إعلان

بطل صورة "مش متزحزح قاعد فيها" يحكي عن الانتهاكات الأخيرة بالأقصى

03:49 م الخميس 21 أبريل 2022

بدر صلاح أثناء اقتحام شرطة الاحتلال للمسجد الأقصى


كتبت-إشراق أحمد:


ليست أول مرة يواجه فيها بدر صلاح جنود الاحتلال، يكفيه أنه من أهل القدس ليكون في مرمى بطشهم، لكن هذا اليوم كان غير؛ ارتمى الرجل الخمسيني على الأرض، ارتكن إلى جدار قبة الصخرة، تناسى كل شيء إلا أنه صاحب المكان ولن يرحل. استلقى مستكينًا دون أن يعلم أن جلسته الهادئة أمام حاملي السلاح وإطلاق القنابل وضرب المصليين ستصبح "أيقونة" الإعتداءات الأخيرة للإسرائيليين بحق المسجد الأقصى.

منذ فجر الجمعة ويشهد المسجد الأقصى في مدينة القدس المحتلة، اقتحامات يومية من جنود الإحتلال الإسرائيل لتأمين دخول المستوطنيين إلى ساحة الحرم المقدسي وإقامة معتقداتهم في عيد الفصح اليهودي المستمر على مدار أسبوع ما بين 15 إلى 23 إبريل، ويتزامن هذا العام مع شهر رمضان كما حدث العام الماضي.

فجر الجمعة الماضي، توجه بدر للمسجد الأقصى، نوى الصلاة والمكوث حتى الظهيرة كعادته المقدسة أسبوعيًا "في العطلة بروح أصلي وارابط". ينتظر الرجل الخمسيني هذا اليوم بفارغ الصبر، فيه يثبت وجوده كأحد جيران الحرم.
يسكن بدر في حي راس العمود، التابع لقرية سلوان جنوب شرق القدس-، ما هي إلا قرابة 2 كيلو متر ويصل إلى الأقصى، لكن ظروف عمله كسائق شاحنة تمنعه إلا الذهاب مرة على الأقل، فيها يتخفف من أحمال الركض والعمل لدفع التضييق الذي يفرضه الاحتلال على حياة أهل القدس.

من باب العمود (الأسباط)، أحد الأبواب الـ15 للمسجد الأقصى دخل بدر، لاحظ تواجد كثيف لشرطة الاحتلال، شعر أن ثم خطب سيقع "كانت النية مبيتة للأشي اللي بيخططوا له واللي بده يصير" كما يحكي بدر لمصراوي.

ما إن قضى المصلون صلاة الفجر في المسجد القبلي بالأقصى حتى انقضت شرطة الاحتلال "كالمصاير" كما يصف بدر، سُمع دوي قنابل مسيلة دموع، فيما أغلق أبواب المسجد على مَن فيه. وقع بدر تحت الحصار هو وكل المتواجدين.

اعتاد بدر مثل هذه الوقائع، سريعًا رفع هاتفه وراح يصور مباشرة عبر فيسبوك ما يجري للمحاصرين داخل المسجد القبلي "كسروا زجاج المسجد اللي عمره مئات السنين بأعقاب البنادق"، فيما لا يتوقف دوي طلقات الرصاص والمطاطي.

قُرب الساعة السابعة صباحًا خرج المحاصرون في المسجد القبلي، واعتقل العديد من الشباب داخله. طلع بدر يحاول التقاط أنفاسه من أثر الغاز المسيل للدموع. أخذته أقدامه نحو قبة الصخرة "قعدت وأكم من رجال كبار ختيارية". لم يكن الرحيل خيار لدى الرجل الخمسيني ولا رفاقه المصليين، ما إن هموا اتخذوا مكان للوقوف والصلاة، حتى انقض عليهم جنود الاحتلال بالهراوات لإجبارهم على الخروج من ساحة الأقصى، تلقى بدر ضربات على قدميه ويديه بينما مازال يحمل هاتفه دون أن يتوقف عن التصوير.

ما تراجع بدر، تتهدج أنفاسه وتخور قوى جسده جراء الضربات لكن أبدًا لم يفر. ارتمى الرجل الخمسيني أرضًا، لمح جدار قبة الصخرة قريب منه، زحف إليها قليلاً جلس ركن جنبه، في تلك اللحظة كأنما دخل ابن القدس عالم آخر، لم يمسه فيه الضُر "شعرت براحة وطمأنينة أني راكن على بيت الله". في هدوء جلس متكئًا على جنبه الأيسر ورفع هاتفه ليواصل التصوير.

لم يفكر بدر في شيء "أنا مرتاح وقاعد في الأقصى ما حدا بده يطلعني منه. أكلت ضرب صحيح لكن قعدت". أكثر من 16 دقيقة ويحمل بدر هاتفه. مازالت الكاميرا مفتوحة، فيما تُسمع أنفاسه من وراء الشاشات.

كأنما حُجبت الأعين عن بدر، جلس الرجل فيما راح ينادي فيمن يراه "قعدوا. اللي بدهم إياه يعملوه. أحنا مش طالعين. طخوا شو ما بدكوا أحنا مش طالعين". كأنما تعويذة يلقيها فلا يقرب منه جنود الاحتلال "أقعدو هون على الأرض"، ظل يرددها بدر، البعض يستجيب، وآخرين دفعهم الإحتلال، فيما هو ظل جالسَا مرتكنًا لقبة الصخرة موقنًا بسر كلماته.


انسحب جيش الإحتلال يومها، وعاد بدر لمنزله وأبنائه الذين كانوا يشاهدون ما يجري له مباشرة، تداولت صورة الرجل الخمسيني على مواقع التواصل بتعليق " مش متزحزح قاعد فيها" ، والبعض أعاد رسمها، يشعر جميع من حول بدر بالفخر به، فيما يجد هو ما حدث خُلقًا طبيعًا لأهل القدس "المسجد الاقصى عقيدة كل مسلم ومش ممكن نبعد أو نغادر. أحنا ما نقدر نعيش أصلاً بدون الأقصى".

أكثر من 152 إصابة شهدتها إعتداء قوات الاحتلال على المسجد الأقصى يوم الجمعة الماضي، فيما بلغ عدد المعتقلين نحو 400 فلسطينيًا كما أفادت هيئة شؤون الأسرى والمحررين. أفرج عن عدد منهم ولا يزال البعض يتلقى العلاج في المستشفيات.

يوقن بدر أن أهل القدس "في رباط"، وما كان صموده البادي في الصورة الشهيرة إلا حاله على مدار أعوام نشأته بعاصمة فلسطين المحتلة. يذكر صاحب الخمسين ربيعًا أنه في الانتفاضة الأولى أعتقل عام 1989 وتم أسره في السجون الإسرائيلية لثلاثة أعوام، ولم يسلم؛ قبل 9 أعوام اعتدى جنود الاحتلال على ابنه الكبير فضل، نالت إحدى الضربات من رأسه فأفقدته الحركة وصار عقيد على كرسي متحرك، فيما يقف في طابور زيارات سجن نفحة الإسرائيلي لرؤية ابنه محمود المحكوم عليه بـ30 شهرًا بعد اعتقاله على خلفية دعم ومساندة أهالي الشيخ جراح العام الماضي.

يدفع بدر ثمن تمسكه بالحياة على أرضه شأن جميع الفلسطينيين، يدرك مخطط المحتل في فرض تقسيم زماني بين المسلمين واليهود لدخول المسجد الأقصى، يتقبل ما يقدمه برضا رغم المشقة، تكفيه صلاة يؤديها في رحاب الأقصى لتعيده إلى سكينة وصمود لا يعرفهما إلا أهل الأرض "أحنا عايشين في القدس ومرابطين حتى الله يريد لنا الفرج".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان