زواج مع وقف التنفيذ.. رحلة سيدات تحت عذاب "بيت الطاعة"
كتبت- شروق غنيم:
ظنت منى السيد أنها وصلت إلى نهاية الطريق؛ أخيرًا قد حصلت على حُكم الطلاق بعد عام ونصف من الإجراءات في ساحة المحكمة، لكن أيام معدودة ووصلها نبأ جديد في مسار القضية، يحمل بين طياته خبرًا صادمًا، إذ استأنف الزوج على حُكم الطلاق ومعه إنذار لـ"بيت الطاعة".
ارتبكت السيدة الثلاثينية وقررت التوجه إلى المُحامي الخاص بها للاستفسار عن الأمر، غُصة شعرت بها أن مازال أمامها إجراءات جديدة لنيل حُريتها "خاصة أن خلال فترة القضية، لم أكن أتقاضى أي نفقات سواء لي أو لصغيري، بالإضافة إلى أنني رفعت الدعوى للضرر بسبب زواجه من امرأة أخرى"، لا تزال تتذكر منى حين بدأت رحلة الانفصال عقب 8 سنوات من الزواج "حاولت في البداية بشكل وِدي لكني فشلت، حينها قال لي إذا بدأتي في إجراءات المحكمة، هتشوفي أسوأ نسخة قد تتصوريها عني"، وقد كان.
بيت الطاعة، هو إجراء قانوني يعطي للزوج الحق في إجبار زوجته أن تعود إلى بيت الزوجية واذا امتنعت فإنها تعتبر ناشزًا، أي تفقد المرأة حقوقها من نفقة العِدة لمدة 3 أشهر، ونفقة المُتعة لمدة على الأقل عامين فضلًا عن مؤخر الصداق إذا وُجد، ولكن إذا تقدّمت خلال 30 يومًا بما يُفيد بتضررها من الزوج، يسقط إنذار الطاعة.
لم تكن تلك المفاجأة الوحيدة التي واجهت منى في القرار الجديد؛ إذ وجدت أن الإنذار يحمل مكانًا سكنيًا قديمًا استقرا به بشكل مؤقت "وهناك اختلاف كبير بين تلك المنطقة السكنية والتي عشنا بها فيما بعد، إذ أن الجديدة تقع في حي مُكلِف.. أخبرني المحامي أنها حيلة لتقليل من مقدار النفقة".
بثِقل عادت منى مُجددًا لمسار الجلسات حتى تُقدم الأوراق اللازمة لعدم المثول لـ"بيت الطاعة"، تأثرت معنوياتها مُجددًا، وصارت القضية حِملًا كبيرًا "لأنه بعد ذلك صار يأتي إلى المنزل مُتعللًا بأن حكم الطلاق ليس نهائيًا.. كان يجلس معي في نفس البيت وكانت أسوأ فترة نفسية أمر بها"، لكن في النهاية تمسّكت الأم الثلاثينية بالأمل "كنت أدرك من تجارب من حولي أنه مشوار طويل، لكن رغم كل شيء كان شعورًا مؤذيًا، حينما اقترب من الحصول على حُريتي، يستطيع التحايل على الأمر، حتى أنني قررت تأجير منزلًا لي ولابني".
طُرحت قضية "بيت الطاعة" بقوة على منصات التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية، بعدما تم تناولها في عمل درامي في الموسم الرمضاني من العام الحالي، فضلًا عن تعرض إحدى الممثلات للموقف ذاته خلال الشهر المنصرف.
وكان شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب تعقيبًا على القضية، إذ قال إنه "لا يوجد بيت طاعة في الشريعة الإسلامية"، لافتا إلى أن "من أهم ما أكده العلماء في فقه المرأة إلغاء ما يعرف ببيت الطاعة إلغاء قانونيا قاطعا لا لبس فيه ولا غموض لما فيه من إهانة للزوجة".
وتنص المادة 11 مكررًا ثانيًا من الرسوم بقانون رقم 25 لسنه 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 على أن (اذا امنتعت الزوجة عن الطاعة الزوج دون حق توقف نفقة الزوجة من تاريخ الامنتاع وتعتبر ممتنعة دون حق، اذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج اياها للعودة بأعلان على يد محضر لشخصها او من ينوب عنها وعلية ان يتبن فى هذا الاعلان المسكن والطالب ينذر المعلن اليها بموجب هذا الاعلان للعودة الى منزل الزوجية والا اعتبرت ممتنعه دون وجة حق عن طاعته وتوقف نتقفتها من تاريخ الامتناع).
على مدار أربع سنوات من العمل في قضايا الأسرة، تقول سلمى محمد أن دعوات الطلاق قد يصل مدة البت فيها من 7 أشهر إلى عام كامل "والأمر اختلف خلال العام الماضي، بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد وفترة الإغلاق حدث تأجيلات لمدد أطول في بعض قضايا الطلاق".
وتُعزي المحامية الثلاثينية لجوء بعض الأزواج لـ "بيت الطاعة"، إلى محاولاتهم لتعطيل مسيرة القضية وتأجيل حصول السيدات على حقوقهن المادية "حينما يحدث ذلك مع أي موكلة، يُصيبها الارتباك، لكننا نطمأنها بأن القرار لن يُنفذ إذا سِرنا في مسار الاعتراض على القرار، من خلال تقديم أوراقًا أو شهودًا على وقائع اعتداء خلال 30 يومًا وفقًا للمعايير التي حددها القانون".
لكن الطريق لم يكن يسيرًا بالنسبة لسيدات أخريات مثل دينا عبدالناصر، إذ فوجئت رغم إتمامها لكافة الأوراق للاعتراض على إنذار الطاعة في المواعيد المُحددة، أن الزوج قد تقدّم بورق أخر يقول العكس.
صدمة حَّلت على الفتاة العشرينية والمحامي الخاص بها؛ إذ أنهما تأكدا من تقديم كافة الأوراق "لكن للأسف المٌحامي الأخر قد أعّد أوراقًا غير حقيقية تُفيد بأنني لم استكمل كل الأوراق الخاصة بالاعتراض على إنذار بيت الطاعة". لمدة شهرين حاول محامي دينا إثبات العكس حتى صدر قرار النيابة العامة بتزوير الأوراق "ومن أجل الفصل في الاعتراض على بيت الطاعة، قضيت 6 أشهر أخرين".
"توقفت حياتي لمدة عام ونصف، ومعها عدم استقرار نفسي لابني بسبب محاولات الانتقام مني لأنني رفعت دعوى الطلاق"، لكنها تنفست الصعداء حينما حصلت على حُكمًا نهائيًا رغم المعاناة التي لاتزال تتكبدها من أجل الحصول على النفقات "حتى الأن أذهب للمحكمة لأخذ مستحقاتي أنا وابني".
كانت نيفين أشرف تُصارع الزمن حتى لا تخسر نفقاتها بسبب إنذار بيت الطاعة.في البدء رفعت السيدة دعوى خُلع لكن فيما بعد تخلّت عنها وتقدمت على إجراءات الطلاق، حينها ظن المُحامي بأننا حتى لو استقبلنا إنذارًا بالطاعة فليس له معنى لأنني في البدء رفعت دعوى خُلع، لكنها اكتشفت العكس قبل ثلاثة أيام فقط من انتهاء مُهلة الشهر، ومعها انقبض قلبها بإمكانية حدوث ذلك، إلا أن اتجاهها لمُحامية جديدة أنقذ لها الموقف.
رغم حصول السيدات على الطلاق، إلا أن ندبة تظل بداخلها من الإجراءات والطُرق التي يسلكها الرجل للحيلولة دون حصولها على حقوقها، تحاول مُنى تجاوز التجربة الثقيلة، وأهمها ألا تمس صغيرها بسوء "أصبحت متصالحة مع الوضع بشكل أفضل، لكن مازلت أنزعج لأن علي كل فترة اللجوء للمحكمة من أجل الحصول على مستحقات ابني وتأجيلها من وقت لأخر"، ومع كل مشوار جديد، تتمنى السيدة الثلاثنية أن يكون الأمر أكثر مُراعاة للمرأة.
*تم تغيير اسماء السيدات بناء على رغبتهن.
(تم إنتاج هذه القصة بدعم من مجلة "احكي" والسفارة الهولندية بالقاهرة، نتاج لورشة تدريب الصحفيين على تناول القضايا الحساسة للنوع الاجتماعي).
فيديو قد يعجبك: