إعلان

"تطبيب الختان".. سياسات خاطئة وضعت المشرط بيد الطبيب وتفشل في نزعه

07:05 م الثلاثاء 26 سبتمبر 2023

ختان الاناث

تحقيق - سارة جمال

"مش هانسى لما عروني وكتفوني".. لم تكن ريم، تعرف أنها ستخضع للختان، اصطحبتها والدتها لزيارة جدتها، وهناك تم تقييد يديها وساقيها، وأشهرت الممرضة ذات الوجه الذي لا يزال يفزع ريم، أداة تشبه المشرط وقطعت جزءا قررت أنه غير ضروري من جسدها.

تطبيب الختان، هو إجراء تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية من قبل بعض مقدمي الرعاية الصحية، مثل الطبيب أو الممرضة. خضعت 83% من الفتيات بين 0-19 سنة ممن تم ختانهن لمشرط طبيب أو ممرضة، بحسب المسح الصحي 2021.

مصر هي الأولى في تطبيب الختان بين 31 دولة في العالم يمارس فيها تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، ومنح تطبيب الختان الأمهات والآباء شعورا زائفا بالثقة في تلك العملية، بسبب قيام أطباء أو ممرضون أو مهنيون يعملون في مجال الصحة بإجرائها، وفقا ليونيسيف.

ماريا أرميا، أخصائية أمراض النساء والتوليد، قالت إن ثقافة وممارسة الختان لا زالت شائعة، وإن أسر الفتيات يلجأون للأطباء والممرضات لإجراء الختان خوفا من تعرضهن لمضاعفات كالعدوى أو النزيف، وكذلك ليريحوا ضمائرهم بأنهم ذهبوا لطبيب وهو من قام بالإجراء.

ينتهك مقدمو الرعاية الصحية الذين يقومون بتشويه الأعضاء التناسلية للإناث حقوق الفتيات والنساء في الحياة والسلامة الجسدية والصحة، كما ينتهكون الأخلاق الطبية الأساسية المتمثلة في عدم إلحاق الضرر، وفقا للأمم المتحدة.

ولا يطلق على الختان في معظم الأنحاء التي ينتشر بها إجراءه في مصر، هذا المصطلح، ولكن يقال عنه بفخر وفم ممتلئ "طهارة"، وهو مصطلح يلقي ظلالا ملائكية ومقبولية مجتمعية واسعة لتلك الجريمة.

ريم: "فاكرة كل حاجة كأنها حصلت إمبارح"

كانت ريم، طفلة في عمر العشر سنوات حينها ولم تفهم ما حدث بجسدها، ولم يهتم أحد بالشرح لها، واكتفت والدتها بالقول، إن "الطهارة" ضرورية وتحدث ويجب أن تحدث لكل الفتيات، ومن لا يتم ختانها "لما تكبر بتبقى قليلة الأدب".

في القرية التي تنتمي لها ريم، بريف محافظة المنوفية، بالوجه البحري، لا زالت الفتيات يقيدن ويخضعن للختان، على يد طبيب أو ممرضة ولكن دون علانية كما كان في السابق، كما تؤكد لنا ريم ووالدتها.

فضلت والدة ريم، ومثلها أمهات القرية اللجوء للأطباء والممرضات لإجراء الختان، بديلا عن الدايات اللاتي كان يتم الاستعانة بهن في وقت سابق، اعتقادا منهن أن الأطباء متخصصون ويقومون بالختان بالشكل الصحيح الذي لا يسبب مشكلات للبنات.

رغم كل ما يثار عن الختان وأضراره وتجريمه، لا زالت والدة ريم، مقتنعة بأن ما فعلته ببناتها الأربع كان ضروريا، وتحاول إقناع واحدة منهن بإجراءه لطفلتيها أو فحصهن لدى طبيب على الأقل، مستنكرة رفضها.

أما ريم، فتصاب بنوبة فزع إذا اضطرت للمرور قرب منزل الممرضة أو التقتها مصادفة، رغم مرور أكثر من خمسة عشر عاما على ذلك اليوم، تضيف: "فاكرة كل حاجة كإنه امبارح مش هانسى لما عروني وكتفوني.. لسة باترعب منها".

تقول ريم، إن كل الفتيات كن يخضعن للختان، ومن لا تخضع له يتم انتقادها حتى من الفتيات أنفسهن، واتهامها بسوء الخلق.

تشعر ريم، التي تزوجت قبل عدة سنوات، في كثير من الأوقات أنها لا تستمتع بعلاقتها الجنسية مع زوجها ولا ترغب بمواصلتها، وتعتقد أن الختان السبب، لأنها تحب زوجها وليس لديها مشكلات معه.

الطبيبة ماريا أرميا، تقول إن الفتيات لا تنسين كشف مناطقهن الخاصة أمام جمع، ولا ينسين تقييدهن وقطع جزء من أجسادهن، ويعانين من آثار نفسية سلبية، تنعكس عليهن لاحقا في علاقاتهن بأزواجهن وثقتهن بأنفسهن ويشعرن بأنهن ينقصهن شيئ وبأجسادهن عيوب، وتسوء الأمور أكثر حال تعرضهن لانتقادات من أزواجهن.

كيف وصل مشرط الختان للأطباء والممرضات؟

في سبتمبر من العام 1994، وبينما كانت مصر تستضيف مؤتمر السكان الذي على بنوده مناقشة قضية الختان، بثت شبكة سي إن إن تقريرا مرعبًا لطفلة صغيرة تدعى نجلاء، يقوم والدها بتعريتها وتقييد يديها وفتح ساقيها، بينما يقوم حلاق صحة بختانها.

كانت أطراف الفتاة ترتعد وتتعالى صرخاتها واستغاثاتها بينما يتسلى جمع مبتسم أغلبهم من الذكور بمشاهدتها، على صدى زغاريد أمها.

بعد إذاعة التقرير التليفزيوني بأسابيع وما أثاره من انتقادات، أصدر وزير الصحة قرارا بهدف نزع مشرط الختان من يد حلاق الصحة، ولكنه وُضع بيد الأطباء والممرضات، ولم يستطع أحد نزعه حتى الآن رغم توالي القرارات وتشديد العقوبات.

جراف الختان

ترى يونيسيف، أن القرارات الوزارية الصادرة في التسعينات والتي تقصر إجراء الختان على مرافق ومنشأت طبية محددة وفي الحالات التي يكون فيها للختان ضرورة طبية، تاركة الحكم على ضرورة إجراء تلك العملية من عدمها للممارسين الطبيين، من بين العوامل التي أسهمت في تطبيب عملية ختان الإناث.

كما شجعت حملات مكافحة ختان الإناث التي ركزت بشكل حصري على المخاطر الصحية للعملية، على تصنيفها كقضية ومسألة طبية.

إيمان: "مش مسامحاها.. حاسة إني عريانة من وقتها"

إيمان، هي فتاة قاهرية، تسمع أمها المتعلمة والموظفة بوزارة الصحة، كثير من حملات التوعية التي تتحدث عن ختان الإناث وأضراراه، كما تعاني هي نفسها من آثار ختانها، ولكن ذلك لم يكن كافيا لتعتق بناتها الثلاث من مرور المشرط بأجسادهن أو إخضاعهن للفحص.

في ذاك اليوم طلبت الأم من إيمان، أن تغتسل ليخرجا معا لشراء ربطات شعر وطلاء للأظافر، ولكن النزهة التي تحمست لها الصغيرة انتهت داخل أحد المستشفيات التي كانت تشرف على إدارتها في ذلك الوقت واحدة من الجماعات الإسلامية، وتحديدا في عيادة النساء والتوليد.



أمرها الطبيب بنزع بنطالها ليفحصها، وحين رفضت وحاولت الخروج من الغرفة وبدأت بالبكاء والصراخ صفعتها والدتها، وجرتها حتى سرير الفحص وقامت بتعريتها.

تقول إيمان: "كنت عارفة خلاص إنه هيطاهرني ومرعوبة ومكسوفة"، ولكن الطبيب قال "البنت مش محتاجة دلوقتي"، أما أمي فبدأت تلح عليه "أكيد مش محتاجة؟.. اتأكد يا دكتور"، ليعيد الفحص ويجيبها: "حاليا لا ممكن تجيبيها كمان كام سنة نشوف".

نجت إيمان، من المشرط، ولكن علاقتها بوالدتها لم تعد أبدا كما كانت، تقول: "مش مسامحاها.. حاسة إني عريانة من وقتها".



تدوين: نصف طلاب الطب يعتقدون أن بعض الفتيات بحاجة للختان

كشفت دراسة استقصائية لمركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، نُشرت ديسمبر 2020، حول معرفة واتجاهات وممارسة طلاب كليات الطب لختان الإناث، أن 10% من طلاب كليات الطب ينوون ممارسة الختان مستقبلا، بينما لم يحدد 8% موقفهم بعد.

كما يعتقد نصف الطلاب المشاركين بالدراسة، أن هناك بعض الحالات التي تستدعي ختان الإناث، ويؤيد ٨٢% من هؤلاء الختان في حالة الشكل "غير المناسب" للعضو التناسلي.

دكتورة أمل فهمي، مديرة مركز تدوين، والباحثة بالدراسة قالت إن الهدف من الدراسة هو تحديد اتجاهات طلاب الطب نحو الختان، ودرجة تأييدهم لتلك الممارسة، وموقفهم من إجراء ختان للإناث في المستقبل.

تعتقد أمل، أن تفشي تطبيب الختان مرتبط بالرسائل التوعوية التي ركزت في البداية على المخاطر الطبية للختان، مثل النزيف وتلوث الجرح والعقم وغيره، وفي المقابل لجأ المواطنون للأطباء لإجراء الختان لتجنب المضاعفات الطبية.

وترى أمل، أن بعض الأطباء يقبلون إجراء الختان بسبب تشبعهم بالثقافة المجتمعية التي تربطه بضبط سلوك النساء، كما يعتبره البعض إجراءا دينيا، ويجريه آخرون لتحقيق مكاسب مادية، فضلا عن الحصول على القبول المجتمعي وتجنب التعرض للوصم.

تتابع أمل: "بعض الأطباء أخبرونا أنهم إذا حاولوا التوعية بمخاطر الختان، يتم وصمهم بأنهم (أشخاص مش كويسين)، ويتوقف المواطنون عن التعامل معهم، وأن بعضهم يضطر لإجراء الختان، أو قطع جزء صغير، أو إيهامهم بإجراءه حتى لا يفقدوا مكانتهم".

تؤكد أمل، أن تطبيب الختان يجب أن يتوقف لأن الأطباء يمتلكون المعرفة بمخاطره وأضراره، ولأنهم يخالفون قسمهم المهني بإجراءه، كما أنهم يتمتعون بمكانة مجتمعية لذا فإجرائهم للختان يضفي عليه الشرعية والقبول المجتمعي ويصعب من حملات مقاومته.

طبيب يجري الختان: بنعمل خفاض وليس ختان

الطبيب م، والذي رفض التصريح باسمه خوفا من الملاحقة القانونية، يدافع عن موقفه من إجراء الختان بواحدة من مدن الوجه البحري، بأن يطلق عليه "الخفاض"، يقول بثقة: "طبعا الختان غلط عالبنت، لكن إحنا مبنعملش ختان بنعمل خفاض وده مفيد للبنت وبيحميها، وهو اللي أمرنا بيه الرسول".

يرى الطبيب، أن الختان سيتم في كل الحالات سواء قبل الطبيب أو رفض بسبب رغبة ذوي الفتيات، وأن الأفضل أن يجريها هو كطبيب لتقليل فرص العدوى والنزيف، وليزيل جزء صغير فقط، مضيفا أن الأطباء كان مصرحا لهم في وقت سابق بإجراء الختان.

وردا على تجريم القانون وتحريم دار الإفتاء للختان، زعم الطبيب: "إنهم يحرمون الأمور ويبيحونها بناءا على موقف الدولة والضغط من الغرب"، وهو ذات الموقف الذي تبنته أيضا ممرضة بوزارة الصحة، رفضت التصريح باسمها، والتي تقوم بالترتيب مع طبيب لختان الفتيات في مدينتها بإحدى محافظات الوجه القبلي.

كثيرا ما يعرض على ماريا أرميا، أخصائية أمراض النساء والتوليد، أن تجري عمليات ختان أو فحص للفتيات لاستكشاف مدى حاجتهن للختان، وهو ما ترفضه فتلقى بالمقابل استنكارا وغضبا من ذوي الفتيات ويذهبون بلا عودة.

ترى ماريا، أن بعض الأطباء يقبلون بإجراء الختان ليحصلوا على ثقة مجتمعهم وتقبلهم، وبالتالي المزيد من الحالات التي تحتاج لاحقا لمتابعة الحمل والولادة وغيره وليس الختان فقط، بالإضافة لاقتناع البعض بأنه إجراء ديني، وهؤلاء يطلقون عليه "ختان السنة".

تؤكد ماريا، أن بعض الأطباء يجرون جرحا ظاهريا لإقناع أهل الفتاة أنه تم ختانها، ولكنها ترى أن ذلك ليس حلا مقبولا فرغم أنه قد يجنب الفتاة الختان لكنه سيساهم في استمرار تلك الممارسة، كما أن بعض الأسر لا تقتنع بالختان الخفيف ويعيدون إجراءه.

هبة: عدم "طهارة" البنت في الصعيد "عيبة"

كانت هبة، صغيرة بعمر ٦ سنوات تقريبا، ومعها أختها الأصغر، حين مر الموس المقسوم لنصفين بجسديهما، لم تكن تعلم أنها ستخضع في ذلك اليوم البعيد للختان، ولا تعرف مكان إجراءه أو الهدف منه.

تتابع هبة: "كنت صغيرة أوي ومش فاهمة حاجة، بس كنت عارفة إن (الطهارة) بتتعمل لكل البنات فطبيعي هيعملوها لنا".

في القرية التي تقيم بها هبة، بمحافظة قنا بصعيد مصر، تتم حتى اليوم، حملات الختان الجماعي للفتيات، وأغلبها على أيدي أطباء أو ممرضات، ولكن في المنازل بعيدا عن العيادات والمستشفيات.

تحكي هبة، عن تجمع قريب للختان الجماعي، حيث تم جمع أكثر من عشر فتيات من الأخوات والقريبات والجارات وتم الاتفاق مع طبيب زارهم في منزل إحداهن وأجرى لهم جميعا الختان.

طبيبة النساء ماريا أرميا، والتي تعمل في محافظة سوهاج بصعيد مصر، أيضا، تؤكد حدوث عمليات الختان الجماعي للفتيات على يد أفراد من القطاع الطبي كالأطباء والممرضات في محافظتها، وفي الصعيد عموما، ويصعب الختان الجماعي إفلات الفتيات من الختان، انصياعا للثقافة المجتمعية والتحرك الجمعي وخوفا من الوصم.

بعد عشرين عاما من خضوع هبة، لممرضة، تقسم أمواس الحلاقة لتهتك أجساد الفتيات، تفكر الأم الشابة الحاصلة على شهادة جامعية، بمصير ابنة لم ترزق بها بعد، ولم تحدد كذلك موقفها من ختانها أو عدمه.

تعلم هبة، جيدا ما تتعرض له سيدة تفكر بعدم ختان ابنتها في بلدتها: "جوزها وأهله هيعترضوا والخبر ينتشر ويقولوا فلانة مش مطاهرة بنتها.. ودي هنا عيبة في حقها، فالأم بتقبل غصب عنها".

تشاهد هبة، كغيرها من أهل قريتها حملات التوعية بمخاطر الختان وتجريمه، ولكنها ترى أنها ليست مؤثرة: "شايفين إن عدم طهارة البنات حاجة عيب وإن الدكاترة بيعملوها فمفيش خطر.. في واحدة اتجوزت وكانت مش متطاهرة جوزها عايرها وحكى لأهله".

وفقا لصندوق الأمم المتحدة للسكان، فإنه لا يمكن أن يكون تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية آمنًا أبدًا، حتى عندما يتم في بيئة معقمة وبواسطة أخصائي رعاية صحية، وأن تطبيب الختان يعطي إحساسًا زائفًا بالأمان رغم ارتباطه بمخاطر جسيمة.

بقبول عاملين بالقطاع الطبي إجراء الختان فإنهم يشرعون بشكل خاطئ هذه الممارسة على أنها سليمة طبيا أو مفيدة لصحة الفتيات والنساء، خاصة أنهم غالبًا ما يتمتعون بالسلطة والاحترام في المجتمع.

طبيبة: لا يتم عادة الإبلاغ عن جرائم الختان

تستقبل ماريا، في المستشفى الذي تعمل به طفلات تعرضن للختان وتُركن ينزفن لوقت طويل عادة، أملا أن يتوقف النزيف دون زيارة المستشفى التي قد تعرضهم للمسائلة القانونية، وبالتالي يصل كثير منهن في حالة سيئة، وأغلبهن يخضعن للختان بدرجتيه الأولى أوالثانية.

تقول ماريا، إن المستشفى في تلك الحالة تقدم الإسعافات الطبية للحالة والتي تشمل غالبا خياطة الجرح ونقل الدم، ثم إبلاغ إدارة المستشفى لإبلاغ خط نجدة الطفل أو لتحرير محضر لأسرة الطفلة، ولكن ذلك لا يحدث غالبا خاصة في القرى.

تشير ماريا، إلى أن أفراد الشرطة يكونون غالبا من أهل القرية ذاتها ويحاولون تسوية الأمر دون بلاغ، كما يخشى الأطباء أيضا في حال إصرارهم على الإبلاغ التعرض للاعتداء من ذوي الفتيات.

الجميع مطمئن والفتيات تدفعن الثمن.. ترى ماريا أن أفراد القطاع الطبي الذين يجرون الختان مطمئنون أنهم لن يتعرضوا للإبلاغ لإجراءه بطلب ذوي الفتيات، فيكونون أكثر حرصا من الإفصاح عن إجراءه خوفا من المسائلة القانونية للطرفين، وليس لأنه لم يعد يحدث.

في أبريل 2021 نشرت الجريدة الرسمية، القانون رقم 10 لسنة 2021، والذي عالج مشكلة تطبيب الختان، والذي يعاقب كل من يجري الختان أو يطلب إجراءه، ويشدد العقوبة على الأطباء ومزاولي التمريض ممن يجرون الختان.

الأمم المتحدة أشادت بالقانون، وقالت إنها لحظة تاريخية، حيث تواصل مصر، تعميق تشريعاتها لمنع ختان الإناث، وإن التعديلات الجديدة سيكون لها آثار خطيرة على أولئك الذين يمارسون الختان أو يروجون له، حيث سيساهم إنفاذها في مكافحة تطبيب ختان الإناث.

تعتقد ماريا، أن تشديد القوانين التي تجرم تطبيب الختان مهم ولكنه ليس كافيا للسيطرة على المشكلة وتسبب في تحولها لعملية سرية، وأن تغيير الثقافة هو الأهم، لأن أفراد القطاع الطبي هم أبناء بيئتهم وثقافتهم بالنهاية.

قمنا بمسح للأخبار المنشورة بشأن الختان في أرشيف الأخبار، وذلك منذ إقرار القانون في أبريل 2021 وحتى نهاية أغسطس 2023.

وجدنا أن حكما واحدا صدر في سبتمبر 2021 مستندا للقانون المشدد، وقضى بمعاقبة أب وممرض غيابيا بسجن الأول 3 سنوات مع الشغل والسجن المشدد للثانى 10 سنوات، لقيامهما بختان ابنة المتهم الأول وإحداث عاهة مستديمة بها.

أسماء.. سنوات الرعب في انتظار المشرط

كانت أسماء، التي تقيم مع عائلتها بإحدى الدول الأوروبية، تعرف جيدا أنها ستتعرض للختان مثلما حدث مع أختها الأكبر منها، وأن ذلك سيحدث في واحدة من زياراتهم الصيفية للعائلة بأحد أحياء القاهرة.

ظلت أسماء، لسنوات تشعر بالإعياء حينما يحين وقت زيارتهم السنوية لمصر، تتنصت على أحاديث والديها لتعرف إذا ما كانا يخططان للأمر، أكثر من سبع سنوات مضت مع انتظارها للمشرط وتوقعه والرعب منه.

وذات زيارة تلعنها أسماء، حضرت طبيبة لمنزل عائلتها بالقاهرة، بدأت باثنين من قريباتها، بينما كانت تنصت هي لصرخات الفتيات وأصوت تصادم المقصات والمشارط التي يجري تعقيمها استعدادا لها.

وحين جاء دورها أمرتها والدتها بخلع بنطالها لتعاينها الطبيبة، وهي الفتاة الخجولة المرتعبة، تم وضعها على مفرش بلاستيكي، كانت قد شاهدت جدتها تفرشه على الأرض عند ذبح الأضحية في عيد الأضحى، أما اليوم فهي صاحبة الدم، ودون عيد.

قامت سيدتان من قريباتها بمساعدة أمها بخلع ملابسها وتقييد حركتها، بينما بدأت السيدة المرعبة ما تصفه أسماء، اليوم ب "نزع لحمها".

تقول الفتاة، أعتقد أن صراخي وصل للحي كله، ولكن الغريب أني شعرت بعدها رغم الألم المبرح والشعور بالخزي بالارتياح للمرة الأولى منذ سنوات. مأساة انتظاري انتهت، وإن انتهت بنزع لحمي عن جسدي.. عشت سنوات من الرعب.

حاولنا الحصول على تعليق من الدكتور عمرو حسن، مستشار وزير الصحة والسكان لشؤون السكان وتنمية الأسرة، حول إجراءات وزارة الصحة لمكافحة تطبيب الختان، ولكن لم نلق رد، حتى موعد نشر التحقيق.

ترى منظمة الصحة العـالمية أنـه لا بد من بذل جهود مكثفة في مصر لمنع كافـة أشكال "تطبيب الختـان" انطلاقا من المبادئ الأخلاقية الأساسية للرعايـة الصحية. فلا يمكن السماح بالتشويه الجنسي للإناث بأي شكل وفي أي مكان، لأن الختان بكل أشكاله ودرجاته ضار للبنات والسيدات، وإجراءه بواسطـة الفريق الطبى لا يمنع هذه الأضرار، بل يساعد على استمرار هذه الممارسة.

*انجز هذا التحقيق بدعم من المركز الدولي للصحفيين.. وبإشراف مها صلاح الدين.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان