بعد الإجهاض.. كيف أنقذ "حسن" زوجته من عتمة الاكتئاب؟
كتبت-ندى سامي:
رسم- سحر عيسى:
الحلم بمولود هو الهدف الذي ظل يراود الزوجان منذ اليوم الأول وحتى عامين، وحينما تحقق وجلب معه فرحة غمرت القلوب، شاء القدر ألا تكتمل، فقدت سارة طفلها المنتظر، ما كانت الدنيا لتعوضها عنه، عرفت روحها باب الحزن ومسها اكتئاب ما بعد الولادة بعدما وضعته مجهضًا، كادت أن تستسلم وتضع نهاية للقصة، لولا تداركتها يد زوجها حسن بالدعم والوقوف كتفًا بكتف لترى نور الحياة مرة أخرى.
كانت رحلة مرهقة، لم يخلص حسن وسارة من السؤال حول سبب التأخر أو الحث على البحث عن طبيب يجيد علاج تلك الحالات. طيلة المدة والأحاديث والتهامس والمباركات لمولولد جديد خلسة والسبوع دون دعوة، أمور أثقلت كاهليهما وربما دفعتهم للبحث عن حل.
الكثير من الأطباء والفحوصات والتحاليل التي لم تثبت علة، وانتهى المطاف صوب اللجوء إلى الخضوع لعملية تخصيب، بالرغم من النسبة القليلة في النجاح والتي لا تتعدى 7% من الحالات إلا أن حسن وزوجته سارة أرادوا التجربة مرحبين بالنتيجة أيًا كانت.
أيام قلائل وجاء اختبار الحمل إيجابيًا، فرحة عارمة اجتاحت ربوع المنزل الصغير الذي بات صوت صغير يدب في أركانه هو الرجاء، يتقدم الحمل وتكثر الأحلام والخطط، تخطو الأم بثبات في تجربتها الأولى في عالم الأمومة، تستشعر الصغيرة تكبر داخل أحشائها رويدًا، تحاكيها وتحلم معها، تدللها وتشكي لها صعاب الحمل.
شهر وآخر إلى الرابع، طلب الطبيب فحص أكثر دقة للاطمئنان على صحة الجنين، تحمس الزوجان لرؤية أكثرقربًا للمولود المنتظر، بدا عدم الارتياح على الطبيبة التي كانت تقوم بالفحص وطلبت من الأم أن تأكل بعض الحلوى وتعود مرة أخرى بعد قليل لعلها ترى الصورة أكثر وضوحًا.
"حسيت إن في حاجة غلط بس قلت أكدب روحي"هكذا قال "حسن فتحي" الأب المنتظر، بعد قليل أعادت الطبيبة الكَرة وألقت الخبر عليهما. الجنين يعاني من تشوهات، تكونت الطفلة دون وجود للكف الأيمن.
صدمة الخبر وقعت عليهما كالصاعقة وبالرغم من دعوة الأطباء بالتخلص من الجنين الذي ربما يعاني أكثر من تشوه لم يتبين أمره بعد وستكون ولادته عسره وحياته أيضًا إن طالت، إلا أنهم قرروا الاحتفاظ بالمولد.
"فكرنا نسميها حلا علشان ربنا يحلي أيامها وميكنش حاجة نقصاها" قالها الأب، كانت فكرة التَكيف على وجود طفل يعاني منذ لحظة ميلاده الأصعب في تلك المرحلة، كان يرسم في مخيلته شكلها وما ستتلقاه من تنمر وحياة ضاغطة من الأقران في المدرسة وبين الأقارب "الفترة دي كنت منهار وبعيط زي عيل صغير".
بدأ حسن يبحث بدأب عن العمليات التي قد تخضع لها مولودته للمساعدة على التكيف في تلك الحياة الصعبة، وحساب التكلفة وكيف يمكن تدبيرها
بينما هم غارقون في كيفية تدبير الأمر وقبل بداية الشهر السابع في رحلة الحمل الشاقة إلا أن سارة شعرت أن هناك خطب ما غير طبيعي، وبالفعل أبلغها الطبيب أن النبض توقف فجأة، وعليها أن تخضع للإجهاض.
أسبوع الآلام
تعين على الأم الثكلى أن تتناول أدوية لمدة أسبوع في المنزل قبل نزول الجنين، أخذ حسن إجازة من عمله وكان في معية رفيقته التي مازالت لم تستوعب الأمر بعد، تأكل القليل من الطعام وتتلقى الكثير من الأدوية وتبكي طيلة الليل والنهار.
يبكي الزوج منفردًا، يجفف دموعه ويقدم الطعام لزوجته، يذكرها بمواعيد الدواء، يُهدئ من روعها بينما تهاجمها الكوابيس ليلًا، ويحاول استيعاب المصاب.
كانت الولادة طبيعية، دخلت سارة متكورة البطن تحاول لفظ جنينها لحياته الآبده، تلقت طلق صناعي وبدأت تشعر بآلام المخاض، الآلام فقط هي ما تعيشها، تدفع بلا مقابل تدفع دون أمل سوى في احتضان الوداع.
"الرحم فتح من سم إلى 8 سم والبيبي نزل لوحده من غير مساعدة الدكتور" هكذا كانت لحظة الميلاد، وبدلًا من أن يلقي حسن التكبير في آذان طفلته، قام بتغسيلها وحملها بيده لمستقرها الأول والأخير.
اكتئاب ما بعد الإجهاض
كانت سارة تواجه منفردة التعافي من آلام الولادة الجرح وآلام الجسد وتكتل اللبن بثديها، تكابد الحزن على الخسارة، لا تقوى على مواجهة الأمر، تقهقرت منعزلة عن كلمات العزاء ونظرات الشفقة، لم يكن جوارها إلا شريك الخسارة الفادحة.
"مكنتش عارف حتى أحزن علشان أخفف عن سارة" كل علامات الاكتئاب الشديد بدت على الزوجة الشابة التي لم تجد للحياة بد بعد رحيل الطفلة التي سعت كثيرًا لأن تكون ونيستها في الحياة، وفقدت رغبتها في أن تواصل المضي قدمًا.
كان على حسن أن يقوم بجميع المهام لمحاولة اتزان الحياة مجددًا والخروج من بوتقة الحزن، يقوم بأعمال المنزل ويتحدث إلى زوجته ويحاول إبهاجها يصنع لها المفاجأت يدعمها ويتحمل غضبها الدائم من أصغر الأمور، وحثها على رؤية طبيب نفسي مختص لمساعدتها في تلك المرحلة الحرجة.
الحزن ممتد والزوج مرابض في مكانه الداعم يحاول بما تبقى له من قوة دفع الألم، يُهزم تارة ولكنه سرعان ما يقف مجددًا لمحاربة الاكتئاب الذي طالهما.
حمل جديد هو الأمل الذي تمسكت به سارة حتى تعبر من بوابة الاكتئاب التي احتبست خلفها عنوة. فالمصاب أعتى من قدرتها النفسية، كاد أن يزلزل ببنيان البيت لولا وجود السد المنيع الذي ألقت عنده الحزن ففتح ذراعيه لمؤازرة شريكة الحياة والبيت والسند كما يقول، يضمد جروح الفقد وعبثية مشاعر الأمومة التي لم تكتمل.
قصص الملف:
"دائرة حياة للأمهات".. مها حولت معاناتها بعد الولادة لـ "نقطة نور"
فرحة لم تكتمل.. حينما زار الاكتئاب "آية" بعد الولادة الثانية
لماذا تقع بعض الأمهات فريسة لاكتئاب ما بعد الولادة؟ (تقرير)
جولة أخيرة مع الوحش.. مقاومة "رحمة" لاكتئاب الولادة وشبح الانتحار
البعض يقابل الاكتئاب مرتين.. "معافرة" أم لوداع التفاصيل الحزينة
لا تقل.. 10 عبارات مكروهة لأم تعاني اكتئاب ما بعد الولادة
فيديو قد يعجبك: