اللحظة بتفرق.. كيف أطاح انخفاض قيمة الجنيه بقائمة شراء المصريين؟
كتبت- شروق غنيم:
لم يكن القرار سهلًا، بينما تتواجد إيمان أحمد في مكتبها بالعمل هاتفها زوجها يُخبرها مُسرعًا "لازم نشتري التلفزيون دلوقتي حالًا". لم تفهم الفتاة العشرينية الأمر، إذ اتفقا على تأجيل شرائه لستة أشهر مقبلة حتى يتمكنوا من استكمال المبلغ للحصول على تلفاز ذو جودة عالية، لكنه شرح لها على عجل بأن الأسعار قد تضاعف خلال دقائق مُقبلة، وأن عليهما اتخاذ قرارًا حاسمًا، حتى لا ينتهي الأمر بعدم شراء أي تلفاز على أي حال.
كانت المكالمة بعد دقائق من قرار البنك المركزي، بخفض سعر الجنيه مقابل العملات الأجنبية، حيث قفز سعر الدولار بنحو 2.51 جنيه في بنكي الأهلي ومصر ليصل إلى 18.15 جنيه للشراء، و18.25 جنيه للبيع، كان ذلك يوم الاثنين الماضي، فيما وصل سعر الدولار اليوم الأحد في البنك الأهلي المصري: 18.28 جنيه للشراء، و18.38 جنيه للبيع.
ويعد ذلك أول تحرك كبير في سعر الدولار مقابل الجنيه منذ انخفاضه في صيف 2020 ولكنه تم وقتها على مدار عدة شهور وليس في فترة قصيرة جدًا.
قرارات مُرتبكة اتخذها بعض المصريين، بعد قرار الاثنين الماضي؛ ما بين التعجيل بشراء مستلزمات ضرورية، أو التأجيل ربما يحدث انخفاض، لكن في الحالتين بدا مصير كل شيء غير مضمون. استيقظ إسلام صفوت، المصور الشاب، الاثنين الماضي على قرار خفض سعر الجنيه، أدرك وقتها ألا مجال لتأجيل شراء الكاميرا المُرادة، هرول على عجلته النارية للتجول بين المحال يستفسر عن السعر، كانت الأسعار لا تزال كما هي، لا زيادة تُذكر، لذا قرر أخذ جولة لمدة ساعة على المحال المختلفة يستطلع الأمر، وهو ما جعله يندم لاحقًا.
اللحظة فارقة على أي حال؛ حينما عاد المصور الشاب إلى أول محال توجه له بعد ساعة، كان سعر الكاميرا التي يريد ابتياعها قد قفز سعرها بما يزيد 3500 جنيهًا، وهو الأمر الذي جعله حائرًا، لا يدري أي قرار يتخذه، قرر العودة للجولة مُجددًا، ليجدها في محال آخر وقد صار الفارق عن السعر القديم 2000 جنيهًا "بدأت أخاف من أن السعر يعلى أكثر من الميزانية اللي معايا، فاشتريتها على طول".
عاد صفوت إلى منزله بإحساس مغاير عما خطط له على مدار الأشهر الماضية "كنت بحوّش فلوس الكاميرا ومتحمس أجيبها واتبسط بيها"، فيما صار الوضع مُخيفًا بعدها "لأن لسة هشتري عدسة، وبدأت أتوتر أنا كدة هعرف أجيبها أصلًا ولا لأ".
تلبست الحيرة نفس شروق تامر، منذ يوليو الماضي شرعت في عملية التجهيزات من أجل فرحها منتصف العام الجاري، حينما قرأت الفتاة العشرينية خبر انخفاض قيمة الجنيه، شعرت بارتياح بسيط لأنها ابتاعت معظم الأدوات الكهربائية في فترة التخفيضات في نوفمبر من العام الماضي، لكن لا يزال أمامها قائمة طويلة من مشتريات أخرى.
على صفحات التواصل الاجتماعي، عبر المصريون عن ارتباكهم تجاه أهمية اتخاذ قرار بالشراء والخوف من حدوث قفزات مفاجئة "خلال الأسبوع ده كنت مفترض أشتري المطبخ". لكن وتيرة الأخبار المتداولة كانت أسرع من قدرتها على اتخاذ أي قرار، لذا فكرت في التأجيل وعدم الهرع لحجز الأثاث لحين التبين مما يجري.
توقعت الفتاة العشرينية زيادة في الأسعار مع بداية العام الجديد، لذا قررت ضغط نفسها ماديًا وشراء أكبر قدر ممكن من الأدوات الكهربائية خلال فترات الخصومات في نوفمبر الماضي "لكن في حاجات لازم تتعمل قبل الجواز بفترة قليلة، مكنش ينفع أجيبها وقتها"، من بينها الأثاث.
على مدار الأيام المنصرفة، أخذت تتابع الفتاة الشابة أخبار ارتفاع الأثاث، لكن ما لبثت وقرأت عن قبل ثلاثة أيام عن توقعات بزيادة أسعار الأثاث بنسبة 30% "الكلام ده كان يوم الخميس، تاني يوم نزلت عشان استكشف ولقيت المطبخ اللي كنت هشتريه ارتفع سعره 25%".
ويتوقع مصنعون ومستوردون أخشاب ارتفاع أسعار الأثاث في الأسواق بنسبة 30% نتيجة تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا وزيادة سعر الدولار الأخيرة، إذ تستورد مصر الأخشاب بنسبة 100% من الخارج، من العديد من الدول وتعتمد على روسيا وأوكرانيا في استيراد جزء كبير من الأخشاب لتصنيع المنتجات الخشبية تامة الصنع، وفقا لقول متعاملون بسوق الأخشاب، في تصريحات لموقع مصراوي.
لم تشترِ الفتاة العشرينية باقي مشترياتها التي كان مُخطط لها خلال الشهر الجاري، الزيادة أكلت من باقي عناصر القائمة التي وضعتها "للأسف الانتظار مكنش في صالحنا، بس كنت خايفة أنزل اشتري وأدبس".
تدبر شروق رفقة خطيبها الأمر، قرر الثنائي الاستغناء عن بعض خططهم "كنا هنوّضب 3 أوض، بس بالوضع الحالي هنعمل 2 بس، ومش هشتري بعض الحاجات لأننا مش هنعرف نواكب اللي بيحصل على الميزانية بتاعتنا".
بشكل عاجل اشترى زوج إيمان أحمد الشاشة الجديدة عبر الإنترنت، كان لايزال عليها عرضًا جيدًا، أعادت الفتاة السؤال عليه "أنت متأكد إننا عايزين نجيب الشاشة دي؟"، صمت قليلًا ثم قال لها "أحسن من مفيش"، لكان لابد من اتخاذ قرار سريع وسط موجة من الخوف مما هو مُقبل.
وصل التلفاز قبل أيام إلى المنزل، حينما فتح الزوج الكرتونة وعلق الشاشة الجديدة في المنزل شعر بإحباط، لا يوجد اختلافًا كبيرًا يُذكر بين القديمة والجديدة، فضلًا عن أنها غير مناسبة للسبب الرئيس وراء ابتياع واحدة جديدة "بس في نفس الوقت الشاشة الأعلى اللي كان نفسنا فيها، مكنش معانا فلوسها دلوقتي وعلى ما نحوشها هتكون ارتفعت جدًا أصلًا"، لم يجد الزوجين بُدًا سوى التأقلم مع ما حدث.
لكن التكيف لم يكن حال المصور الشاب، كان الغضب لايزال يساوره بأن بضع دقائق في التلكؤ لاتخاذ قرار كلفه ألفي جنيه زيادة عن المبلغ الذي كان يحمله، لذا قرر التواصل مع الشركة صاحبة تصنيع الكاميرا التي ابتاعها، للتأكد مما حدث، وجد أن سعرها لم يكن قد ارتفع بعد، وأن الوكيل هنا في مصر رفع سعرها بشكل متزامن مع انخفاض قيمة الجنيه "فكرت أقدم شكوى لحماية المستهلك، بس بعدها تم التواصل معايا من الوكيل عشان استرجع الفلوس الفرق"، يعتبر إسلام نفسه محظوظًا تجاه ما جرى، إذ لم يكن الحال نفسه مع باقي المشترين ممن اتخذوا قرارًا عاجلًا بالشراء أو التأجيل، وتكبدوا الفارق من ميزانيتهم.
فيديو قد يعجبك: