اقتصاد الفراولة.. يوميات جني "الذهب الأحمر" بالقليوبية

كتابة وتصوير- محمود الطوخي:

مع نسمات الفجر الباردة يستيقظ محمد غانم صاحب الستين عاما من فراشه المتواضع داخل غرفة تطل على حقله بقرية (عرب الغديري-مركز طوخ- بالقليوبية)، فيما يهم ابنه أحمد "20 عاما" في المنزل بإيقاظ شقيقته الصغرى نورهان التي لم تكمل عقدها الثاني، قبل الذهاب إلى موقع تجمع العاملات الزراعيات بالقرية واصطحاب 5 منهن لمعاونتهم في جني ثمار الفراولة وتطهيرها من الحشائش.

تُعد قرية عرب الغديري واحدة ضمن كثير من القرى التي تشتهر بزراعة مساحات كبيرة من الفراولة، حيث يشكل "اقتصاد الفراولة" القوام الرئيسي لدخل غالبية الأسر بالقرية، بداية من تجهيز الأراضي وغرس الشتلات، وتركيب المشمع البلاستيكي وتقديم الأسمدة والمغذيات وحتى جني وتقطيف الثمار وبيعها لمصانع وكبار التجار، وتحتاج زراعة الفراولة إلى عمالة وفيرة ويجتذب حصدها عدداً كبيراً من رجال وسيدات القرية.

يعِدّ غانم وابنه الشاب ما يحتاجون من "أقفاص بلاستيكية" و "جرادل" تستخدم لجمع ثمار الفراولة "الفريش"، وعلى إثرها يبدأ ومن معه في رحلة الحصاد، وبعد مرور ساعة أو أكثر بقليل يشق الشعاع الأول من ضوء شمس ذهبية عنان السماء، ليكشف عن بحر من الخضرة ينعكس ضوؤه على حبات الفراولة التي تشبه في بريقها الزمرد والياقوت الأحمر في لوحة رسمتها الطبيعة بألوانها الفاتنة تسر الناظرين.

وفي هذه اللحظة تدب الحياة بصخبها وحيويتها من حولهم، ويمتلئ "الجردل" تلو الآخر بالفراولة و"القفص" تلو الثاني، حتى تتراكم الثمار في "جرادلها " فيبدأ الشاب الصغير في تفريغها وتجهيزها للبيع، وخلال ذلك يتفحص أحمد الحبات بعناية بغية التأكد من سلامتها، ولاختيار الثمار التي يستحسنها لتكون "وش القفص"، يواصل عمله والأقفاص الممتلئة تتزايد من حوله.

تظهر ابتسامة خفيفة على وجه غانم بعد صمت امتد للحظات تذكر خلالها الصعوبات التي واجهها خلال تجهيزه أرضه لمحصول الفراولة، بداية من الحرث ثم ري الأرض لتخضيرها قبل إعادة حرثها مجدداً من أجل إزالة الحشائش، ومروراً بتخطيط الأرض بخطوط عريضة متساوية على هيئة مصاطب، وحتى إعداد شبكة ري بالتنقيط، وغرس شتلات الفراولة.

ووفق غانم فإن تكلفة الشتلات ومواسير الري والمشمع البلاستيكي، والأسمدة، وأجرة عمال الزراعة، تبلغ حوالي 150 ألف جنيه للفدان الواحد. وهو ما يعتبره مجازفة كبيرة تؤرقه، وتجعله دائم التواجد بـ"الغيط" للاطمئنان على رأس ماله، خصوصاً وأنه اضطر لاقتراض جزءاً كبيراً من هذا المبلغ من أجل استكمال زراعة أرضه، آملاً أن يكون المحصول كريماً؛ لتسديد ديونه وتحقيق هامش ربح يشجعه على تكرار التجربة في العام المقبل.

تحتاج زراعة الفراولة إلى مجهود كبير ومتابعة مستمرة من غانم، فبينما يعتمد غانم والمزارعون على نظام الري بالرش خلال الأسبوع الأول من زراعة الشتلات، فإنها تعتمد في الأسابيع التالية على الري بالتنقيط، وهو أمر يحتاج إلى خبرة لتفادي تلف الشتلات.

مع كثرة تواجده في "الغيط" يصبح غانم وأقرانه من المزارعين علامات تميز كل حقل عن الآخر، فملازمتهم للحقول تجبرهم على الاستغناء على نمط الحياة الطبيعي، وتكون نبتات الفراولة وخدمتها هي شغلهم الشاغل، فيضع غانم فرشاً بلاستيكياً شفاف على المصاطب ويقدم مضادات لعفن الجذور، ومنشطات مثل "نترات الكالسيوم"، "حمض الفسفوريك" و"نترات الماغنيسيوم". بالاتفاق مع الشركات التي يقومون بتوريد المحصول إليها.

يمر فصل الخريف وتحين اللحظة التي يترقبها غانم والكثير من المزارعين، فتظهر الزهور البيضاء التي يتميز بها نبات الفراولة وتسبق ظهور "البشاير"، وتفصح الشجيرات عن الحبات الأولي من ثمار الفراولة، التي يكون لونها أخضراً في البداية قبل أن تكتسب لونها الأحمر الشهير.

ويهتم قطاع كبير من المزارعين بالقليوبية بإنتاج الفراولة "الفريش" والتي يتم توجيهها إلى التصدير وفق معايير وشروط صارمة تحددها شركات التصدير الكبرى، فيما يحرص عدد آخر من المزارعين على زراعة الفراولة " الفريجو (البلدي)" والتي يكون حجم ثمارها أصغر من " الفريش" وبينما يبدأ جني ثمار"الفريش" مع بداية الشتاء، فإن جنى ثمار "الفريجو" يبدأ مع حلول شهر مارس من كل عام بحسب مزارعين.

وخلال الشهر الأول من طرح الثمار يخصص التجار محصول الفراولة للتصدير لكثير من دول العالم التي تفضل الثمار المصرية على غيره، وتقدمت سفارة اليابان في القاهرة نهاية العام الماضي بخطاب شكر إلى الحكومة المصرية بسبب "جودة محاصيل الفراولة المصرية التي تصل إلى أسواقهم"، بحسب وصف السفارة.

وتتواجد الفراولة المصرية بقوة في كثير من أسواق كبرى الدول الأوربية مثل إنجلترا وألمانيا، إلى جانب بعض الدول الآسيوية مثل روسيا والصين واليابان، وبلغت صادرات مصر من محصول الفراولة 40 ألف طن، بحسب تقرير حديث صادر عن وزارة الزراعة.

ويستمر موسم تصدير الفراولة إلى الأسواق الخارجية لمدة شهر واحد بحسب غانم الذي يشير إلى وجود فروق شاسعة بين البيع للأسواق الخارجية والمحلية من حيث الأسعار.

لا يستطيع غانم إخفاء سعادته عندما يرى "الجرادل" الممتلئة بالفراولة وهي تفارق الحقل لجمعها في "الأقفاص البلاستيكية" التي يتسع كل منها لنحو عشرة كيلو جرامات، حيث تكسو الابتسامة ملامح وجهه الأسمر الذي يعاني الإجهاد.

بعد الانتهاء من تجميع الأقفاص يتم تحميلها إلى "التريسيكل" تمهيداً لبيعها بأحد مراكز البيع بقرية "الدير" الواقعة علي طريق (شبين القناطر- طوخ) بمحافظة القليوبية، ويتراوح سعر بيع الكيلوجرام بالأسواق المحلية ما بين 7 : 12 جنيهاً وهي لحظة محببة إلى غانم وللمئات من رفاقه المزارعين بالقرية.