بعد دفنه.. عائلة ريان ومنقذوه يروون لمصراوي كواليس انتشاله من البئر
كتب- محمد عمارة وأحمد الليثي:
5 أيام ظلت الأنظار والأفئدة مُعلقة بتلك الحفرة القابعة بشفشاون شمال المغرب، حلم الجميع بخروج الطفل حيا، نحو 120 ساعة من كواليس الحدث داخل "المدينة الزرقاء"، وانتهت جميعها بحقيقة واحدة "رحيل ريان".. وبقي المشهد حاضرا في قلوب أبطاله الذين عايشوه -من أسرة الطفل وفرق الإنقاذ- وهو ما ظهر في تصريحاتهم الخاصة لمصراوي.
صباح أمس شُيع جثمان الطفل المغربي ريان أورام إلى مثواه الأخير، انقطعت رسائل الأمل التي انتظرها العالم، فيما بقيت القصة تُلهم الأنفس. بأسى يقول خالد أورام، والد الطفل ريان، إن نجله اختفى يوم الثلاثاء الماضي "وبعدين لما عرفنا إنه في البئر، ربطنا كاميرا بحبل ونزلناه، والناس قعدت 5 أيام تحفر عشان تحاول تطلعه"، يحاول الأب تمالك أنفاسه خلال الاتصال الهاتفي مع مصراوي، فيما يُحضر نفسه استعدادا للجنازة المهيبة.
كان ريان البالغ من العمر خمس سنوات يلعب بالقرب من البئر التي يزيد عمقها على 32 مترا قبل أن يسقط فيها.
حتى الآن لم يخرج أي تقرير طبي بشأن سبب الوفاة أو كواليس الرحيل وموعده، وبحسب وسائل إعلام مغربية وعربية فإن التقرير سيعرض أولا على العاهل المغربي محمد السادس قبل صدوره.
لا تزال مشاهد محاولات الإنقاذ تهيمن على ذهن محمد الواعلي، يروي سائق الجرافة بالعجلات، لمصراوي، كيف كان يتمنى خروج الطفل حيا وأن يعود لأسرته الصغيرة منتصرا، كان الواعلي من أوائل الذين وصلوا للموقع، 5 أيام لم يعرف فيها النوم، يواصل الليل بالنهار "بحكم طبيعة عملنا، كنا أول من شارك في عملية إنقاذ الطفل ريان وإخراجه من البئر، بذلنا كل جهدنا ولم نشعر بالإعياء والتعب، كان هدفنا الوصول للطفل في أقل وقت ممكن".
مع صباح كل يوم كان الواعلي يتذكر صغاره؛ يتخيل أحدهم مكان ريان داخل البئر، تغالبه دموعه قهرا، لذا لم يكن الأمر مجرد مهمة عمل بالنسبة للرجل الأربعيني "لدي أطفال، كنت أشعر بريان، طفل مكث تحت الأرض أيام وليالي، والله يكون في عون والديه، الموضوع صعب جدا".
تعود القصة بحسب أسرة ريان وشهود عيان، إلى أن الطفل كان يلعب في هذه المنطقة بينما والديه في المنزل، وحين بحثوا عنه لم يجدوه، أحست أمه أن ابنها في البئر فأنزلوا كاميرا ووجدوه في القاع. فيما كلفت السلطات المحلية المغربية -بإشراف من الملك مباشرة- الفرق المشاركة بالتوجه لمكان الواقعة مساء الثلاثاء، أي بعد ساعات من سقوط الطفل في باطن البئر.
كان الواعلي يبذل الجهد من جانب، يراقب عن كثب كل ما يجري حوله "كنا مسؤولين فقط عن الحفر، والمختصين الآخرين من طبوغرافيين ومسعفين وأطباء كانوا يحاولون التواصل مع الطفل"، يشير سائق الجرافة أن الفريق الموجود كان يتواصل مع ريان عن طريق الكاميرا، وأوصلوا له الأكسجين والماء والحليب.
مساء الخميس انقبضت الأجواء، هيمن خاطر حزين على الجميع، يومها علم الواعلي -الذي لم يغب لحظة عن مكان الحادث- أن التواصل انقطع خلال الساعات الأخيرة ولم تعد تأتي أي إشارات من داخل البئر بوجود حركة "لكن الشئ الذي لا مفر منه أنه في البداية كان حيا".
رغم الرحيل تبقى اللحظات راسخة في وجدان الطاهر بن رقون، سائق جرافة بالسلاسل، المشارك في محاولات عملية الإنقاذ، كان يزرع الأرض مرات ومرات وهو يفكر كيف لطفل برئ أن ينجو من تلك الصدمة؟ يفكر في حلقات عمل مع رفاقه؛ هل ننجح؟ فيما كانت النهاية حتمية "الطريقة التي سقط بها الطفل كانت سببا مساعدا لعدم صموده لفترة طويلة".
لم تزل وسيمة خرشيش، والدة ريان غير مصدقة ما جرى، تشعر أن الأمر مجرد مُزحة، مهد لها الجميع الأمر بصيغ مختلفة فيما ظلت مستمسكة بالأمل، تقول لمصراوي وهي تبكي: "في الأيام الأخيرة كنا نتوقع إنه غير حي"، لكنها لا تخفي شعورها الشديد بالصدمة التي تتملكها، بينما تردد عبارة وحيدة على كل من يلتقيها: "لا يصبرني سوى إنه مرتاح حاليا".
أخرجت فرق الإسعاف المغربية الطفل ليل السبت ميتا من البئر التي ظل عالقا فيها لمدة خمسة أيام وسط متابعة عالمية للحدث.
رغم الإحساس الذي تسرب لفرق الإنقاذ أن وفاة ريان باتت محسومة، يوضح الواعلي أن العمل ظل على الوتيرة ذاتها منذ اليوم الأول "التصريحات التي جاءت من الدولة تفيد بأنه حي، لكننا لم نكن متأكدين بشكل قاطع من كونه حيا أم ميتا، وبذلنا جهودنا معتقدين أنه سينجو، ولكن شاءت الأقدار".
أكد الملك محمد السادس بأنه كان يتابع عن كثب، تطورات هذا الحادث المأساوي، حيث أصدر تعليماته السامية لكل السلطات المعنية، قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة، وبذل أقصى الجهود لإنقاذ حياة الفقيد، إلا أن إرادة الله تعالى شاءت أن يلبي داعي ربه راضيا مرضيا. بحسب البيان الصادر عن الديوان الملكي المغربي مساء السبت الماضي بعد اتصال الملك محمد السادس بوالدي الطفل ريان وقدم لهما واجب العزاء.
كان عثمان أورام عم الطفل ريان يجهز نفسه للمشاركة في مراسم الجنازة المهيبة بالرباط، شعر بالرضا لما قدمته السلطات من أجل ابن أخيه "التفاصيل كانت منظمة للغاية في العاصمة"، مضيفا خلال مكالمة هاتفية مع مصراوي إن الموكب الجنائزي للطفل ريان وصل ظهيرة الاثنين، إلى قرية إغران التابعة لإقليم شفشاون شمالي المغرب، قادما من العاصمة الرباط، وسط تعزيزات أمنية كبيرة.
"800 ألف متر مكعب رمال، كأنه جبل" يشرح الواعلي تفاصيل المهمة الشاقة التي شارك فيها، موضحا أن لشفشاون طبيعة خاصة؛ فهي جبال حديثة العهد "كنا نوقف العمل بعض الوقت نتيجة الانجرافات والتربة.. 5 أيام تحت الأرض، ووجود كدمات، وسقوطه من أعلى لمسافة 32 مترا، كان يحتاج للأكل والراحة والعناية في أقل وقت ممكن، حفر 32 متر بآليات ومعدات لم يكن أمرا سهلا".
استخدمت السلطات المغربية تقنية "Fonçage"، التي تعتمد على حفر بئر موازي لما يتواجد به الطفل، ثم الحفر اليدوي أفقيًا لتسهيل إنقاذه.
سبق ذلك مطالبات من بعض الحقوقيون بمشاركة دول أجنبية في محاولات الإنقاذ فيما رفضت السلطات المغربية ذلك.
بينما لا يجد الطاهر بن رقون أن ذلك كان سيغير في الأمر شيئا "حتى لو جاءت فرق أجنبية، كان الحل الوحيد هو الحفر بجانب البئر للوصول للطفل بسلام.. هذه هي طبيعة عملنا، نحن مجموعة عمل تتعاون في إقليم شفشاون، لدينا سائقون محترفون، لم نغفل لحظة على مدار الساعة.. كل شيء تم توفيره لنا لإنقاذ ريان بالتنسيق مع الإدارة المحلية".
انتهت رحلة ميلاد الأمل متمثلة في إنقاذ ريان بمأساة رحيله، وظل العالم مشدوها صوب البئر السحيق، بينما لا تزال رسائل المواساة تصل إلى مسامع والديّ الصغير، تقول وسائل الإعلام إن بعض رجال الأعمال قرروا التبرع لأسرته، بينما الأب ينفي الأمر "لم يصلني أي شئ"، فيما يكفكف الدمع وهو يقول إن ما يربط على قلبه يقينه بأن ولده يستريح الآن في الجنة.
فيديو قد يعجبك: