لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

فرحة لم تكتمل.. حينما زار الاكتئاب "آية" بعد الولادة الثانية

09:45 م الإثنين 21 مارس 2022

آية مسعود عانت من الاكتئاب بعد ابنها الثاني

كتبت-إشراق أحمد:

رسم-سحر عيسى:

أيام ولا يتوقف الحديث برأس آية مسعود "هو اللي عندي ده جنون؟"، تواصل التساؤل ولا إجابة سوى الصدى، تزيدها آلام الولادة إرهاقًا، تنتابها مشاعر تحرمها النوم، يخبرها الجميع أن ما تمر به حتمًا من آثار المخاض، فيما تعلم جيدًا ما يفعله وضع الجنين، فالرضيع المجاور لها ليس طفلها الأول، لكن ما تمر به غير مسبوق.

نحو ثلاثة أعوام انقضت على اليوم الذي سمعت فيه وصف حالها بعد ولادتها الثانية "اكتئاب ما بعد الولادة". الآن تنهض الأم من سريرها، تعد الإفطار لصغيريها، ترتب نهارها بروية، وتقضي ليلها طبيعيًا. تلك الأفعال الروتينية لم تكن تقوى على خوضها "ماكنتش أقدر اصحى أشوف ولادي محتاجين إيه. كنت سايباهم وأنا قاعدة مابعملش أي حاجة".

لم تكن تعلم آية ما تخبئه نفسها. في البداية ظنت أنها أوقات وتنقضي رغم غرابة ما تشعر به "بعد شهر من الولادة بدأ عندي قلق شديد وقلب بكآبة. طول الوقت بعيط وأفكار كتير سلبية". مشاعر جديدة تخالف إحساس فرحة أم بوليدها الذي سبق واختبرته مع استقبال طفلتها الأولى وأمضت فيه عامين قبل ولادة الابن الثاني.

ظلت آية في عالمها الضبابي المستجد، تكشف لزوجها ووالدتها بما يكنه صدرها، فيرون أنه "دلع". لا أحد يعلم ما يجري ولا آية نفسها. ذات يوم ترافق أخيها وخطيبته في إحدى المولات، تتوقف الأم فجأة، تصرخ وهي تبكي "أنا هروح دلوقت". يسألونها عما بها فلا تجيب بغير "مش عارفة".

يومًا تلو الآخر وتزيد العتمة "مش حابة ولادي الاتنين مش بس ابني اللي لسه مولود"، كأن جدارًا أقيم بينهم، لا تقوى على اللعب والاهتمام بطفلتها الصغيرة، تنظر لرضيعها وهو يتلوى من البكاء، فيما تدور رأسها بأفكار مؤلمة "مش بحب ابني طيب اخنقه ولا ارميه". لا تدري من أين يأتي ذلك الصوت المراود لها بين حين وآخر، تقاوم لطرده "استحالة أعمل كده"، فيما تغوص همًا "مجرد الفكرة تعباني إزاي أفكر كده".

بدأت آية رحلة بحث عما يلم بها، قرأت عن العديد من الأمراض التي تشك أنها تعانيها، وأحيانًا توهمت الشعور بأعراض ما تقرأ عنه "أي حاجة صغيرة تحصلي على طول أفكر في الحاجة الصعبة. أقول ده المرض الوحش". ساعات طويلة مضت وهي تخاف الموت والمرض، إلى أن هدتها إحدى قريباتها لطريق آخر، أخبرتها أن ما تمر به أعراض اكتئاب ما بعد الولادة، ونصحتها بتعجيل الذهاب إلى طبيب نفسي معالج حتى لا تسوء الأمور.

تجاهلت آية ما عرفته من قريبتها، فكرة الذهاب إلى طبيب نفسي ليس أمرًا هينًا في محيطها، لكن الوضع تفاقم مما دفعها لإخبار زوجها ووالدتها بما علمته، غير أنهما انكرا ما تفكر فيه، وبلغ الحال إلى إخبار الزوج والدة آية ألا تستجيب لحديثها عن العلاج النفسي، ظن أنها مجرد أفكار تزول فقط بدعمها، لكن ذات يوم جاء الحل من حيث لا تدري الأم.

ذهبت آية إلى طبيبتها للنساء والتوليد، لم تكمل الأم حديثها، حتى أكدت الطبيبة أنه الاكتئاب ووجهتها للعلاج النفسي، حينها وفقط صمتت كل الأحاديث، وبدأت آية رحلة التعافي.

لم يكن المشوار سهلاً؛ مرت آية بثلاثة أطباء حتى استقرت. كانت تشعر بتحسن لنحو شهر ثم تعاود الانتكاس، ظنت أن المشكلة في العلاج لكن طبيبها الأخير الذي زارته قبل عام ونصف طمأنها ولهذا واصلت معه "قالي الاكتئاب عامل زي السلم تطلعي درجة أعلى لغاية ما ينتهي خالص وفي النص بتحصل انتكاسات ودي من علامات الشفا".

شهور من المعاناة، ما وضعت آية قدميها على الأرض إلا حينما بلغ ابنها عامين ونصف "بدأت أحس أني برجع لطبيعتي شوية". تغيرت حياة الأم الثلاثينية، علمت الكثير عن نفسها وأحبابها، لم تكن لتعرفه لولا تجربة الاكتئاب "والدتي قالت لي إنها واحنا صغيرين قعدت سنة بتعاني من الحزن الشديد وماكنتش عارفة ده إيه ولا حد حاسس بيها لغاية ما تجاوزت لوحدها".

تأملت آية قصة والدتها، فيما باتت تدرك كيف انقضت هذه السنوات عليها دون أن يشعر بها أحد، تتذكر كيف كانت هي نفسها تحضر المناسبات العائلية أو تجلس بين الأصدقاء ضاحكة "لكن اللي جوايا ودماغي في دنيا تانية".

اليوم أصبحت تعرف آية ما يعنيه اكتئاب ما بعد الولادة، وضعت ملامح للأسباب التي ألقت بها في ذلك البحر المظلم كما تصفه، تتذكر حينما أخبرها الأطباء بعد الولادة بأن ابنها يعاني من الغدة الدرقية، حينها غاصت في قلق مضن "عملت بحث وعرفت أن النقص أو الزيادة بيأثر على المستوى العقلي للطفل"، ولم يخف شعور التوتر بعد اكتشافها أن ابنها سليم، بل زاد مع مرض والدتها الشديد، فظلت الأم في ضغط نفسي بعد فترة قصيرة من ولادة طفلها الثاني.

مازالت تعاني آية من أعراض اكتئاب ما بعد الولادة، تواظب على تناول العقاقير الطبية الموصوفة لها، تمر أحيانًا بنوبات الاكتئاب لكنها باتت تعرف طريقة التجاوز، لا تترك لنفسها فرصة للانسحاب من الحياة، تغرق في الانشغال "أخد الولاد اغير لهم واحميهم. انضف البيت. اروح السوبر ماركت. اكلم والدتي أو حد من صحابي. اروح لقرايبي". تربط آية على نفسها بمجرد الشعور أن ثمة حزن يراودها.

رغم قسوة التجربة، لكن "فرق السما والأرض في التعامل مع الأولاد دلوقت"، تتمنى آية لو وعيت مبكرًا لما يمكن أن تلاقيه بعد الولادة، لا تعلم لماذا لا يلفت الأطباء نظر الأمهات المقبلات على الولادة بأعراض الاكتئاب ليجنبوهن الغرق في دوامة البحث إن أصابهن الضُر، تمتن الأم لمرافقة زوجها في الرحلة بتغير اهتمامه ومساعدتها بالمنزل، فيما صارت على يقين أنها أيضًا لم تعد كما كانت "الأول كان يفرق معايا كل حاجة. أقعد طول الوقت أفكر في التفاصيل.. دلوقت بقيت أحس أن في حاجات أصعب تستاهل أفكر فيها من غير قلق".

قصص الملف:

"دائرة حياة للأمهات".. مها حولت معاناتها بعد الولادة لـ "نقطة نور"

بعد الإجهاض.. كيف أنقذ "حسن" زوجته من عتمة الاكتئاب؟

لماذا تقع بعض الأمهات فريسة لاكتئاب ما بعد الولادة؟ (تقرير)

جولة أخيرة مع الوحش.. مقاومة "رحمة" لاكتئاب الولادة وشبح الانتحار

البعض يقابل الاكتئاب مرتين.. "معافرة" أم لوداع التفاصيل الحزينة

لا تقل.. 10 عبارات مكروهة لأم تعاني اكتئاب ما بعد الولادة

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان