"لو حد متضايق هيتبسط هنا".. كيف أثر وجود الفن في مترو الأنفاق على الرُكاب؟ (صور)
كتبت- مروة محيي الدين:
الجدران مُزينة بالرسومات التاريخية القديمة، مقسمة إلى ثلاث أجزاء؛ قصة الحي، الشوارع التي ربط بينها، والمساجد التي اشتهر بها الحي آنذاك، أسفل كل واحد كُتب تاريخه، ممزوجًا بالإضاءات الخافتة والمقطوعة الموسيقية ذات الطابع التاريخي أضفى حالة ساحرة على رواد محطة مترو باب الشعرية بالخط الثالث.
كان محمود زيان ذو الـ 29 عامًا يمارس عمله كموظف أمن على آلات التذاكر بينما يستقبل تعليقات الرُكاب على التجربة الثقافية "الناس مكانتش تعرف تاريخ باب الشعرية الأول، دلوقتي شايفنها حاجة مختلفة"، فيما تأثر وزميله العامل بالمحطة بالتجربة الفريدة؛ حيث أصبحا يهتمان بمعرفة تاريخ الأماكن والبحث عنها إلى درجة كبيرة.
وأطلقت شركة "آر. إيه. تي. بي" ديف للنقل أول مشروع ثقافي في مصر في محطات الخط الأخضر، أمس الخميس، وذلك بحضور الدكتور عصام والي، رئيس الهيئة القومية للأنفاق، ومجموعة من موظفي الشركة، حيث ضمت الجولة 3 محطات بدءً من باب الشعرية، مرورًا بكلية البنات وهليوبوليس.
على أحد جدرانها تميزت محطة كلية البنات بمخطط مرسوم لقصر البارون، جامعًا لأهم المعلومات التاريخية الخاصة بوقت تشييد القصر، وفي منتصف الجدار مكتوب "كلية البنات" وفي آخره جزء تفصيلي معرفي عن الكلية.
في محطة هليوبوليس جلست روان محمود، ذات الـ 10 سنوات، أمام طالب فنون جميلة ليرسمها ضمن 100 "سكتش لايف" أو الرسومات الحية للرُكاب. لأول مرة تعيش الطفلة التجربة "الرسمة عجبتني أوي وكانت شبهي".
لم تعرف روان عن الفعالية غير من والدتها، حينما ذهبت لإحضارها من المدرسة الكائنة في هليوبوليس "ماما قالتلي في مفاجأة في المترو ولما دخلنا لقيتهم بيرسموا الناس"، لذا تحمست للتجربة خاصة أنها موهوبة في الرسم، فتنجذب إليه بسهولة.
نالت فكرة وجود 7 من طلاب فنون جميلة إعجاب والدة روان التي تمر منذ سنة على محطة هليوبوليس ولكن لأول مرة تحضر مثل هكذا فاعلية داخل مترو الأنفاق.
"لما بجيب البنات بحكيلهم إن هليوبوليس دي كانت عاصمة مصر زمان"، هكذا تسرد والدة روان، مُعلمة التاريخ، لمصراوي، كيف أوحى لها وجود صور للشخصيات التاريخية وارتباطه بالمترو لتحكي لأطفالها عن تاريخ المحطة وعن إنجازات الشخصيات في مصر قديما.
من جانبه قال اللواء عصام والي: "إحنا بنعمل التجربة دي وبعد كدا هنعممها على الخطوط، هنتوسع في الأعمال الفنية وخاصة رصيف المترو لأنه المكان اللي بيستنى فيه الراكب فترة أطول"، وأضاف في تصريحات إعلامية "عايزين نعمل كمان حاجات فنية مخصصة لذوي الهمم".
واستطرد رئيس الهيئة القومية للأنفاق قائلًأ "عندنا حوالي 2.5 مليون، لو كل راكب خد دقيقة يبص على قيمة فنية أنا كسبت من 2.5 مليون مساهمة أصيلة في مصر"، موضحًا أهمية تطور شبكات النقل الذكي "لازم يواكبه نشاط موازي يديني قيمة مضافة".
من هنا نشأت فكرة مزج محطات مترو الأنفاق بوجود ملمس فني وثقافي كجزء من مشروع كبير فيما بعد "بعد كدا هيبقى في فاعليات موسيقية بتحصل عشان نعلي فنية المواطن المصري ونعمل إضافة ثقافية تنمي وعي المواطن، ونعرف الناس إيه اللي حصل وإيه اللي بيحصل من خلال الفنون".
كان الرسم الحي في المترو فرصة سعدت بها ياسمينا سند، صاحبة الـ 23 ربيعًا، حينما اختارتها أستاذتها بالفنون الجميلة لأنها "لأول مرة تحصل في مصر". في اللحظات الأولى أحست الطالبة بتوتر شديد بسبب الازدحام، لكن مع الوقت تجاوزت قلقها وصارت تتلقى ردود فعل إيجابية على كل رسمة.
قبل سنتين عاشت الطالبة تجربة مماثلة في شارع المُعز، لكن تظل تجربة الرسم الحي في المترو جديدة ومختلفة بالنسبة إليها "كل الطبقات الاجتماعية بتركب مترو وكل الأعمار وكأ،ه نقطة التقاء بين المصريين".
أثناء الجولة وقف سامح إسماعيل، يرسم لوحة حية بالخط الكاليجرافي العربي خاصة بالفن الإسلامي، ضمن إحدى الجداريات الثلاثة فرعوني وقبطي وإسلامي في هليوبوليس والتي تمثّل 3 عصور في مصر، بعرض 12 متر وطول 2 متر.
لم تكن المرة الأولى لانضمام الفنان التشكيلي لهكذا تجربة. يحكي لمصراوي أنه شارك منذ عام 2008 في مشروع تابع للمنتدى الثقافي النمساوي "رسمنا على عربية قطر من برة، واتعملها حفلة تدشين في محطة مصر وانطلقت على الخط، كانت أول تجربة كاليجرافي مقننة".
يعتبر سامح أن استعراض الفنون والثقافة داخل وسيلة نقل أمرًا هامًا، بحيث يصل إلى جميع فئات الشعب خلال يومهم ويتمكنوا من معرفة تاريخ الدولة "شيء ممتع إن كل محطة مترو بتخش أحياء مضفرة جوة التاريخ".
أما عن الخط الثالث البادئ من محطة عدلي منصور وصولًا للعاصمة الإدارية يقول سامح "إحنا هنبدأ نخش على أماكن جديدة في مصر ملهاش لسة طابع قبطي ولا فرعوني ولا جمهوري ولا ملكي إحنا لسة بنبني مستقبل".
كشف الفنان التشكيلي عن عدد من الأحداث المقبلة التي يشارك فيها منها "العباسية، وباب الشعرية هيكون في رمضان كله صوفي وإنشاد وابتهالات".
بضحكة تعلو وجهه وقف محمد مهدي، صاحب الـ 23 عامًا، يصوّر طلبة الفنون الجميلة وهم يرسمون الرُكاب، أبهرته الفاعلية "في ناس ممكن تنزل مخصوص عشان تتفرج على الفن".
رغم التحاقه بكلية تربية رياضية، كان محمد يفضل الفنون، لذا بعد التخرج على الفور أقدم على خطوة دراسة فنون المسرح والديكور. كان ذاهبًا إلى عمله في هليوبوليس بينما استوقفه منظر طلاب فنون جميلة "الفن بيجذب العين".
يقدّر محمد الفن "روح الفن مش أي حد يكتسبها فلما بتكون موجودة في المترو بتدي حيوية وبهجة للمكان" بالإضافة إلى أنه يعتبر الفن علاج "لو حد متضايق هيتبسط هنا".
فيديو قد يعجبك: