لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

من درة فلسطين لشام سوريا.. أطفال عرب تعاطف معهم العالم

04:02 م الثلاثاء 28 فبراير 2023

أطفال عرب تعاطف معهم العالم

كتب- عبدالله عويس:

كانت المأساة واحدة، تأثرت دولتان، من جنوب وشمال. لا فرق بين ضحية وأخرى، الزلزال باغت النيام، فحبس أسفل البنايات «مساجين الحجارة» بعد هزة أرضية هي الأعنف منذ عقود، سجلت 7.8 درجة على مقياس ريختر.

في زلزال شرق المتوسط، الضارب بعنف جنوب تركيا وشمال سوريا، في السادس من فبراير الجاري، تعالت صيحات دول ومنظمات بضرورة توجيه المساعدة للدولتين، كما تعالت صرخات من تحت الأنقاض، لربما يكون لها صدى فيبعثون للحياة من جديد، فخرجت صور ومقاطع مصورة لأطفال، فرضت نفسها على الاهتمام الدولي، لمن كتبت لهم النجاة، ولمن خرجوا جثثا هامدة، حتى انتهت عمليات الإنقاذ الأسبوع الماضي.

في ذلك المشهد، كان واقع الأطفال السوريين أشد صعوبة، لنقص المعدات، وتهالك البنية التحتية والعقوبات المفروضة على دمشق، في بلد مزقته الحرب، فذكرت بحكايات مأساوية لأطفال عربية، يحتفظ التاريخ بسجل قاس لهم، وصل صداه للعالم أجمع، ليكون «أطفال زلزال سوريا» حلقة في سلسلة قابلة للزيادة، من لدن محمد الدرة إلى الخارجين من تحت الأنقاض.

مأساة مضاعفة

تجاوزت أعداد ضحايا الزلزال أكثر من 50 ألف قتيل حتى الآن، ما بين سوريا وتركيا، وتقدر منظمة الصحة العالمية أعداد المعرضين للتأثر بتبعات الزلزال لنحو 23 مليون شخص، من بينهم مليون طفل.

كانت الصرخات تتصاعد من بين حطام البنايات في محافظتي إدلب وحلب وريفيهما، ما بين القابعين أسفل الحطام، والعاملين على إنقاذهم، لحظة انتشال جسد، ما بين حي وميت، فتنطلق التكبيرات، أو أصوات البكاء، جامعة بين قسوة المشهد، أو بعض معجزاته، فيتلقفون الرضيع أو الصغير وكلهم أمل في إنقاذ آخر، أو على أسوأ تقدير إخراج جثمانه.

عشرات الضحايا من الأطفال استدعوا التعاطف العالمي، كما تبرز تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي من معلقين عرب وغيرهم، فيذكرون بواقع أليم ضاعفه الزلزال، استدعى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، لطلب المساعدات لأكثر من 6 ملايين ونصف المليون طفل في سوريا، هم في أمس الحاجة لها.

يقول حميد القطيني، وهو أحد المتطوعين في «الخوذ البيضاء» وشارك في إنقاذ أحياء وإخراج جثامين، في حديثه لـ«مصراوي» إن أحد المشاهد التي ستظل عالقة في ذاكرته، لأب وابنه فوق بناية وقد مزقتهما أسياخ حديدية، وكان الاثنان أول ضحيتين يراهما.

بين تلك الحالة القاتمة، والمشاهد القاسية من سوريا، خرجت رضيعة ولدت تحت الركام، في بلدة جنديرس شمالي سوريا، بعدما انتشلها عمال إنقاذ، قاطعين الحبل السري الذي يربطها بأمها التي قتلت وباقي أسرتها تحت دمار منزل العائلة. وحاز مقطع الفيديو الموثق للمشهد آلاف التفاعل وملايين المشاهدات.

كان فيديو آخر قد لاقى تفاعلا كبيرا، لطفلة اسمها «شام» كان رجال الإنقاذ يغنون معها أغنية على اسمها. يقول حميد القطيني، وهو أحد من أنقذوها، إن الفتاة ظلت 40 ساعة تحت الأنقاض في ريف إدلب، وفقدت والدتها وشقيقتها، فيما أنقذ والدها وشقيقها.

الطفلة السورية شام

تمر تلك اللحظات النادرة سعيدة على الرجل، لكن تضاؤل فرص الإنقاذ جعلته حزينا، حتى مر 16 يوما على الزلزال وتوقفت الإغاثات: «هذا أمر قاس وصعب علينا، ونعتذر للعالم عن هذا الأمر لكنه خارج إرادتنا».

ورغم نجاة شام الشيخ، من تحت الأنقاض، إلا أنها مهددة من الناحية الصحية، وجرى نقلها وشقيقها الخميس الماضي إلى تركيا لتلقي العلاج اللازم والخضوع لعمليات جراحية بعد إصابتها بـ«متلازمة الهرس».

وتحذر مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، من أن الزلزال ربما شرد 5.3 مليون شخص في سوريا. رقم ضخم لشعب يعاني من نزوح جماعي، كما وصف ممثل المفوضية في سوريا سيفانكا دانابالا، في مؤتمر صحفي بعد أيام من الزلزال.

بحكم عمله في أحد الفرق التطوعية لمساعدة رجال الإنقاذ ورعاية المصابين، يرى عبد الله كميت، مشاهد قاسية. ومع الساعات الأولى من الزلزال كانت فرص الإنقاذ مقبولة: «كنا نسمع أصواتا في بعض الأماكن، مع بداية الأسبوع الثاني لم نسمع شيئا، فرص الإنقاذ وصلت إلى نهايتها» يحكي الشاب لـ«مصراوي»

كان عبد الله صاحب أحد أشهر مقاطع الفيديو الخاصة بمصابي زلزال تركيا وسوريا، فقد التقط فيديو لـ«طفل الموز» الذي كان في مستشفى بعد إنقاذه: «وضع الأطفال في غاية الصعوبة، تمزق أحوالهم جميعا القلب، سواء من تم إنقاذهم أو غيرهم».

ريان.. وفبراير الحزين

كان العالم العربي على موعد مع الحزن في فبراير مرتين. هذا العام كان حدث الزلزال، وفي 2022 كانت قصة الطفل المغربي ريان، ذي الخمس سنوات، حديث العالم بأسره، حين سقط في بئر ضيقة، بعمق يصل لـ32 مترا، وقطر يصل لـ45 سنتيمترا، في إحدى قرى مدينة شفشاون، فأثارت تعاطفا عالميا.

الطفل ريان المغربي

ومنذ سقوطه في البئر في الأول من فبراير 2022 حتى إخراجه في الخامس من الشهر نفسه كانت الآمال أن يخرج الصغير حيا، لكنه كان قد فارق الحياة، بعد عمليات حفر وتنقيب امتدت لأيام. وتعاطف مع الصغير وأسرته رؤساء دول، وأندية رياضية وفنانون ومشاهير. تابع قصته الملايين في العالم العربي وخارجه، بين دعوات بالخروج حيا، وتعاطف بعد أن خرج ميتا.

عمران.. وحطام مختلف

وعلى ما يبدو فإن أطفال سوريا كان لهم نصيب كبير في قائمة الأطفال العرب الذين تحققت لهم شهرة عالمية بمآسيهم، من بينهم الطفل عمران دقنيش، الذي قصف منزله في الـ17 من أغسطس لعام 2016، في مدينة حلب، قبل أن تخرجه فرق الإنقاذ من تحت الأنقاض، ثم إخراج أسرته.
 الطفل السوري عمران الذي أُنقذ من تحت الأنقاض

مقطع مصور، جاب العالم، وتناقلته محطات إخبارية عالمية. يجلس الصغير داخل عربة إسعاف ووجهه ملطخ بالدماء والتراب. كان صمته بليغا، لا بكاء ولا كلمة. يمسح بيسراه وجهه ثم يبصر كفه فإذا الدم، يفكر في مسح الدم عن يده فلا يجد سوى الكرسي الذي يجلس عليه. بضعة ثوان كانت مبكية لكثيرين، منهم مقدمو نشرات في قنوات دولية، وبرزت صورته على الصفحة الأولى لصحف غربية. مات شقيق عمران، بعدما عانى نزيفا داخليا، في ذلك الحادث وفارق الحياة في الـ21 من أغسطس عام 2016، لكنه لم يأخذ نصيب عمران من الشهرة، الذي بات في حال جيدة، لكن مشهده لا يفارق كثيرون.

آلان.. وخزة بصدر العالم

كانت مشاهد عمران، تذكر بحدث مضى عليه أقل من عام، ربط كثيرون آنذاك ما بين المشهدين. مطلع سبتمبر عام 2015، عثر على جثة طفل على أحد شواطئ تركيا. كانت الصورة التي التقطتها الصحفية التركية نيلوفير ديمير تحقق انتشارا كبيرا، دفعت بها لصدارة الصحف الورقية والمواقع الإخبارية وشاشات التلفاز، ومن قبلهما مواقع التواصل الاجتماعي. ومع كل عام في ذكرى الحدث، يعود الحديث عن الطفل وأوضاع اللاجئين، والفارين من الأزمات والصراعات.

آلان عبدالله الكردي.. اسم توقف العالم أمام صورة صاحبه كثيرا، كان الطفل رفقة والده عبد الله ووالدته ريحان وشقيقه غالب في زورق أبحر من أحد شواطئ تركيا، للهروب إلى جزيرة كورس اليونانية، غير أن الموج ابتلع الجميع، بما فيهم ركاب آخرين. حاول الأب حماية ابنيه من الغرق، لكنه فشل في الأمر، ووصل جسد آلان إلى أحد شواطئ تركيا، حين عثرت عليه الصحفية نيلوفير ديمير والتقطت الصورة، دون أن تعرف أنها ستحقق كل هذا الزخم من التفاعل.
الطفل السوري آلان

خرجت نداءات حادة في بضعة دول، تنادي الدول الأوروبية لتيسير استقبال اللاجئين، وزيادة جهودها في توفير مساكن لهم. كان لهذه النداءات صدى، فأعلن رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ديفيد ماكرون، أن بلاده ستستقبل آلاف اللاجئين السوريين الإضافيين. كما أن فنلندا، وضعت صورة إيلان على عملتها الوطنية، للتذكير بأهمية العدالة وحقوق الإنسان حول العالم.

الدرة.. الأيقونة

تتعدد مآسي أطفال عربية، حفرت قصصهم في أذهان أجيال متعاقبة، لكن الجميع يعرف حكاية محمد الدرة، سواء من عايشوه أو من جاؤوا من بعدهم، رغم مرور 23 عاما. عد الطفل ذي الـ12 عاما حين قتل، أيقونة ورمزا. كان ذلك في عام 2000، وعلى الهواء مباشرة.

كان الطفل رفقة أبيه جمال، خرجا من المنزل في مخيم البريج بقطاع غزة، لمزاد للسيارات، حتى وجد نفسه محاصرا بين نيران جنود الاحتلال الإسرائيليين. اختبأ الرجل خلف برميل أسمنتي، وخلفه ابنه، صارخا لوقف إطلاق النار. لكن الطلقات كانت أعلى صوتا من صرخات الرجل، فاخترقت بطن ابنه، ومات.
الطفل الفلسطيني محمد الدرة

ولد الدرة في عام 1988، في أسرة بسيطة يعمل ربها في مهنة النجارة، وحين قتل الصغير، رزقت الأسرة بطفل آخر فسمته على اسم فقيدهم «محمد». يقول مصور الفيديو طلال أبو رحمة، في شهادة خطية بعد أيام من الواقعة، إنه صور 27 دقيقة من الأحداث الجارية آنذاك، منها 64 ثانية تخص محمد الدرة وأبيه، لكن ما عرض منها 59 ثانية. أثار الفيديو آنذاك غضبا كبيرا واستهجانا عربيا وإسلاميا، وامتد أثر ذلك للعالم كله، على أن وقائع قتل الأطفال لم تتوقف.

ما بين أطفال أنقاض زلزال تركيا وسوريا، وبالرجوع إلى محمد الدرة، عشرات القصص المأساوية، لأطفال عرب، لقوا حتفهم أو تعرضوا لأزمات كبرى، نتيجة ظروف مختلفة، تلعب فيها الطبيعة دورا، ويلعب النزاع أدوارا أخرى. وما بين الاثنين، طفولة مهدرة كان لها أن تمرح وتلهو.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان