إعلان

ليلى خالد.. مصراوي يحاور فدائية فلسطينية خطفت طائرة: "عملياتنا أرعبت إسرائيل" (خاص)

08:07 م الأربعاء 06 ديسمبر 2023

ليلى خالد مناضلة وفدائية فلسطينية

كتب- أحمد جمعة- سارة أبو شادي:
نضال سيدات فلسطين لم يختلف كثيرًا عن رجالها، فالمرأة الفلسطينية على مر التاريخ كان لها دور بارز في معركة التحرير، منها الفدائية والمقاتلة والشهيدة، بعضهن روى التاريخ حكايتهن وآخريات لا زلن مجهولات، من بين هؤلاء الفدائية الفلسطينية ليلى خالد، التي تعتبر أول امرأة تقوم بعملية خطف طائرة ركاب.

"ليلى" لم يكن نضالها فقط القيام بخطف طائرات لكنّها امتلكت تاريخًا كبيرًا في جبهة التحرير الفلسطينية، روت تفاصيله في حوار خاص لموقع "مصراوي"، تحدّثت فيه عن حياتها، وفشل الاحتلال في اغتيالها أكثر من مرة، ردّا على ما قامت به من دور بارز في محاولة تحرير وطنها.

صورة 1 ليلى خالد

"الظلم هو أصعب شيء على الإنسان، أن يكون مظلومًا أو مضطهدًا.. كيف يمكن لإنسان أن يكون لاجئًا ووطنه محتل؟ هذا يكفي لأن يشارك الشخص في تحرير بلده"، هكذا تقول ليلى، وهي الفتاة ذات الأربع سنوات حينها التي اضطرت للخروج من منزلها في مدينة حيفا، رفقة عائلتها والكثير من أبناء وطنها نحو أرض جديدة، وأُجبرت على العيش في وطن جديد عقب نكبة 48، عاشت بعد ذلك بدافع واحد فقط؛ وهو "الثأر من سارقي أرضها ومنزلها، ومن تسببوا في تشريد أهلها".

لم تتذكر ليلى الكثير عن لحظات الخروج من الأرض، لكنّها كان ترسم مزيدًا من مشاهده من خلال أحاديث والدها ووالدتها الذي ظل يُردد لسنوات داخل خيمة استقروا بداخلها في مدينة صور اللبنانية، بعدما تركوا منزلهم الكبير والحي الذي كانت تلهو في محيطه ليل نهار في فلسطين.

كبرت الفتاة وظل مفهوم المقاومة يراودها ليل نهار: "شيئ طبيعي أن يدفع الظلم الذي يقع علينا لقيامنا بالمقاومة، والشعب الفلسطيني ما عِنده خيارات، وليس أمامه إلا خيار الانتصار على هذا العدو ثم نعود إلى فلسطين، لأنني لاجئة مثل 12 مليون فلسطيني لاجئ أيضاً، وهذا واجبنا تجاه شعبنا، وإلا كيف يصمد هذا الشعب بمقاومته ووحدته الميدانية إلا مع اقتناعه بضرورة تحرير هذه الأرض، حتى لو كلفته الكثير من الدماء".

صورة 2 ليلى خالد

تنقلت ليلى خالد بين أماكن عدة في بادئ الأمر، عَملت كمعلمة بالكويت لفترة محدودة ثم عادت إلى لبنان، لكنها عاشت حياتها تبحث عن "فرصة الثأر"، حتى أتيحت لها وهي في العشرينات من عمرها، وكانت البداية مع تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ديسمبر عام 1967.

تُضيف الفدائية الفلسطينية: "رفعنا شعار المرأة والرجل معًا في معركة التحرير، الشعار الذي حمله الدكتور وديع حداد القيادي وأحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والذي بدوره عمل على اختيار المقاتلين والفدائيات للقيام بعمليات بطولية".

حينها وقع الاختيار على "ليلى" للقيام بعملية خطف طائرة ركاب تابعة لشركة "تي دبليو إيه" الأمريكية، وتحويل مسارها إلى سوريا، بهدف أساسي يتمثل في إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين، ولفت أنظار العالم أجمع إلى القضية الفلسطينية "أم قضايا العالم والشرق الأوسط"، حسبما تقول.

"أنا أدافع عن فكرة الثورة، ومن يؤمن بقضيته يعمل أي شيئ، ومفيش مستحيل بدليل أننا قمنا بهذه العمليات، لذلك عندما كُلفت بهذه المهمة كنت كتير مبسوطة وسعيدة لأنني أعرف أنني أعمل شيئا لصالح قضيتنا، وهي قضية عادلة ونحن أولى الناس بالدفاع عنها"، حسبما توضح ليلى.

صورة 3 ليلى خالد

لم تَهب ليلى الموت ولم يدركها الخوف من المُغامرة التي ستُقدم عليها والتي يمكن ألا تعود منها. لم تتردد في الرد على قائدها وديع حداد بالموافقة على العملية، والتي من شأنها أن تفتح عين العالم التي غفلت كثيرًا عن قضية تسمى "القضية الفلسطينية". بالفعل وفي بداية عام 1969، انضمت الفتاة الشابة إلى معسكرات تدريب تابعة للجبهة الشعبية في الأردن استعدادًا للمهمة.

وفي التاسع والعشرين من أغسطس 1969، قامت الفدائية الفلسطينية بمساعدة رفيقها سليم العيساوي بالصعود إلى الطائرة الأمريكية "WTA" والتي حملت رقم 840، وبدأ مسارها من نيويورك، ثم روما مرورًا بأثينا.

عند تلك المحطة بدأت ليلى ورفيقها العملية، إذ نهضا للسيطرة على الطائرة بـ"سلاح وقنبلة"، قبل أن تُجبر قائدها على التحليق فوق فلسطين، لتلقي نظرة على أرض الأجداد ويلمس قلبها طيفًا من مشاعر العودة، وتواصل رحلتها إلى تل أبيب، ثم تنتهي في دمشق، حيث سمحوا بنزول الركاب وتفجير الطائرة ذاتها.

تُضيف: "كانت المهمة خطيرة وبعد نجاحي وعودتي قررت أكمل النضال، حيث رفعنا شعار وراء العدو في كل مكان".

صورة 4 ليلى خالد

ليلى.. "أخطر المطلوبين"

تردد اسم ليلى خالد بعد العملية، وباتت "ملء السمع والبصر"، وانتشرت صورها بالمطارات، وأصبحت ضمن أخطر المطلوبين لدى الاحتلال الإسرائيلي تحديدًا، لكن هذا لم يُثني الفتاة عن استكمال عملها، فوقع الاختيار عليها للمرة الثانية لاختطاف طائرة جديدة، لكنها واجهت صعوبة في المرور من المطار حتى طرأت عليها فكرة تغيير ملامح وجهها، فأجرت عملية جراحية تجميلية في ألمانيا، حتى لا يتعرف عليها الأمن بالمطار.

وفي السادس من سبتمبر 1970 وبعد عام واحد فقط من العملية الأولى، صعدت ليلى على متن الطائرة الإسرائيلية "العال" رفقة زميلها باتريك أرغويو والتي كانت متجهة إلى نيويورك، لكن الفتاة ورفيقها لم يتمكنا من السيطرة على الطائرة فقتل زميلها، ونزلت الطائرة في مطار هيثرو ببريطانيا وتم اعتقال ليلى.

لم تكن تلك العملية الوحيدة التي كانت في هذا اليوم، بل حاولت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، خطف 3 طائرات عن طريق فتيات نجحت اثنتان منهن بالفعل، ونزلن بالطائرتين إلى مطار الثورة بالأردن، لكن اسم الفدائيات غير معلوم حتى اللحظة، حماية لعائلتهن اللاتي يتواجدون اليوم في مناطق الداخل المحتل، بينما فشلت من كانت تقودها ليلى خالد.

اعتقلت السلطات البريطانية ليلى، ومكثت في الحجز نحو 28 يومًا، حتى خرجت فيما بعد في صفقة تبادل أسرى.

صورة 5 ليلى خالد

كان الهدف من عمليات خطف الطائرات حسب الفدائية الفلسطينية، والتي استمرت ما بين عامين وثلاثة ثم توقفت الجبهة عنها لأنها قدمت دورها، والذي كان أبرزه خروج الأسرى من سجون الاحتلال، والأسيرات على وجه التحديد، وأيضًا محاولة لفت نظر العالم إلى ما يحدث على أرض فلسطين.

"لم يتركني الاحتلال؛ تعرضت لأكثر من محاولة اغتيال وكنت مجهزة حالي بحمل قنبلة معي ومسدس، لحمايتي"، هكذا تصف ليلى حالها بعد ما قدمته للمقاومة الفلسطينية، فبسبب عملياتها حاولت إسرائيل اغتيالها أكثر من مرة.

في المرة الأولى أثناء تواجدها في لبنان كانت ليلى تسكن في مكان سري، وبالرغم من ذلك اكتشفه الاحتلال وحاول استهدافها بقنبلة وُضعت تحت قطعة من أثاث المنزل: "كنت بره البيت ولما رجعت كنت بفتش على حاجة تحت التخت (كنبة الجلوس) لقيت عبوة ناسفة، كان بمجرد جلوسي عليها تنفجر".

غادرت حينها ليلى المنزل وأبلغت رفاقها بجبهة التحرير، وتمكنوا من إبطال مفعول العبوة التي كانت موجودة بالفعل. وبالرغم من فشل المحاولة إلّا أنّها تكررت للمرة الثانية، بعدما لاحقت ليلى سيارة على الطريق، لكنّها تمكنت من الهرب منها لتفشل محاولة اغتيالها للمرة الثانية، إلى أن جاءت المرة الثالثة تواجدها في منزل قائدها وديع حداد في بيروت.

الثانية منتصف الليل عام 1970، كانت ليلى تجلس في صالة منزل وديع حداد، تستعد لعملية جديدة تقوم بها، لتتفاجأ باستهداف المنزل بصواريخ، نجت الفتاة بينما أصيبت زوجة وديع حداد وابنه، خاصة وأن الاحتلال استهدف غرف النوم تحديدًا بالمنزل معتقدًا أن جميع من به نيام، لكنّ ليلى حينها كانت تتواجد خارج غرفتها وهو ما تسبب في نجاتها من الاستهداف.

تقول ليلى: "هذه هي المرات التي عرفتها، يمكن هناك محاولات لم أعرف بها حتى الآن، بعدما أدخلنا الرعب في قلوب الإسرائيليين".

صورة 6 ليلى خالد

رحلة النضال

استكملت ليلى نضالها، فعملت على مدار نحو 20 عامًا كعضوة بالأمانة العامة للمرأة الفلسطينية في جبهة التحرير، ثم أصبحت عضوًا في المجلس الوطني الفلسطيني ممثلا عن اتحاد المرأة الفلسطينية، وفي عام 2005 أصبحت عضوًا في للمكتب السياسي للجبهة الشعبية، وظلت ليلى في لبنان تساعد بالعمل السياسي والمشاركة في عمليات جبهة التحرير حتى اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982.

اضطرت ليلى للخروج رفقة أعضاء جبهة التحرير من لبنان، اختارت السيدة حينها الذهاب إلى سوريا وعاشت بها نحو 10 سنوات قبل أن تقرر الانتقال إلى الأردن، والتي لا زالت تقيم بها إلى الآن، "لم يسمح الاحتلال لي بالعودة إلى فلسطين نهائيا".

تطرقت الفدائية الفلسطينية في حوارها، إلى ما قدمه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر لجبهة التحرير الفلسطينية، فتحدثت عن أن عبد الناصر قال إن "هذه المقاومة وُجدت لتبقى وتنتصر"، وهم بهذا المفهوم والشعار يطبقونه ويستمرون في النضال، مضيفة: "مصر على مدار السنوات كان لها دور كبير في الدفاع عن القضية الفلسطينية، ودعمتنا كثيرًا على كافة المستويات سواءً الرسمية أو الشعبية، ولا تزال تقوم بذلك إلى الآن".

الحرب الحالية على غزة، رغم قسوتها لكنّها فتحت أعين العالم على القضية الفلسطينية والجرائم الإسرائيلية، وفقا لحديث ليلى خالد، متابعة: "الوقت الراهن مرحلة قاسية على شعبنا، لكن شعبنا صامد، وقضيتنا قضية عادلة وعلى العالم أن يقف أمام هذه المجازر التي تحدث وكلها أطفال ونساء، الآن بعد هذا النضال الطويل، فالعالم اعترف بالقضية الفلسطينية، وحقائق الصراع التي كان العالم لا يرى فيه إلا الطرف الإسرائيلي، ولا يرانا".

وتؤكد ليلى أن "تاريخ فلسطين سيظل شاهدًا على نضال أهل الأرض رجالها وسيداتها، من أجل الوصول في النهاية إلى تحرير بلادهم وأنفسهم".

فيديو قد يعجبك: