دخان 50 سنة محاماة.. سيجار فريد الديب ينطفئ
كتب- عبدالله عويس:
منذ 50 عاما أشعل فريد الديب سيجاره الأول، جنبا إلى جنب مع امتهانه المحاماة. لم يترك الرجل الأمرين حتى النفس الأخير. بأداء يخطف الأنظار، ترافع الديب. لغة عربية منضبطة المخارج، لا لغو فيها ولا لحن. نظرات يوزعها على محاوريه فتعطي انطباعا بذهن متقد، لكن لفائف التبغ التي أدمنها أضافت له لمسة أخيرة لكاريزما طاغية.
منتشيا بانتصاره، أو قلقا بشأن حكم، سيخفي المحامي الشهير انفعالاته في سيجاره. يجلس داخل قاعة المحكمة، وهو يخرج أحد أعواد الثقاب، ويشعل سيجاره، ويبدأ في سحب أنفاسه، ويطلق العنان للدخان وهو ينظر للأعلى. سيضيف المشهد رصيدا له في خزانة غضب شعبي من الرجل، الذي ترافع في قضايا شغلت الرأي العام، كان بعض أبطالها، من مدخني «السيجار البرجوازي» العادة السيئة، التي لا يخلو الديب من بعضها.
يحتاج السيجار عدة أنفاس سريعة متتالية حتى يشتعل، ثم تتوالى الأنفاس بطيئة، كذلك كان فريد الديب، الذي قضى عقودا طويلة مع السلك القضائي والمحاماة، قبل أن يكتسب شهرة وصيتا ذائعين. بداية من الدفاع عن أحمد الريان، في قضية توظيف الأموال، الأشهر في الثمانينيات. لكن الكاميرات صارت مسلطة عليه منذ قضية الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام في عام ١٩٩٧، وما تلاها من دفاع عن الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك ونجليه، انتهاء بإعلانه الدفاع عن قاتل فتاة المنصورة وهي أمور لم تضف لرصيده الشعبي سوى الغضب، لكنه لا يشعر بتأنيب ضمير، لأن «المخالفة في تطبيق القانون هي التي أدت لإفلات المجرم وليس المحامي» على ما قال في حوار صحفي.
ربما خسر الرجل بعض القضايا التي ترافع فيها، لم يكن الأفضل، لكنه الأكثر لمعانا وجذبا للأنظار، تميزه الكاميرات، وتتبعه الأضواء، وهو يمارس فن الإلقاء، والحركات المنضبطة مع إيقاع كلماته، وهو بين ذلك كله لا يترك السيجار. سيظل يسحب الأنفاس ويطلقها، حتى يظهر الرماد شيئا فشيئا على لفافة التبغ، وتنطفئ الشعلة، فلا يبقى في السيجار نفس، ولا في الصدر شهيق أو زفير.
يصف الرجل الذي توفي صباح اليوم، الثلاثاء، عن عمر يناهز الـ79 عاما، في حلقة تلفزيونية، عام 2017 عادة التدخين بأنها سيئة «ولا أدعي أنني أخلو من عادات سيئة منها التدخين، لكن أنا مدمن سيجار بقالي 45 سنة، وهو الشيء الوحيد الباقي اللي بستمتع بيه، ولما بقعد ساعات طويلة بدون السيجار بتعب».
فيديو قد يعجبك: