3 سنوات على متن "لوجوس هوب": رحلة متطوع من الإكوادور إلى بورسعيد
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
تقرير- صور- مارينا ميلاد:
يتجوّل شاب ذو شعر وعيون ملونة بين طرقات ضيقة مزدحمة ووسط أشخاص لا يشبهونه في أي شيء. يحاول بلغته الإنجليزية التي لا يتقنها أغلبهم أن يرشدهم. تلك هي وظيفته على متن السفينة "Logos hope – لوجوس هوب"، أكبر مكتبة عائمة في العالم، والتي ترسو الآن بميناء بورسعيد.
يشير "الكارنيه" المعلق في رقبته إلى أنه سبستيان مونكايو، الإكوادوري. وهو منسق زيارة السفينة إلى مصر بعد غياب 12 عامًا منذ رست آخر مرة بالميناء نفسه.
لقد وصلت رحلة "لوجوس هوب" التي لا تهدأ إلى المدينة التجارية المطلة على قناة السويس في الرابع من يناير الجاري، قادمة من الجارة "ليبيا"، لتفتح أبوابها للجميع وتقدم خمسة آلاف كتاب إليهم.
جذبت إليها آلاف المصريين من بورسعيد وخارجها، حتى تخطى عدد زائريها في الأسبوع الأول فقط الـ48 ألف زائر، كما يقول "سبستيان"، الذي يتولى بها مهمة شاقة، بدأت قبل وصولها، مهمة لا يتقاضى أجرًا عليها، كونه واحدًا من نحو 400 متطوع يمثلون 70 دولة مختلفة، جاءوا للعمل على متنها ليكونوا جزءًا من قصتها.
قبل 7 أسابيع من مجيء "لوجوس هوب" إلى ميناء بورسعيد السياحي، سبقها "سبستيان" ليتأكد أن كل شيء صار جاهزًا لاستقبالها. يقول: "كان عليّ ترتيب من أين سنحصل على الماء؟ كيف نتخلص من نفاياتنا؟ هل يسمح بدخول الناس إلى الميناء؟ ما هي الطريقة الصحيحة للدخول والخروج؟ ما هي الأحداث أو الأنشطة التي يمكن القيام بها؟ كيف سنفعل الدعاية؟ وما هي وسائل التواصل الاجتماعي الأكثر استخدامًا في مصر؟".
وعلى الرغم من صعوبة ذلك إلا أن "سبستيان" يراها "مهمة ممتعة بل وشرفًا له تمثيل هذه السفينة".
فالسفينة التي يعمل لأجلها جابت أكثر من مائة ميناء، باعت فيها نحو 10 ملايين كتاب، وقدمت مساعدات للمجتمعات الفقيرة. الدور الذي تؤديه منذ جمعت منظمة (Good Books For All – كتب جيدة للجميع) الألمانية الخيرية، التبرعات لتمتلكها عام 2004، وأطلقتها للعمل رسميًا بعدها بخمس سنوات.
بدأت معرفة "سبستيان" و"لوجوس هوب" عندما زارت بلده الإكوادور في ديسمبر 2018. كان الشاب البالغ 24 عامًا يعمل وقتها في شركة شحن بالميناء، جذبه فضوله ليرى ما يجري داخل السفينة، والذي لم يكن يشغل أناساً كثيرين في بلده – كما يتذكر. وجد صديقة له تعمل متطوعة بها، وكانت تتحدث دومًا عن أن "لوجوس هوب" مكان مثالي في كل شيء.
غيرت تلك الليلة مسار "سبستيان"، فترك وظيفته الآمنة والمال الذي كان يفكر فيه طوال الوقت حتى إن دراسته كانت عن الأعمال التجارية الدولية، وذهب مع "لوجوس هوب" منذ سبتمبر 2019. يصف مشاعره في هذا الوقت قائلا: "كنت أشعر بالفضول حقًا. تركت دائرة الوظيفة الجيدة والزواج والإنجاب، وقلت سيكون هناك وقت لذلك في مرحلة ما، أما الآن فمازلت صغيرًا لأجرب".
عزز قرار "سبستيان" ما قرأه عن المبادرات التي تفعلها "لوجوس هوب" خاصة في أمريكا اللاتينية وغرب إفريقيا، فيتحدث عن أنها أكثر من مجرد سفينة كتب، ويذكر على سبيل المثال توفيرها الكثير من أجهزة تنقية المياه للأشخاص غير القادرين، إلى جانب الدعم المعنوي للأطفال وكبار السن. لذا يقول جيمس بيري (قبطان السفينة) إن "يمكن تلخيص رسالة "لوجوس هوب" في ثلاثة أشياء: نشر المعرفة والمساعدة والأمل".
في محطة السفينة الحالية ببورسعيد، المدينة التي انتعشت بوجودها، يزدحم طابقها الأول المتاح للزيارة بعائلات وشباب وأطفال. يتوزعون بين ردهات المكتبة حول كتب متنوعة للأدب والعلوم والرياضيات وقصص الأطفال وتنمية الذات وفنون الطهي. البعض باللغة العربية والأغلب بالإنجليزية.
تلك الكتب التي تمتلكها "لوجوس هوب" تبلغ حوالي نصف مليون كتاب، تأتيها من أماكن عدة أبرزها مستودعاتها ببريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، بحسب "سبستيان"، الذي يمكث مع فريقه ليختاروا منها ما سيملأ الأرفف حسب لغة وثقافة الدولة التي سيرسو فيها.
ولأن السفينة تأخذ مسارها هذه الفترة بين دول عربية، فكان سهلا عليهم شراء كتب عربية وعدم التغيير كثيرًا في اختياراتهم، إلا عندما طالبت السلطات في ليبيا إزالة بعض الكتب ذات الصلة بالمسيحية. يقول "سبستيان" عن ذلك: "أعتقد لأننا عملنا لفترة طويلة في أمريكا اللاتينية، حيث الغالبية المسيحية، فأصبح لدينا الكثير منهم. ولكن حين أبحرنا نحو العالم العربي، فسوف نتكيف مع أي مطلب، رغم أن الكتب لا تسيء بأي شكل للثقافة الإسلامية".
الأهم في الاختيار بالنسبة لـ"سبستيان" هو التركيز على الموضوعات العامة وكتب الطهي والأطفال، "لتكون سفينة صديقة للأسرة"، كما يقول.
يلتفت "سبستيان" إلى اليمين ويشير إلى عائلات تجلس بالكافتيريا الخاصة بالسفينة: "هذا ما نريد رؤيته هنا".
تأتي سيدة عجوز لـ"سبستيان" وتقطع حديثه، لتسأله بإنجليزية متقنة عن كتب معينة. تتجه بعدها رانيا مدكور، التي جاءت من القاهرة بصحبة رحلة نادي "روتاري"، ناحية كتب الطهي، وتقول إن "القراءة هوايتها المفضلة لذا جاءت إلى هنا". لكن ما يميز "رانيا" عن أغلب الموجودين - إن لم يكن جميعهم - هي أنها ليست تجربتها الأولى مع مكتبة عائمة.
فقبل 30 عامًا جاءت سفينة لا تتذكر اسمها إلى مدينتها "الإسكندرية" وكانت تمتلئ بالكتب. لذا حين رأت خبر قدوم "لوجوس هوب" على مواقع التواصل الاجتماعي، لم تتردد في المجئ. فتقول: "الحدث مميز والاختيارات متنوعة، وأسعار الكتب هنا أرخص من أماكن بالإسكندرية والقاهرة".
تعرف "رانيا" وغيرها أسعار الكتب من الملصقات الموضوعة فوقها، والتي تشير إلى ما يسمى "الوحدات"، بمعنى أن المنتج المكتوب جواره 100 وحدة فتساوي 60 جنيهًا. ربما كان ذلك مكلفًا نسبيًا لهند يوسف، وهي ربة منزل، جاءت من القاهرة لأجل السفينة مع زوجها وأطفالها الأربعة.
يحتل بند الثقافة والترفيه الأخير في نسب الانفاق للأسر المصرية وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وربما تزيد الضغوط الاقتصادية الحالية من تراجعه. رغم ذلك؛ لم تعتبر "هند" أن هذه الزيارة رفاهية يمكن الاستغناء عنها، وتقول: "الكتب ستنمي أفكار أولادي، وهي فرصة للترفيه عنهم بزيارة بورسعيد أيضًا".
مع ذلك، وضعت "هند" ميزانية محددة لرحلتهم، واشترطت على أطفالها أنها ستشتري لكل منهم شيئًا واحدًا فقط.
يدرك شخص مثل "سبستيان" كيف تؤثر الظروف الإقتصادية على قرارات هؤلاء أكثر من أي وقت مضى؟، لكن فاجأه أن أناسًا كثيرين قرروا الشراء. فيقول: "لقد بعنا في غرب إفريقيا أو الشرق الأوسط أكثر مما بعناه في دول أوروبية.. ربما لصعوبة الحصول على ذلك لديهم مقارنة بأوروبا".
المبيعات الآتية من الكتب إلى جانب تبرعات المنظمات الخيرية وتنازل "سبستيان" وزملاؤه عن رواتبهم هو ما يساعد "لوجوس هوب" على الاستمرار والإبحار أكثر. فيوضح أن تكلفة الوقود وحدها في السنة تصل إلى 2.5 مليون يورو!، إضافة إلى حاويات الطعام وتكلفة التأشيرات والتصاريح، ورسوم الموانئ باهظة الثمن.
يحاول "سبستيان" وفريقه الحصول على خصومات من الدول التي ترسو السفينة بها. قد لا ينجح ذلك بالقدر المتوقع لأنهم يحصلون على الأقل على تكاليف التشغيل، وفقا لـ"سبستيان"، الذي يرى "إن استمرار لوجوس هوب هو معجزة".
يعمل "سبستيان" ستة أيام متواصلة في الأسبوع، ويحصل على يوم واحد عطلة. توفر له السفينة وجباته الثلاث طالما بقى داخلها، لكن إن رغب في الخروج، سينفق من أمواله الخاصة. مع ذلك، يضع خطة لجولاته في مصر، التي يزورها للمرة الأولى، بدأت ببورسعيد ثم القاهرة والأهرامات.
وبعد انتهاء ساعات عمله كل يوم، يخرج ليسير على الممر المطل على القناة، يحكي عن شعوره هنا: "الميناء هادئ. الطعام المصري شهي وجميل. شعرنا جميعًا بالدفء وكرم الضيافة هنا".
عادة ما يلفت نظر الشاب الإكوادوري، أن يأتي الزوار المصريين ليلتقطوا صورًا مع الأجانب، فيقول: "عندما نكون في أوروبا، لم يهتم أحد أن يتعرف علينا. لكننا نريد إقامة علاقات مع الناس، نريد أن نذهب إلى أبعد من مجرد التقاط صورة".
بدا اهتمام المصريين بالسفينة وطاقمها غير متوقع لـ"سبستيان". فأمام كلمة "لوجوس – Logos" الظاهرة على بدن السفينة، وهي كلمة يونانية تعني "كلمة، فكر، مبدأ"، يصطف العشرات من سكان المدينة الصغيرة وغيرهم كل يوم ليقطعوا تذكرة قيمتها خمسة جنيهات، تسمح لهم بالدخول إلى عالم "لوجوس هوب".
ولقرابة عشرين يومًا، تترك "لوجوس هوب" الفرصة لهم وتظل راسية في بورسعيد، ثم تنطلق منها نحو الأردن.
لكن رحلة سبستيان مونكايو معها، والتي مرت بـ15 بلدًا، قاربت على الانتهاء. سيغادرها بعد يونيو المقبل، ليعود إلى بلده. إذ يقول: "لا يمكنني العيش هنا إلى الأبد. قد حان وقت المضي قدمًا".
اقرأ أيضا:
مباحث.. أول سفينة علمية مصرية جابت المحيطات وعادت لتغرق على شواطئها
فيديو قد يعجبك: