أولمبياد طوكيو هذا العام."لي" عازمة على تحقيق هدفها والحصول على الميدالية، لكن مدربها قرر أن يتعلم مما مرا به ويتجنب أي ضغوط: "قلت لها لنركز على كل مباراة على حدة، ولا نكترث بالميدالية".
كانت مفاجأة بانتظار أمجد في اليوم السابق لأول مباراة. ذلك عندما علم أن "لي" ستواجه أميتا بيرتيير، لاعبة سنغافورة، وهي تتدرب عنده في النادي أيضًا، وقد طلب منه تدريبها لكنه اعتذر: "بالتأكيد لحظة صادمة.. جلست في مقعد المدرب والتزمت الصمت طوال المباراة".
فازت "لي" بالمباراة الأولى، ثم الثانية والثالثة والرابعة حتى وصلت إلى الأخيرة، وهي الأصعب؛ لأنها ستواجه اللاعبة الروسية آنا ديريجلازوفا، التي يقول عنها أمجد: "تبدو كأنها لا تُهزم".
قبل المباراة؛ كرر أمجد نصيحته للاعبته بألا تكون "هدفًا سهلًا" لتلك الفتاة التي تعتمد على قوتها الجسمانية. فركز في خطته معها -حسبما يحكي- بأن كلما اقتربت اللاعبة الروسية منها لتهاجمها فتبتعد وتتحرك جيدًا بقدمها ولا تجعليها تسيطر عليها.
بتلك التعليمات؛ تمكنت لي كييفر (27 عامًا) من الفوز بنتيجة 15-13. ثم نزعت قناعها بعد النقطة الأخيرة وصرخت "يا إلهي!"، مسرعة نحو مدربها صاحب الـ57 عامًا لتحتضنه وتبكي. فلقد حصلت على أول "ذهبية" لها بعد رحلتهما الطويلة سويًا.
لن يحصل أمجد على أي مقابل مادي بعد هذا الفوز الكبير. إذ يوضح أن الأمر في الولايات المتحدة مختلف؛ فلا يأتي دعم أو مكافأة من أي جهة. رغم ذلك؛ لقد حققت "لي كييفر" له حلمًا كبيرًا جاء لأجله من مصر إلى الولايات المتحدة قبل 18 عامًا.
لكنه ما زال يحلم بأن يصنع "لي كييفر" جديدة، وبالفعل يجهز لاعبين، بينهم فتاة عمرها 6 سنوات يراهن على فوزها بميدالية الأولمبياد يومًا: "لا أعلم إن كنت سأظل على قيد الحياة أم لا.. لكنني سأخطط دومًا لسنوات قادمة وأولمبياد جديدة".
فيديو قد يعجبك: