بعد فوز الفيلم بجائزة دولية.. "أحلام منسية" يتحدث عن الوصم المجتمعي لمريض الفشل الكلوي
كتبت-رنا الجميعي:
"واحد من أكثر الأفلام الإنسانية التي رأيناها منذ سنين".. تلك كانت رسالة من قِبل المهرجان الدولي "international moving film festival" بُعثت إلى مخرجة الأفلام الوثائقية، مروة الشرقاوي، وقد فازت الشابة على إثر ذلك بجائزة أفضل فيلم وثائقي من ثاني أهم مهرجان سينمائي في إيران، والفيلم بعنوان "أحلام منسية"، الذي يحكي رحلة الشاعر عمرو اسماعيل مع مرض الفشل الكُلوي، وبين أروقة المستشفيات باحثًا عن حل لمشكلته الصحية، ويعتبر الفيلم دراما وثائقية تتضمن شهادة حية ومؤلمة في محاولات الانتصار على الواقع المؤلم.
كانت رحلة طويلة بالفعل بالنسبة لعمرو، حيث يحكي لمصراوي أنه اكتشف إصابته بمرض الفشل الكُلوي عام 2015، وهو في أوجّ شهرته كشاعر عامية، وبسبب ذلك الاكتشاف انقلبت حياته رأسًا على عقب "اتخضيت في الأول ومكنتش فاهم يعني ايه فشل كلوي"، لا ينْسَ عمرو حتى الآن موعد أول جلسة لغسيل الكُلى "يوم 20 نوفمبر 2015"، ومنذ ذلك الوقت عرفت أن حياته مرهونة بجلسات غسيل الكُلى التي تتم ثلاث مرات أسبوعيًا.
لكن ما ميّز عمرو هو تعامله طيلة الوقت مع المشكلات بالسُخرية والضحك "كبيري في الزعل خمس دقايق، حتى لما بلغت أصحابي واحنا قاعدين على القهوة اتصدموا أكتر مني"، تلك الطريقة ساعدت عمرو في التعامل مع المرض، وبسبب تلك الطريقة وجدت مروة أن عمرو هو بطل فيلمها القادم، ففي إحدى جلسات الحكي تعرّفت المخرجة على ذلك الشاب الذي يحكي بطريقة كوميدية عن مرضه "لفت نظري ومكنتش فاهمة كتير عن الفشل الكلوي، كنت فاكرة إنه مرض بيتم التعامل معاه بسهولة"، لكن بسبب حكي عمرو عن المرض تكشّف لمروة- في حديثها لمصراوي- أن الفشل الكُلوي ليس مرض بسيط أبدًا، فمريض الفشل الكُلوي يتم التعامل معه مُجتمعيًا بطريقة سيئة جدًا، وهو ما حدث مع عمرو أيضًا.
قررت مروة تصوير فيلم عن معاناة مريض الفشل الكُلوي "كنت حاسة إن عمرو شخص ثري بحكاياته وبيعرف يتكلم". وتُشير منظمة الصحة العالمية إلى أن معدلات الإصابة بالقصور الكلوي الحاد والفشل الكلوي المزمن في مصر تُقدّر بـ 225 حالة بين كل مليون نسمة، وتحتل مصر المرتبة الـ20 بالنسبة لعدد الوفيات الناتجة عن أمراض الكلى على مستوى العالم، وبالفعل وافق عمرو على تصوير الفيلم الذي استغرق حوالي ثلاث سنوات.
خلال رحلة مرض عمرو تجلّت صُور عديدة لمعاناته؛ من بينها أنه لم يجد عمل بسبب الرفض من أصحاب العمل "مكنش حد يرضى يشغلني عشان مواعيد الجلسات"، كما يقول إن بعض زملائه من المرضى أخفوا حقيقة مرضهم "عشان يلاقوا حد يقبل يشغلهم".
لم تكن تلك المُشكلة الوحيدة التي قابلت عمرو خلال رحلة مرضه، بل إنه واجه الرفض من قِبل أهل البنت التي ذهب لخِطبتها "والدها قالي انت ميرضكش أحفادي يبقوا يتامى بدري"، دُهش عمرو فمريض الفشل الكُلوي ليس مريضًا محكومًا عليه بالموت "قولت له هو انت ضامن لو اتجوزت حد سليم ميموتش في لحظة، هو أنت ضامن الأعمار".
لاقى عمرو الويلات بسبب نظرة المجتمع، لكنه كان يستطيع بطريقته الساخرة التعامل معه "نظرة المجتمع لمريض الفشل الكلوي وحشة أوي، بيصوا له على إنه هيموت بسرعة وإنه لا يصلح لفتح بيت أو شغل، أو إنه لا يصلح لعلاقة زوجية"، لكن ذلك غير صحيح، وقد كان ذلك هو الدافع لمروة وعمرو في تصوير الفيلم التسجيلي.
تحدي كبير واجه مروة خلال تصوير الفيلم "كنت عايزة أدخل لأعمق نقطة في نفس عمرو"، ولذلك قررت استخدام كاميرا جو برو، وهي كاميرا صغيرة الحجم خفيفة الوزن يمكن حملها بسهولة، وبتلك الطريقة قام عمرو بتصوير نفسه خلال يومه العادي "الكاميرا كانت معاه أغلب الوقت، وقدر إنه يخليها كأنها صديقته"، ومن هُنا كان الفيلم صادقَا تمامًا، فكل الشخصيات التي ظهرت الفيلم-وفي مقدمتهم عمرو- كانوا طبيعيين جدًا.
وتمكّن عمرو من تصوير أجواء جلسات الغسيل الكلوي، وأفراد أسرته بما فيهم والدته، كذلك زملائه من مرضى الكلى.
عايشت مروة رحلة عمرو مع المرض، وعلى صعوبتها نجح الشاب في تحقيق أحلامه، "بعد سنة قدر يعمل العُمرة اللي بيحلم بيها، وبعد سنة اتجمعت فلوس عملية زرع كلى، وبعد سنة عمل العملية ونجحت"، واجه عمرو أوقاتًا صعبة كان أسوأها انتظار نتيجة توافق التحاليل بينه وبين المتبرع، وبلغت المدة حوالي خمس شهور "دي كانت أصعب فترة عدت عليا"، وقد واجهت مروة لحظات مُخيفة جدًا أيضًا خلال تصوير الفيلم "لما كنت بسأل عمرو قبل العملية انت خايف؟، كان بيقولي إنه أكتر حاجة مخوفاه هو إنه ميشوفش الفيلم عشان أغلب الأفلام اللي بتتصور بالشكل ده البطل بيموت فيها".
لكن نهاية فيلم "أحلام منسية" كانت بالفعل نهاية سعيدة وشديدة الواقعية أيضًا، فكل الأحلام التي تمناها عمرو تحققت، فقد نجحت عملية زرع الكلى، ونال العُمرة أيضًا، كما أنه على وشك الزواج من فتاة يُحبّها، لكن مروة قررت تسمية الفيلم بذلك الاسم لأنها أهدته لكل مرضى الكلى الذين نسوا أحلامهم أو تركوها ورائهم قسرًا خلال رحلة معاناة شديدة لم تنتهٍ بعد.
فيديو قد يعجبك: