لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

السر في "القمامة".. كيف تواجه فلسطينية الاحتلال في القدس؟

08:10 م الأربعاء 08 يونيو 2022

كتبت-إشراق أحمد:

لم تستطع نجلاء عبد اللطيف أن تغض البصر عما ترى؛ النفايات في كل مكان حولها، خارج المنازل، في الطرقات والحدائق العامة، لا يخفى عنها كفلسطينية كم يقاوم صاحب الأرض في الحفاظ على مكانه، عز عليها ألا يحدث هذا أمام إهمال بلديات الاحتلال لنظافة مدينة القدس خاصة الجانب الشرقي منها الذي يسكنه الفلسطينيون، انتاب ابنة مدينة القدس إحساس بالعجز لعدم القدرة على فعل شيء، لازمها قلق داخلي دفعها للتفكير في إيجاد حل، وبالفعل "قررت أن أقلل نفاياتي الشخصية بقدر الإمكان".

"صفر نفايات فلسطين" مبادرة بدأتها نجلاء بنفسها، خصصت لها مدونة إلكترونية وصفحة على موقع انستجرام، تنقل عبرها يومياتها وأفكارها لحياة تخلو من الإهدار ويقل فيها استهلاك كل ما يضر البيئة وفي مقدمته البلاستيك. رأت الشابة العشرينية أنها إذا لم تمنع انتشار القبيح فلن تساهم في توحشه.

عام 2017، فاض كيل نجلاء، يوم تلو الآخر ويتضخم لديها الاستياء "حاسة حالنا عايشين بمكب النفايات"، تخرج من منزلها في وادي الجوز -شرق القدس- وترى الحاويات بالقمامة، تعود إليه فتجد حقيبة بلاستيكية ممتلئة بالمخلفات تجهزها أسرتها كل يوم، تتساءل "إذا كل عيلة مقدسية أو فلسطينية أو بالعالم بتطلع كيس زبالة كل يوم كيف بيكون منظر مكب النفايات؟".

طاردت التفاصيل نجلاء حتى استقرت لقرارها في تغيير أسلوب حياتها الذي تُكثر فيه من استهلاك الملابس وشراء المعلبات، بين ليلة وضحاها رفضت الشابة العشرينية عن عادات داومت عليها لأكثر من 20 عامًا، فيما توقن أن مهمتها ليس التقليل من القمامة والمخلفات الظاهرة بل أيضًا ما وصفته بـ"النفايات غير المرئية"، إذ تقول لمصراوي إن 50% من نفايات فلسطين تأتي من البيوت نتيجة الاستهلاك، ولهذا لا تقتصر يوميات ابنة القدس على التوعية بمخاطر استخدام البلاستيك وإلقاء القمامة بل كيفية تغيير السلوك.

في عام 2019، بلغت النفايات في فلسطين نحو 4.333 ألف طن في اليوم الواحد أي ما يقارب 1.58 مليون طن في العام وفق مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (وفا)، فيما يوجد 6 مكبات تُصنف أنها صحية مقابل العشرات من المكبات العشوائية -أماكن يُتخلص فيها من القمامة وتصبح معروفة بذلك-، وفي القدس مكب واحد فقط يحمل الصفات الصحية للتخلص من النفايات.

درست نجلاء إدارة أعمال واقتصاد، لكنها اليوم صارت تحمل لقب "ناشطة بيئية"، إلا أنها قبل هذا ابنة العاصمة المحتلة وتلمس ما يجري "في القدس هناك فرق واسع في الخدمات المقدمة من بلدية الاحتلال بين شرق المدينة وغربها ومن ضمنها التعامل مع النفايات وتنظيف الأماكن"، فالفرق واضح كالشمس كما تحكي "نجد عادة أحياء نظيفة في غرب المدينة وأهمال في شرقها".

ورغم ما يفعله الاحتلال من انتهاكات في أرجاء القدس، لكن نجلاء تجد أن جانب من مشكلة النفايات يعود إلى تعامل الفلسطينيين خاصة في "ظاهرة إلقاء النفايات في الشوارع"، توقن صاحبة السابعة والعشرين ربيعًا أن للحفاظ على نظافة كل شبر في فلسطين وخاصة القدس أهمية رمزية "تقليل النفايات يساعدنا بطريقة ما في تحقيقة السيادة على المساحة المتبقية لنا كمقدسيين ورعايتها في سياقنا الخاص".

تكتب نجلاء عن البيئة، وتنشر مقاطع مصورة قصيرة، تسعى من خلالها أن تُظهر "أننا لدينا كأفراد القدرة لتقليل تأثيرنا السلبي على البيئة من خلال تغيير نمط استهلاكنا"، تقدم الشابة وصفات بسيطة لتفاصيل الحياة اليومية عن بدائل الزجاجات والعلب البلاستيكية وشراء الهدايا، وتطرح أفكار تنفذها بالفعل لاستغلال فائض الطعام والملابس.

منذ نحو أربعة أعوام ونصف لم تعد الشابة بحاجة لشراء ملابس جديدة إلا في أضيق الحدود وتووقفت تمامًا عن جلب مستحضرات التجميل، فالأولى تتبادلها مع أصدقائها والثانية تعدها بمواد طبيعية في المنزل، وحتى المخلفات العضوية فمكانها حديقة منزلها، تستخدمها كسماد طبيعي للزراعة.

على مدار أعوام لمست الناشطة البيئية إقبال على المدونة، وزاد مع صفحة الانستجرام التي تحمل اسم "صفر نفايات"، يتواصل معها من يسعى مثلها لحياة نظيفة، تستقبل ردود فعل مشجعة، وكذلك تعليقات محبطة خاصة على موضوعات تغيير سلوكيات الحياة مريحة والسريعة مثل تجنب شراء الملابس الجديدة أو بمواضيع مثيرة تتعلق بالصحة مثل بدائل الفوط الصحية كما تحكي "يتقال إن طريقة تفكيري هي طريقة أجنبية وأنني التقطها من الغرب وأن هذه الأفكار لا تنفع في بلادنا"، لكن ابنة القدس ترى أن تقليل النفايات خصلة أصيلة في مجتمعنا "زمان أجدادنا كانوا يحافظون على الموارد دون هدرها ويعيشون بتناغم مع الطبيعة".

مرات يتمكن الإحباط من نجلاء، خاصة مع تكرار العبارات السلبية على أرض الواقع بينما تكون في مطعم أو متجر وترفض استخدام البلاستيك أو مع معارفها، مازالت تسمع كلمات مثل "شو راح يفرق هالكيس.. ما أصلاً خربانة خربانة البيئة. يعني الأشياء البسيطة اللي بتقللي منها راح تفرق؟". أحيانًا تفكر الشابة فيما يقال وتتساءل هل حقًا ما تفعله مُجدي وهي تسير بشوارع "عم تسبح بالبلاستيك والنفايات"؟

تجد صاحبة "صفر نفايات فلسطين" الإجابة كلما أمعنت في حياتها "استطعت أن أقلل من نفاياتي الشخصية بقدر 90% وفي السنة الواحدة بوفر ما بين 2500- 3 آلاف دولار"، تذكر كم أصبحت أوقاتها اليوم مريحة وتشعر بالرضا عنها لإنتاج مستلزماتها بنفسها وإعادة تدوير كل شيء تقريبًا، تستعيد الهدف الذي من أجله بدأت مبادرتها الفردية وإحساس العجز كلما رأت مكب عشوائي فتواصل المسير.

لا تكتفي نجلاء بالتوعية إلكترونيًا، بل تقدم محاضرات وتدريبات لطلاب المدارس وفي مؤسسات مجتمعية، فيما تعمل على إعددا محتوى مخصص للتدريب على الاستدامة خاصة في موضوع إهدار الطعام.

تراهن ابنة القدس على الزمن "بتمنى الأفعال الفردية يكون ليها تأثير أكبر على المجتمع وتتسرب هاي الثقافة وتنتشر"، تحلم بيوم يصبح فيه مراعاة تقليل النفايات سلوك عادي كالسير في الطرقات، وأن تصل رسالتها لأهل بلدها وكل العالم العربي "فلنحب الأرض والبيئة بقدر ما نحب الوطن. لأنه بالنهاية ما مغزى أن نحمي أرضنا ووطنا إذا لم نحافظ على البيئة التي نعيش فيها؟".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان