بحثا عن اكتشافات جيولوجية.. مغامرة مثيرة مع سلام لاب في الصحراء الغربية (قصة مصورة)
تصوير: تحسين بكر
رفقة مجموعة من عشاق الجيولوجيا ينطلق الدكتور هشام سلام، أستاذ الحفريات بالجامعة الأمريكية ومؤسس مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، في رحلة استكشافية مع باحثيه وطلابه من الفريق العلمي الخاص به والذي يسمي "سلام لاب" داخل الصحراء الغربية للبحث عن حفريات وفقاريات تعود إلى ملايين السنين ، تجربة لا تخلو من الإثارة والمتعة والمعرفة واكتشاف أشياء بالغة الأهمية.
على مدار أيام عديدة ينهمك "سلام" في ترتيب كافة التجهيزات المطلوبة مع فريقه "سلام لاب" خلال الرحلة، احتياجاتهم من الخيام والطعام والمياه والأجهزة العلمية والأدوات والمواد المستخدمة في التنقيب عن الحفريات والمجهر الضوئي ومصادر للإضاءة قبل الانطلاق إلى وجهتهم على بُعد 15 كيلو متر من بوابات محافظة الفيوم و20 كيلو متر في عُمق الصحراء الغربية وغرب النيل بحوالي 40 كيلو متر، وتحديداً شمال بحيرة قارون.
يتحرك الفريق في السادسة صباحا في اتجاه المنطقة المنشودة وعند وصولهم مباشرة يتم تقسيم الأدوار عليهم بين نصب الخيم ونقل كافة المواد بداخلها، يلتقطون أنفاسهم من الإرهاق ويحصلون على قدر من الراحة قبل السير في مجموعة واحدة بعيدا عن منطقة الإعاشة بحثا عن ما تبقى من الأسماك والزواحف والتماسيح والأفيال والضباع وغيرها من أسلاف الحيوانات التي عاشت بالمنطقة في عصور قديمة.
يحرص "سلام" على الحديث مع فريقه عن طبيعة المنطقة، ويقول عن ذلك: "أجرينا دراسة مطولة عن المكان منذ أكثر من 6 أعوام، وهي جزء من صحراء منخفض الفيوم، كانت تُغطى بالكامل بمياه البحر المتوسط وتحولت فيما بعد إلى مستنقع ثم لواحدة من أشهر الغابات الكثيفة في إفريقيا، لذلك تمتلئ بالعديد من الحيوانات التي تنتمي لعصور مختلفة".
نظرا لحرارة الشمس الشديدة وأجواء الطقس يعمل سلام وفريقه من الصباح الباكر حتى الظهيرة، ينشغل كل فرد في استخدام أدواته الخاصة للتنقيب بحذر شديد وعناية بالغة وعندما ترتسم السعادة على وجوه أحد الأشخاص يعلم الجميع بوجود حصيلة جيدة من الاكتشافات فينطلق نحوه باقي أفراد الفريق.
على مدار أيام نجحت المجموعة العلمية في العثور على عشرات الأجزاء المتعلقة بحيوانات عاشت في المنطقة من ملايين السنين ، كما يؤكد لنا أستاذ الحفريات بالجامعة الأمريكية، من بينها فقرات وحفريات سمكة قرموط كبيرة الحجم وفك وطواط (خفاش) وأسنان سمكة قرش وجلد أسماك متحجر وحرشفيات تمساح، لتبدأ مرحلة نقل تلك الكنوز بخطة محددة وواضحة.
من أجل استخراج تلك الحفريات، عمل الفريق العلمي لسلام لاب على إزالة جزء كامل من الصخور بطريقة تسمى "عمل جاكيت" من خلال إحاطتها بطبقة من الجبس وتركه عدة ساعات حتي يجف ثم تبدأ عمل نزع الكتلة من الأرض كخطوة قبل إرسالها إلى المعامل لتحليلها واستخراج الحفريات منها بدقة، بينما يتم حفظ باقي الأشياء التي عُثر عليها في أكياس محكمة الغلق مع كتابة اسمها العلمي عليها للتعرف عليها فيما بعد ..
لابد من الحصول على راحة عند اشتداد حرارة الشمس، يجلس الفريق داخل الخيام، البعض ينشغل بطهي الطعام، فيما يوضح مؤسس مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية أهمية التجربة قائلا: "تلك الرحلات الاستكشافية هدفها إثراء علم الجيولوجيا والمساعدة في كتابة تاريخ الكرة الأرضية وتاريخ حياة الكائنات الحية علي سطحها".
لا تخلو التجربة من الصعوبات، أولها دخول السيارات الغير رباعية الدفع في منطقة ممتلئة بالرمال حينها تحتاج إلى مساعدة أفراد الفريق في دفعها للخروج من غرز الرمال، وحتي الأعطال الميكانيكية الفجائية في سيارات الدفع الرباعي نظراً لوعورة الممرات والمدقات الصحراوية والتي تؤثر بشدة علي سيارات البعثة يتم إصلاحها ومعالجتها من أعضاء الفريق العلمي.
أيضا يتعامل أعضاء البعثة بحرص شديد مع المياه المتوفرة، لا يمكن استخدام كم كبير منها أو السماح بإهدارها دون فائدة فضلا عن عدم وجود أي مصدر للكهرباء لذلك يتطوع البعض لمغادرة المنطقة الصحراوية المختارة من أجل شحن البطاريات والهواتف وجميع الأجهزة في قريتي قريبتين من موقع العمل "عزبة برغوت" وعزبة "سعيد البصيري" وكذا شراء المأكولات والمشروبات التي تكفي لعدة أيام علي أن يعودوا بعدها بساعات إلى معسكر المجموعة.
لدى الفريق أيضا طقوس لابد من الحفاظ عليها من أجل السلامة الشخصية، أولها هي عمل حفرة وإلقاء جميع المهملات والأطعمة المتبقية وحرقها سريعا حتى لا تصبح مصدر لقدوم الحيوانات الشرسة إلى منطقة الخيام التي يمكثون فيها كما يمكن الانتقال من مكان لآخر في حالة استشعار الخطر، غير أن "سلام" يؤكد على أن التجربة آمنة وتمر بسلام في كل مرة يذهب فيها للصحراء.
من حين لآخر تنضم إلى الفريق الدكتورة سناء السيد، نائب مدير مركز الحفريات الفقارية بكلية العلوم جامعة المنصورة، للاطمئنان على المجموعة وللتعرف على النتائج التي تحققت خلال الرحلة وإبداء بعض النصائح والآراء ومنحهم بعض المؤن في حالة الاحتياج إليها، تقضي معهم ساعات طويلة أو عدة أيام قبل أن تغادر على موعد بزيارة قريبة.
يستكمل الفريق عمله بعد انكسار حدة الشمس وتستمر حتى الغروب ويعملون على جمع أدواتهم وحمل المعدات على الأكتاف في اتجاه الخيام، يستلقي كلا منهم على الأرض مستمتعا بمشهد السماء الخلابة بينما يتطوع أحدهم لإعداد العشاء، وبينما تدور الصحون بينهم تطل الحكايات العلمية والمواقف الإنسانية في أحاديثهم فتعلو الضحكات في قلب الصحراء.
بعد أيام من بداية الرحلة تنتهي التجربة، يحمل أفراد الفريق كم جيد من الاكتشافات إلى السيارات، يظهر الإرهاق على المجموعة لكن لمعة تسير في أعينهم وهم ينظرون إلى الحفريات التي عُثر عليها، يغادرون المنطقة على لقاء بموعد قريب لمزيد من الرحلات والجولات الاستكشافية الممتعة.
فيديو قد يعجبك: