محمود درويش.. عاشق سيء الحظ أم مدمن على الوحدة؟ (بروفايل)
كتبت-رنا الجميعي:
قال محمود درويش عن نفسه إنه عاشق سيء الحظ، لكنه استحق سوء حظه، فقد كان اختيارًا، لم يحتوِ قاموس الشاعر الفلسطيني سوى تعريفه للعشق، لكن قاموسه خلا من معنى مسئولية الرجل عن بيت وزوجة، انبهر فقط بالحُب من نظرة أولى، وخضع لسهمه الطائش،
هناك ثلاث علاقات حُب شهيرة في حياة درويش- الذي تحل ذكرى ميلاده اليوم في 13 مارس 1941-، أولها كان حُبه لليهودية ريتا، التي كتب عنها الأسطر الشهيرة "بين ريتا وعيوني بندقية \ آه .. ريتا \ أي شيء ردّ عن عينيك عينيّ\ سوى إغماءتين\ وغيوم عسلية\ قبل هذي البندقية"، في سن صغير أحبّ درويش ريتا اليهودية، وبحلول حرب يونيو 1967 تلتحق الفتاة بالجيش الإسرائيلي، وتقف البندقية كسد منيع بين العاشقين، فالحرب أيقظت حساسية العداوة بين الفلسطيني والإسرائيلية، كما ذكر درويش في أحد حواراته "تصوّر أن صديقتك جندية تعتقل بنات شعبك في نابلس أو القدس، ذلك لن يُثقل فقط القلب ولكن الوعي أيضًا".
أحيا درويش ريتا المعشوقة في عدد من القصائد؛ أولها "ريتا والبندقية" التي كتبها عام 1967، ثم تبعها بقصائد "ريتا أحبيني" و"تقاسيم على الماء"، و"الحديقة النائمة"، وداخل دواوين "آخر الليل" و"العصافير تموت في الجليل"، و"حبيبتي تنهض من نومها"، وتكرر اسمها في أعمالها النثرية حتى رحيله.
احتار مُحبو درويش في معرفة شخصية ريتا الحقيقية، لأن الشاعر الفلسطيني ألقى بقُنبلة من الألغاز في تصريح صحفي له، قال فيه إنه لا يعرف امرأة بهذا الاسم، وأن اسم "ريتا" هو اسم فني، غير أنه أكد على أن محبوبته الإسرائيلية حقيقة بالفعل، فكما قال "تلك كانت قصة حقيقية محفورة عميقًا في جسدي".
رُبما ما جعل درويش يتأثر كل هذا التأثر بقصته مع ريتا أنها لم تكتمل، ظلّت خيالًا يُداعب ذهنه بسيناريوهات مُحتملة، غير أن حياته العاطفية احتوت على علاقتين أخريتين اكتملتا بالزواج، لكنها كانت النهاية بالنسبة له، رأى درويش نفسه كـ"عاشق سيئ الحظ"، فقد قال في إحدى قصائده: "أنا العاشق سيء الحظ\ لا أستطيع الذهاب إليكِ\ ولا أستطيع الرجوع إليّ".
في واشنطن عام 1973 التقى درويش للمرة الأولى بالسيدة رنا قباني، ففي زيارة لا تتعدى مدتها 24 ساعة، حلّ درويش ضيفًا لأمسية شعرية، وأثناء إلقائه الشعر وقعت عيناه على فتاة جميلة تجلس في الصف الأول، تعلّقت عيناه بها ولم تفلتها، وبعد انتهاء الأمسية تعرّف درويش بها، وعلم أنها ابنة أخ الشاعر اللبناني نزار قباني، وشيئًا ما حدث في تلك الليلة، سرى انجذاب بينها مكان الهواء، وكانت دقات القلب أعلى من صوتهما، والجُنون سمة الأمسية الساحرة، ففي لحظة ما وجد درويش نفسه يقول لرنا "تقبلين الزواج مني؟"، وافقته الشابة على الفور التي لم تبلغ بعد العشرين عامًا، لكنها كانت سكرى بالحُب.
لم يُفلح درويش في زواجه الأول، انتقلت رنا للعيش في بيروت التي تعاني من الحرب الأهلية في تلك السنوات القاتمة، واختفت حلاوة الحُب، وظهر الواقع بمشكلاته ومآسيه، لكن ما جعل رنا لا تحتمل تلك الحياة هو فشل درويش كزوج ومسئول عن بيت، كانت أولوياته هي شعره فقط، وفي غمرة تلك الحياة التي لم تستمر سوى 9 شهور، غادرت رنا ووقع الطلاق الأول، حاول درويش العودة مرة أخرى، لكنه فشل مُجددًا، واستمر زواجهما لثلاث سنوات، وبعدها انفصلا نهائيًا.
عَبَر طيف رنا في قصائد درويش، ففي قصيدة "المساء الأخير" شبهها بالنهر الوحيد: "البحيرات كثيرة\ وهي النهر الوحيد\ قصتي كانت قصيرة\ وهي النهر الوحيد"، وداخل قصيدة "الرمل" أيضًا تحسّر على ضياعها: "الرمل هو الرمل\ أرى عصرًا من الرمل يغطينا\ ويرمينا من الأيام\ ضاعت فكرتي وامرأتي ضاعت\ وضاع الرمل في الرمل".
بعد سبع سنوات من علاقته برنا، جاءت حياة عصام الحيني، المترجمة في اليونسكو، كانت الزوجة الثانية في حياته، ومثلما أصاب الحب بسهمه الطائش في المرة السابقة، تكرر السيناريو مع حياة عام 1983، مع اختلاف بعض التفاصيل، لكنه في النهاية تزوج حياة بعد لقائه الأول بها بعام واحد، ويبدو أن الزواج كان مُفاجئًا أيضًا، حيث يحكي الشاعر اللبناني شربل داغر في كتابه "محمود درويش يتذكر" أنه تفاجئ بزوجته حياة حينما زاره في شقته بباريس المطلة على برج إيفل.
لم يحتمل درويش أيضًا الاستقرار، وقرر تطليق حياة في باريس، بعدها لم يتزوج الشاعر الفلسطيني مُطلقًا، بعد انتهاء زواجه الثاني أيقن درويش أنه لا ينتمي سوى للشعر، فقد ذكر في حديث سابق، مُتسقًا ومُتصالحًا مع ذاته "لم أتزوج مرة ثالثة ولن أتزوج، إنني مُدمن على الوحدة، ولم أشأ أن يكون لي أولاد، قد أكون خائفًا من المسئولية، الشعر محور حياتي، ما يساعد شعري أفعله، وما يضره أتجنبه".
فيديو قد يعجبك: