هبة وأصابع البيانو.. عازفة تعود للموسيقى بعد 8 أعوام من الأمومة (صور)
قصة-شروق غنيم ورنا الجميعي:
آمنت هبة سليمان بنفسها، كانت تعلم أن الله أعطاها نفحة من حُب الموسيقى، منذ صغرها أحبّت العزف على آلة البيانو، حتى أصبحت مُتمرسة فيه، لكنها فوجئت بعد سنوات بأنها مسئولة عن طفلين، محت تلك الأعوام خبرتها الكبيرة كعازفة بيانو، وأدّت دورًا وحيدًا هو دور الأم لثماني أعوام، لتنقلب الأيام ثانية وتقف أمام جمهور الجامعة الأمريكية كموزعة وعازفة بيانو.
فزعت هبة حين دعتها صديقتها نيفين قناوي، رئيس مهرجان "هي الفنون"، لإقامة فقرة خاصة بها تعزف فيها البيانو على مسرح مركز التحرير الثقافي بالجامعة الأمريكية، لم تكن مُستعدّة لمواجهة الجمهور رغم علمها بأن الموسيقى دومًا ما تحتاج للتقدير الذي يمدّه بها المُستمعين، ثماني سنوات كانت كفيلة لتفقد ثقتها بنفسها، وتنسى أن ما فعلته في الماضي، كموزعة وعازفة، يُمكن تكراره مرة أخرى، صارت تلك الحياة بعد الزواج كذكريات بعيدة "لكن حسيت إني محتاجة الفرصة دي رغم الخوف، وقولت لازم أجازف".
يُذكر أن مهرجان "هي الفنون" الدولي هو فعالية ثقافية تُقام للمرة الأولى في مصر، لتسليط الضوء على دور المرأة في مجالات الفنون المختلفة، وأقيم المهرجان خلال أيام الخميس والجمعة والسبت الماضيين.
تُعتبر هبة واحدة من الأمهات اللاتي تُعيقهن رعاية الأطفال عن العمل، وبحسب الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة العمل الدولية فإن 55%من النساء في العالم في الفئة العمرية (15 - 64 عامًا) مُنخرطات في سوق العمل مقابل 78% من الرجال في الفئة العمرية ذاتها، وتُشكّل أمهات الأطفال الأقل من 5 سنوات أدنى نسبة من العاملين، تُدرك هبة أن لا فرق بين الرجل والمرأة، وما يُعيق المرأة في سوق العمل هو المسؤوليات التي يفرضها المُجتمع عليها "واجبي كأم خلاني أبعد عن مجال الموسيقى السنين دي كلها".
منذ صغرها أحبّت هبة الموسيقى، فقد نشأت في أسرة فنية، حيث والدها عازف كمان وشقيقها عازف جيتار، ومالت أكثر نحو آلة البيانو "البيانو عمومًا آلة بيحبها الأطفال، عشان بيقدر يطلع منها أصوات كتير بخلاف باقي الآلات"، ورغم تخصصها في آلة الكمان بكلية التربية النوعية، ظلّ حُب البيانو مُستقرًا داخل قلب هبة، حيث اتجهت للممارسة بجانب الدراسة، ففي عامها الأخير بالكلية أسست باند موسيقي اسمه "من هنا وهناك" عام 2004 "لقيت نفسي بعد كدا بهوى التوزيع الموسيقي، بحب أسمع مزيكا قديمة وأحطّ عليها بصمتي".
ومن هُنا جاء اسم الباند الذي أسسته هبة، حيث كانت تعزف مقطوعات فولكلورية من مُختلف الدول العربية، لكن بتوزيعات جديدة، تعلم هبة أنها محظوظة في نشأتها داخل أسرة فنية، فلم يُعيقها ذلك عن تأسيس فريق موسيقي داخل مجال كان صعب على الفتيات التواجد فيه "ودا كان واضح عندي في الكلية، كان فيه عازفات عندهم مهارة كبيرة بس مكانوش يقدروا يلعبوا في باند".
وداخل الفريق حققت هبة نجاحات عديدة، ففي البداية أقاموا الحفلات داخل النادي الماروني بالإسكندرية، ثم مركز الإبداع الفني، وبعد ذلك في مكتبة الإسكندرية التي فتحت بابًا واسعًا من الأنشطة داخل المجتمع السكندري في ذلك الوقت. وقد أعطت تجربة قيادة فريق ثقة كبيرة لهبة "دايمًا كان عندي طموح إني أكون قائدة، كنت بقول لنفسي ساعات اشمعنى الولاد في الصدارة رغم إن ربنا خالقنا زي بعض".
خلال تلك الفترة من 2004 وحتى 2010 كانت هبة شُعلة نشاط "كنت حاسة إني مميزة كبنت وكفائتي خلتني أعرف أقود الفريق"، استمر الفريق حتى عام 2007 "بعد كدا بدأت الناس تنشغل في حاجات تانية"، ما جعل هبة تنضم لفريق موسيقي آخر، تعرفت فيها على زوجها المستقبلي، عازف الدرامز عمرو جلال، لكنها توقفت بعد ذلك عن عزف البيانو داخل الفرقة لدراسة الماجستير "بدأ انتاجي الفني يقل واستمريت في تدريس البيانو بس"، حيث تعينت هبة كمعيدة ثم وصلت بعد ذلك لدرجة مُدرس مساعد، واقتصر تأليفها الموسيقى على مسرح خيال الظل في نفس الفترة في مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية.
كان واحدًا من أحلام هبة تأليف الموسيقى التصويرية، وهو ما فعلته في مسرح خيال الظل "كنت حاطة في بالي إن مفيش ستات كتير في مجال تأليف الموسيقى التصويرية، وبحلم أكون مميزة فيه"، وبجانب مسرح خيال الظلّ قامت هبة بالتدريس أيضًا للأطفال في مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية خلال الفترة من 2006 لـ 2011، كُل تلك النشاطات جعلت هبة معروفة في الوسط السكندري المُوسيقي، كما تبنّاها الموسيقار دكتور راجح داود وشجّعها في مجال الموسيقى التصويرية.
تلك الأحلام توقفت مع مرحلة الولادة، تزوجت هبة في 2013، ولم تُخطط للحمل مُبكرًا، لكنها أنجبت موسى وايلين في عامين مُتتاليين "وده أصابني باكتئاب شديد، كان بُعدي عن الموسيقى قاتل بالنسبالي"، لأعوام لم تُمارس هبة سوى دورها الأساسي كأم "كنت شايفة إن ده واجبي تجاه ولادي طالما خلفتهم"، وابتعدت تمامًا عن العزف وتأليف الموسيقى "لكن مبطلتش تدريس بيانو".
تساؤلات عدّة حاصرت هبة خلال تلك الأعوام؛ متى ستنتهي تلك المرحلة من حياتها، هل ستتمكن من العودة مُجددَا أم لا، أسئلة كثيرة دارت داخلها، ومزاج سيء وإحباط استمرت عليه لسنوات "من جوايا كنت حاسة إني اتدفنت"، وعلى الرغم من ذلك كانت إرادتها القوية السبيل من الخُروج من تلك الحالة "كنت بقرأ كتير في الموسيقى وبطور نفسي طول الوقت، بس مكنتش عارفة الفرصة هتيجي امتى".
تعرضّت هبة لعدد من الضغوطات؛ من بينها انتقالها للسكن في القاهرة منذ 2016، بالتالي صارت وحيدة تمامًا -دون وجود عائلتها بجانبها- في أداء مسئوليتها كأم "فيه ناس بتقدر تعمل توازن بين شغلها وأولادها، لكن أنا كمان كنت لوحدي في القاهرة".
لم تعلم هبة أن الفُرصة ستُناديها بالفعل، اتصال صديقتها نيفين أنقذها، ومنذ منتصف شهر أغسطس الماضي بدأت في الاستعداد للحفل، اختارت ثلاث أغاني عربية، وقامت بتوزيعات جديدة لهم، كانت الفقرة الموسيقية برفقة زوجها جلال عازف الدرامز، وعازف الكمان محمد علي، "ولولا تشجيع جوزي ليا يمكن مكنتش قدرت أعمل ده".
وخلال فترة البروفات ساورت هبة أحاسيس عديدة مختلطة، ملأها الحماس والخوف والتردد في آن واحد، لكنّ الحماس دفع ببقية المشاعر جانبًا، فالتوزيع الموسيقي ظلّ واحدًا من أحلامها "أنا بحب أضيف رؤيتي الخاصة لأن الجيل الجديد مش هيسمع الأغاني القديمة بشكلها اللي عليها، وممكن بسبب كدا تندثر، عشان كدا حابة إني أقدمها بشكل جديد وأحافظ عليها".
يوم الخميس الماضي، على مسرح الجامعة الأمريكية وقفت هبة لمُدة ربع ساعة، قدّمت خلالها رؤية جديدة لموسيقى من أغنيات لأم كلثوم ومحمد قنديل ومحمد رشدي، كانت تمتلأ بالحماس والنشوة، أخيرًا جاءتها الفُرصة لأن تُصبح على طريق أحلامها "ومش هبطل خلاص، ولادي وصلوا لمرحلة يقدروا يعتمدوا فيها على نفسهم شوية، وهركز مع نفسي أكتر".
فيديو قد يعجبك: