أحلام المتفوقين في ثانوية "الدمج" يحبطها الخيارات المحدودة في الجامعة
كتبت-إشراق أحمد:
بالكاد استطاعت هايدي سامي النوم الأيام الماضية. لم تدم الفرحة التي حلت بالمنزل بعد نتيجة الثانوية العامة وحصول ابنتها تسنيم على مجموع 95.6%، انطفأت مع كلمات معدودة "بنتك ما تدخلش عندنا". في ثوان انهارت آمال الأم أثناء التنسيق الجامعي مع سؤال أكثر من كلية، ليس للمجموع علاقة بالرفض، بل كونها من ذوي الاحتياجات الخاصة.
بدأت، السبت الماضي، المرحلة للأولى لتنسيق الجامعات، توجهت هايدي وابنتها إلى جامعة الإسكندرية، كانت قبلتها نحو كلية الأداب، مكان حلم تسنيم بدارسة الإعلام أو الآثار، لكنهما استقبلا المفاجأة "متاح 6 أقسام لطلاب الدمج هي عربي- تاريخ- فلسفة- علم نفس واجتماع- مكتبات"، أما ما تريده الطالبة فلا مقعد لها فيه حتى وإن وافق مجموعها، وأما السبب فيعود لـ"قانون الدمج" كما أخبروها.
عام 2018 صدر قانون رقم 10 بشأن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، حظي بترحاب لما يتضمنه من نصوص تعطي تدفع نحو واقع أفضل لأصحاب الإعاقات المختلفة. تنص المادة العاشرة من القانون على أن تلتزم كافة الوزارات المختصة بالتعليم باتخاذ التدابير اللازمة للحصول على تعليم دامج في المدارس والفصول والجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية الحكومية وغير الحكومية المتاحة للآخرين، والقريبة من محال الإقامة في ضوء نوع ودرجة الإعاقة علي أن يتوافر فيها معايير الجودة والسلامة والأمان والحماية.
كما تُلزم المادة رقم 11 مؤسسات التعليم الحكومية وغير الحكومية بمختلف أنواعها بتطبيق مبدأ المساواة بين الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم ، ويجب على هذه المؤسسات الالتزام بقواعد وسياسات الدمج التعليمي للأشخاص ذوي الإعاقة، وتوفير فرص تعليمية متكافئة مناسبة لجميع أنواع الإعاقة ودرجاتها، كما نصت على حظر حرمان أي من ذوي الإعاقة من التعليم أو رفض قبوله الالتحاق بالمؤسسات التعليمية بسبب الإعاقة، ووضعت عقوبة.
تندرج الحالة الصحية لتسنيم تحت خانة صعوبات التعلم "بتتكلم ببطء" كما تصف والدتها نافية عنها التلعثم والتهتهة، مدللة بإلتحاقها بكورال مدرستها في الإسكندرية التي تطبق نظام الدمج، أما تحصيلها العلمي فتشير هايدي إلى تمكن ابنتها من بلوغ المرحلة الثانوية وتفوقها بتجاوز درجاتها 90%.
في الثالثة من عمرها اكتشفت هايدي ما تعانيه ابنتها، تجاوزت مثل العديد من الأمهات الصدمة بعد معاناة "كان بيجي عليا ليالي بفكر يا ترى بكرة فيه إيه. يا ترى يا بنتي هتبقي فين هتكملي هتاخدي الابتدائية". كلما تجاوزت تسنيم مرحلة تعليمية، زادت الأم قوة حتى بلغت الثانوية العامة، حرصت أن تجمع قصاصات الجرائد لأسماء طلاب "دمج" خاضوا التجربة من قبل وتحصنت بالأمل.
أكثر من 15 عامًا وتنتظر هايدي أن تلتحق تسنيم بالجامعة مثل شقيقتها الكبرى طالبة الهندسة "إحساس إني بجري طول السنين واللحظة دي اللي باخد فيها الكنز بعد المشوار الطويل". ظنت الأم أن التفوق كافي لتحقيق حلم ابنتها لكن الصدمة حلت بهم "بعد التفوق والشقى ده حد يقول لك كل ده مالوش لازمة وزيك زي اللي جاب 50 و60% ومالكيش أي تقدير".
كذلك عادت ميرنا عبد الرحمن للخوف مرة أخرى. تنامى لسمع الطالبة أن رغبتها لن تتحق "عايزة ادخل كلية تربية وأدرس تاريخ". منذ عمر الرابعة وعزمت ميرنا على هذا لشغفها بهذه الدراسة. اجتهدت كعادتها طيلة أعوام الدراسة رغم المشقة التي تعانيها لملازمتها الكرسي المتحرك لظروفها الصحية المتعلقة بإصابتها بالشلل الدماغي، لكن الفتاة لم تلتفت لشيء سوى محبتها للتعليم كما تقول والدتها.
حصلت ميرنا على مجموع 96%. كانت لحظة مرضية للطالبة وأسرتها بعدما عم الحزن على الطالبة "كنت واثقة عملت ايه في الامتحانات لكن لما الوزير عمل مؤتمر وقال المجاميع قليلة خوفت". أملت الفتاة أن ترى اسمها بين أوائل ثانوية الدمج، جلست تنتظر مع أمها حنان السيد لعلها ترى ما تتمنى "لما الوزير أعلن عن الأسماء زعلت لكن لما عرفت النتيجة فرحت أن مجموعها هيدخلها اللي هي حاباه"، غير أن الارتباك حل مرة أخرى.
لا ترغب ميرنا إلا في الالتحاق بكلية تربية أو التجارة، لا ترى قدراتها في طريق آخر "زي ما بدرس لنفسي هعرف أدرس لغيري"، لذا لم تستمع لما يتداول ورتبت رغباتها كما تريد.
أما تسنيم فهيأتها والدتها لتقبل كل الاحتمالات غير المرغوبة "قلت لها خلاص أحنا حاربنا وربنا ما اردش.أكتر من كده هتتعبي وأنا كمان هتعب فنرضى باللي هيحصل". خاضت الطالبة امتحان القدرات لكلية السياحة والفنادق لكن ما كان الأمر يسيرًا "بعد ما قدمنا ودفعت الفلوس قالوا لي بنتك مالهاش أنها تمتحن"، بعد إصرار تمت الموافقة "كانوا فاكرين أنها هتسقط لكنها نجحت". 50 سؤال أجابتها تسنيم، فضلاً عن أن مجموعها مرجح أن يوافق الكلية، إلا أن المصير بالرفض متوقع "سألت لما روحت الجامعة قالوا لي مش هتدخل".
حزنت تسنيم ووالدتها لكن قررا كتابة الرغبات بشيء من الأمل "كتبنا سياحة وفنادق الأول لو رفضونا هناخد الرغبة التانية كلية أداب وتدخل قسم من الستة المتاحين". تشعر الأم بغصة لصدمتها بالواقع الذي لم تكن تعلم عنه شيئًا "كنت عارفة أن لو بنتي تفوقت الدولة هتوفر لها الدعم وتدخل الكلية اللي عايزاها طالما مجموعها يدخلها".
أُطلق على 2018 "عام ذوي الهمم" بالتزامن مع إصدار القانون، وكان المجلس الأعلى للجامعات المصرية حدد حينها شروط القبول في الجامعات لذوي الإعاقة، بألا يقل المجموع على 50%، على أن تكون الكليات بالنسبة للمكفوفين "الأداب-دار العلوم- الألسن- الحقوق- الخدمة الاجتماعية)، أما باقي الإعاقات فاقتصرت الكليات على الأداب والحقوق والتجارة.
نحو 118 ألف و280 طالبًا وطالبًا تقدموا للمرحلة الأولى من التنسيق، من بينهم تسنيم وميرنا، تنتظر الطالبتان النتيجة المتوقع ظهورها، مطلع الأسبوع القادم بشيء من القلق على عكس ما توقعوا بعد تفوقهما في الثانوية العامة. لا تعلم حنان والدة ميرنا ما المصير، تختنق دموعها بينما تتصور إذا حالت الظروف بين حلم ابنتها "لو راحت مكان أقل أو دخلت حاجة غير اللي هي حاباها هتتحطم ومش هتوصل للي هي عايزاه".
تثق الأم في قدرات ميرنا التي طالما رفضت مرافق لها في الامتحان لتكون مثل زملائها لكن تستشعر مقدار الحزن الذي سيلم بها، وكذلك تفعل هايدي، تعلم أن طفلتها طبيعية، ولديها معرفة وتقبل لوضعها الصحي الذي لا يعيقها عن فعل شيء، فكانت الفتاة المثالية بالمدرسة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية لأنها تبذل قصارى جهدها. ودت لو تغير الواقع حتى وإن لم تلحق به ابنتها، فيما توقن بما ظلت تخبرها به لتحصنها من حالات الرفض "اللي ميعجبوش تسنيم يخلق أحسن منها".
فيديو قد يعجبك: