مُرممات "بعثة شيكاغو".. مهمة أثرية هامة داخل معبد هابو (صور)
كتب- محمد مهدي:
مع الخيوط الأولى للصباح يُصبح المشهد داخل معبد هابو ساحرا، مزيج من الهدوء وجمال الأعمدة والتماثيل وحركة العصافير المنتشرة بالمكان الواقع في محافظة الأقصر وفي أحد أركانه تنهمك مجموعة من الفتيات في عملهن بالترميم ضمن "بعثة شيكاغو" للمساهمة في إعادة الحياة للعديد من القطع الآثرية الهامة بالمعبد العظيم.
لفترات طويلة لم يكن للنساء فرصة كبيرة في مجال الترميم لكن الأمور تغيرت خلال الأعوام الأخيرة، وفقا لتصريحات محمد أبوالمكارم، مسؤول مجموعة ترميم بعثة شيكاغو بمعبد مدينة هابو لموقع مصراوي، حيث أشرف على اختيار أعضاء الفريق المكون من 11 فتاة وسيدة و3 رجال فقط في البعثة التابعة للمعهد الشرقي لدراسات البحوث الأمريكية بجامعة شيكاغو.
وتعد "بعثة شيكاغو" أحد أبرز البعثات الأثرية المتواجدة في مصر منذ سنوات طويلة وساهمت في ترميم العديد من المعابد والمناطق التاريخية وخاصة في محافظة الأقصر، وعندما جرى الاستعانة بأبوالمكارم لقيادة فريق معبد هابو كانت الأولوية هي ضم عناصر نسائية للمشروع "هما بيقدروا المرأة العامة، والحقيقية إن المرممات عندهم ميزة وهي الصبر والاهتمام والدأب خلال العمل والدقة البالغة عند التعامل مع الأثر".
ولساعات طويلة تنشغل المُرممات الأثريات في استكمال جدران رمسيس الثالث في معبد هابو "والأبواب الخلفية للمكان عن طريق التوثيق الجيد للقطع الآثرية ثم العمل على ترميمها مرة ثانية" التجربة تسير بوتيرة جيدة وهي تساعد جميع المشاركات في المشروع على تأهيلهم بصورة أكبر قبل خوض المزيد من أعمال الترميم في أماكن أخرى تحت إشراف وزارة السياحة والآثار أو البعثات الأثرية.
ورغم ازدحام معبد هابو بالزوار من مختلف دول العالم لكن عمل المرممات لا يتوقف، تنشغل كل واحدة منهن في إتمام الدور المطلوب منها على أكمل وجه، تكسو وجههن علامات الحماس، من بينهن دعاء عبدالعاطي التي تشارك زميلاتها في ترميم بوابة "كلاودس" الشهيرة بالمعبد "بحس إن شغلي هو استكمال عمل المصري القديم، وإعادة الأجزاء المفقودة في الآثار بيخليني جزء من حكاية القدماء وإبداعهم الفني".
لا تشعر المرممة الثلاثينية بالضجر أثناء عمله أسفل الشمس الحارقة طوال اليوم "عندي شغف بالآثار من طفولتي، لما كان بيتعرض أي حاجة عن التاريخ في التلفزيون أهلي ينادوا عليا" نشأت دعاء في قرية المريس بالأقصر حيث ينتشر من حولها الأماكن الأثرية "معبد أرمنت ومسجد العمري ومنطقة الجبانات" لذلك تخلت عن حلم العائلة بدخولها لمجال الإعلام "لقيت نفسي رايحة للآثار وحياة المصريين القدماء".
وعقب تخرجها انضمت دعاء سريعا إلى العديد البعثات الأثرية "زي الإيطالية عملنا ترميم في مقبرة حور" فضلا عن عملها في معابد هامة مثل "معبد الكرنك شاركت في ترميم الأعمدة وطريق الكباش اللي تم افتتاحه من الرئيس" بجانب العمل في ترميم قصر الأمير يوسف بنجع حمادي" إجادتها في التجارب السابقة دفع بعثة شيكاغو إلى ضمها في معبد هابو لتتحول إلى واحدة من أفضل المرممات في المشروع نظرا لعشقها الشديد لعملها وطموحها الكبير "نفسي في يوم أكون وزيرة للآثار" تذكرها لمصراوي بفخر شديد.
على بُعد أمتار قليلة من دعاء كانت المُرممة الشابة فاطمة محمد منغمسة في ترميم قطعة أثرية "أول شغل ليا في بعثة شيكاغو، وسعيدة لأنها من أهم البعثات في الأقصر" تربت على عشق الآثار لعمل والدها في المجال "ولأني اتولدت في القرنة وشايفة الآثار حوليا في كل مكان" تشعر بالدهشة من عظمة المصريين القدماء في تشييد تلك المعابد البديعة "بتعجب من الجمال والدقة في كل التفاصيل".
داخل معبد هابو تعلمت فاطمة الكثير عن فنون الترميم بصورة عملية على يد أبوالمكارم "اتدربنا على حاجات كتيرة في الترميم زي مرحلة التوثيق اليدوي ورسم الآثر والتوثيق الفوتوغرافي بالتصوير، والتعرف على مظاهر التلف وإزاي نتعامل معاها" فضلا عن أسماء مواد الترميم وكل ما هو جديد في هذا المجال "واستخدامها الأمثل مع القطع الأثرية" خبرات جديدة تكتسبها جنبا إلى جنب أعمالها السابقة "اتدرب قبل كدا في معبد الكرنك ومعبد سيتي الأول ومقابر الأشراف".
في كل لحظة تشعر فاطمة بقيمة ما تفعله سواء التعرف عن قرب على حضارة مصر و"الحفاظ على آثار القدماء من التلف عشان الأجيال الجاية" تعتبر مهنة الترميم صعبة لكنها "ممتعة جدا، مهنة غير روتينية، كل يوم فيه جديد، بنشتغل على آثار مختلفة وتحديات غير تقليدية" فيما تُشيد بتزايد عدد الفرص خلال الآونة الفائتة للفتيات داخل المجال "البنات عندهم حس فني عالي ودا مفيد في الترميم، ودلوقتي مبقاش فيه حد مننا بيخاف من المرتفعات بالعكس بنشتغل عليها واحنا مركزين في ترميم الأعمدة".
ترغب فاطمة في الوصول إلى أبعد نقطة بمجال الترميم الأثري "أشتغل في أماكن أكتر بمحافظات مصر، وأجرب مواد وخامات ترميم مختلفة، مكتفيش بالخطوات اللي عملتها أبدا" وأيضا استكمال درجة الماجستير والدكتوراه ثم التوجه إلى هدفها الأول وهو "ترميم اللوحات الزيتية لأنه بيجمع بين أكتر حاجات بحبها، الترميم والرسم" وأن تلتحق قريبا بالعمل تحت مظلة وزارة السياحة والآثار.
فيديو قد يعجبك: